شفرة موس الحلاق قد تكون قاتلة..«الديار» تحقق والصحة العالمية تُحذر

استيقظ "عمر عبد المولى" الشاب العشريني مبكراً صباح الثالث من يونيو 2018، كان اليوم مختلفاً عن بقية أيام حياته، القلق والتوتر يسيطر على ملامحة المرهقة بسبب الأرق وقلة النوم على مدار 7 أيام ماضية استعداداً ليوم زفافة بعد انتظار طال سنوات.
لم يتوقع أن هذا اليوم الملقب بـ"ليلة العمر" كما يسميه الأهالي في صعيد مصر، سيكون اسوأ أيام حياته، ليس الزفاف سبباً، لكنه أصيب بجرح قطعي في الذقن أثناء الحلاقة بأحد المحلات القريبة من منزلة بإحدى قرى محافظة أسيوط، نُقل على إثره إلى مستشفى البداري المركزي لتلقي العلاج.
ضُمد الجرح وكأن شيئاً لم يكن، بكن بعد مرور شهر ونصف تقريباً، شعر عمر بارتفاع في درجات الحراة وحالة إعياء شديدة نُقل على إثرها إلى المستشفى مرة أخرى وفور وصوله إلى استقبال المستشفى اشتبه الطبيب في حالته وسأله عن بداية ظهور الأعراض وعما إذا كان تعرض لإصابة قريبة أو نقل دم، فأخبره بالجرح الذي إصابة عند الحلاق قبل شهر ونصف، طلب إجراء بعض الفحوصات للتأكد من عدم انتقال عدوى أو فيروسات إليه خاصة بعدما علم أن الجرح ناتج عن "شفرة حلاقة مستعملة".
يروي "عمر" معاناته لمحرر الديار
بعد إجراء الفحوصات الأولية بالمستشفى التي بينت إصابته بمرض الكبد الوبائي "C" وهو فيروس خطير ينتقل عن طريق الدم ويصيب أنسجة الكبد، وتستمر فترة علاجه المكلفة عدة أشهر أو سنوات في حالة سيطرة الفيروس على الكبد، حسب منظمة الصحة العالمية.
"عمر" واحداً من بين آلاف يصابون سنوياً بالفيروسات والأمراض المختلفة الناتجة عن انتقال العدوى عبر معدات الحلاقين الملوثة والغير معمقة جيداً. ما حدث معه يمكن اعتباره رسالة قوية إلى المسئولين بوزاة الصحة والجهات المختصة بالرقابة على الأسواق ومحلات الحلاقة وكل ما يتعلق بصحة الإنسان، بعد تجاهلهم لها طيلة السنوات السابقة مما جعل أصحابها يأمنون العقوبة الرادعة التي تدفعهم إلى الحرص على صحة المواطنين من خلال الإهتمام بالنظافة وتوفير أدوات التعقيم المناسبة لأدواتهم المستخدمة وخاصة ماكينات وشفرات الحلاقة التي تُستخدم لمئات المترددين عليهم بصورة شبه يومية.
منظمة الصحة العالمية تحذر من محلات الحلاقة
في عام 2006 أصدرت منظمة الصحة العالمية في طبعتها الثالثة - الجزء الأول - بعنوان الأمراض الناجمة عن الجراثيم والفطريات بمحلات الحلاقة في الشرق الأوسط، كتاباً يحذر من مخاطر تلوث أدوات الحلاقة بالصالونات والمحلات المتخصصة، قالت فيه أن المواطنين المصريين الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض والفيروسات الكبدية عبر استخدام أدوات الحلاقة الملوثة، بسبب غياب الدور الرقابي والتفتيش الصحي المستمر على هذه المحلات، أخطر هذه الأمراض إلتهاب الكبد الوبائي " C" الذي ينتقل عن الدم أو الاتصال الجنسي فيما تتسبب عمليات نقل الدم أو الوخز بالإبر الصينية أو الوشم أو شفرات الحلاقة أو معدات الأسنان والغسيل الكلوي واستعمال المناظير الداخلية والحقن غير الملوثة بانتقال النوع B، أما النوع A فهو الأقل خطورة وينتقل بشكل رئيس من خلال تناول الأطعمة والمشروبات غير النظيفة.
وفي حالة الشاب "عمر" المصاب بفيروس " C" يقول الأطباء المعالجين أن تماثله للشفاء يسير ببطء نتيجة انقطاعه عن شراء الدواء نظراً لأسعاره المرتفعة قبل إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي لمبادرة "100 مليون صحة" التي بدأت قبل عدة أشهر ولا زالت مستمرة حتى الآن، تم توفير العلاج بالمجان للحالة وانتظم على تناول الدواء ونتائج التحليلات الأخيرة مطمئنة للغاية. ومن المتوقع أن يتماثل للشفاء الكامل بعد عدة أشهر.
طبيب يكشف أمراض خطيرة منتشرة عند الحلاقين
في مقابلة أجراها محرر "اليوم الجديد" مع الدكتور محمود أنور، مدير الإدارة الصحية بمركز البداري التابع لمحافظة أسيوط، كشفت عن وجود أمراض خطيرة عند محلات الحلاقة قد تنتشر بين المواطنين نتيجة تلوث الآلات والمعدات والشفرات المستخدمة، أهمها "البشكير" الذي يلفه الحلاق حول رقبة زبائنه، والذي يتسبب في نقل الأمراض الجلدية والفطريات التي تبدأ من القوب وقمل الرأٍس إلى الإلتهابات الجلدية المزمنة التي تؤدي إلى تقرحات جلدية خيرة في معظم الأحيان. كما أن فرشاة الشعر التي يُنظف بها وجوه الزبائن تنقل الإلتهابات والفيروسات نتيجة ملامسة للدماء وعرق الوجه والرزاز المتناثر في حالة العطس والكحة بين المواطنين، خاصة في فترة الأعياد التي تشهد إقبالاً كثيفاُ عن صالونات الحلاقة.
مدير الإدارة الصحية بالبداري، يغير جلسته ويكمل: الأمشاط وملاقيط الشعر ومسند الرأس في كرسي الحلاقة، جميعهم يؤدون إلى التهابات وحكة في الرأس وتقيحات جلدية في فروة الرأس قد تتطور في حالة عدم علاجها بشكل سريع إلى تساقط الشعر بشكل كامل وقد لا ينمو مرة أخرى، ناهيك عن شفرة الحلاقة التي تعد من أخطر الأدوات التي تتسبب في نقل الفيروسات نتيجة ملامستها للدماء وانتقالها مش شخص لآخر.
تعقيم ملوث
يوضح، محمود محمد الحميلي، المراقب الصحي بمديرية الصحة بأسيوط، لـ"اليوم الجديد"، أن معظم الحلاقين يوهمون الزبون بأن أدواتهم معقمة بشكل جيد، عن طريق إشعال النار في شفرة الحلاقة أو غمسها في مطهر عادي أو رشها بالكحول، والحقيقة أن كل هذه الطرق لا تجدي نفعاً ولا تعقم الأدوات بطريقة سليمة، حيث أن الدماء التي لامست الشفرة إن كانت مصابة بفيروس، يستمر الفيروس نشطاً لـ 7 أيام إن لم يتم تعقيمه بالأجهزة المخصصة لذلك وهي "كلاس بي"، حسب ما أكدته منظمة الصحة العالمية، في اليوم العالمي للبيئة.
غير أن الكارثة الكبرى تكمن في الحلاق نفسه، هل هو يتمتع بصحة جيدة تؤهله لامتهان تلك الصنعه؟، "ببساطة لو كان مصاباً بالسل المعروف علمياً بـ"الدرن الرئوي"، وعطس أو كح أثناء حلاقته وتناثر الرزاز على وجه الزبون سينتقل السل إليه بلا ذنب".
يتذكر، الدكتور محمود أنور، شيئاً مهما: انتقال الدم من شخص لآخر عبر شفرة الحلاقة لا ينقل الفيروسات والأمراض الجلدية فقط، بل يتطور الأمر وتزداد خطورته إلى الإصابة بمرض "الإيدز"، وجميع الأمراض التي ذكرناها تنقل بين الزبائن بمجرد تلامس الدماء نتيجة الجروح الناتجة عن شفرة الحلاقة الموحدة التي يستخدمها الحلاق.
وتأكيداً لما ذكره المختصون، فإن محرر "اليوم الجديد" أجرى بحثاً عن دراسات تؤكد انتشار تلك الأمراض عن طريق محلات الحلاقة فوجد دراسات حديثة أجرتها منظمات بحثية بالتعاون مع اليونيسيف مطلع العام الماضي، أثبتت أن أدوات الحلاقة المستخدمة في الصالونات الرجالية سبب رئيس لانتشار بعض الأمراض المعدية، نتيجة تلوثها واستعمالها بشكل متكرر من شخص لآخر، كما أن المطهرات التي يستخدمها الحلاقون غير كافية للقضاء على الميكروبات، ما يعرض الأطفال إلى أمراض معدية تنتقل من خلال هذه الأدوات، أو حتى عن طريق يد الحلاق إذا كانت غير نظيفة.
غياب الرقابة
قال، محمد العطيفي، أحد النشطاء بمحافظة أسيوط: أن السبب الرئيسي وراء تلوث محلات الحلاقة هو غياب الدور الرقابي الذي تسبب في عدم اهتمام أصحاب تلك المحلات بنظافتها وتوفير معدات التعقيم المثالية للأدوات المستخدمة، منعاً لانتشار الأوبئة والأمراض التي تهدد المجتمع، وتكبد الدولة الخسائر الفادحة التي تقدر بالمليارات لتوفير الأمصال والمضادات وإطلاق الحملات القومية للقضاء على الفيروسات الكبدية والأمراض غير السارية "100 مليون صحة"، التي استهدفت فحص الشعب المصري، بعد ظهور مؤشرات عالمية تؤكد أن الدولة في مقدمة الدول إصابة بالفيروسات والتي وصلت إلى 60% من إجمالي التعداد السكاني.
وتابع، رمضان مصطفى، تقدمنا بعدد من الشكاوى إلى الصحة لتشديد الرقابة على محلات الحلاقة، لكن دون جدوى، حيث كانت ردودهم أنهم غير مختصين قانوناً بالتفتيش على تلك الفئة من المحلات، ولا تملك الصحة الحق في مداهمتها وإنما تصدر شهادات صحية للعاملين بها فقط، وأن الوحدات المحلية هي الجهة المنوط بها التفتيش والإستعانة بمسئول مكافحة العدوى يفتش على مسئوليتهم وتحت غطائهم القانوني الصادر في قانون المحليات وتعديلاته ولائحته التنفيذية.
محرر التحقيق تواصل مع محافظة أسيوط ومديرية الصحة لسماع رأيهم لكنهم رفضوا التعليق.