الثلاثاء 19 مارس 2024 11:59 صـ 9 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
الرد علي شائعة إجراء تعديلات على مواعيد جدول امتحانات شهادة الثانوية العامة للعام الدراسي 2023/2024 وزير التعليم العالي المصري يُلقي كلمة مصر في الدورة 219 للمجلس التنفيذي لليونسكو اجتماع اللجنة الإشرافية العليا لفرع الهيئة العامة لتعليم الكبار بالدقهلية بمحافظة الدقهلية محافظ الدقهلية يتابع أعمال الحملة المكبرة لإزالة التعديات علي الأراضي الزراعية التي تم تبويرها بطريق رافد جمصه إزالة التعديات عن 53 فدانا بقنا الجديدة .. واسترداد 41 فدانا بالفشن الجديدة بقرار وزير الإسكان وزيرة الهجرة خلال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ: طلابنا في الخارج ثروة ضخمة من العقول النابغة الواعدة التي تتطلع للمساهمة في بناء الجمهورية... ”الجنايني” .. في ذمة الله قطع المياه اليوم عن قرية ميت ابو خالد بميت غمر للقيام بتنفيذ اعمال ربط لخط محطة المياة المرشحة الجديدة الإدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية توجه نصائح وتعليمات هامة للمواطنين حال سقوط الأمطار والطقس السيئ محافظ المنيا يهنئ السيدة الفائزة بلقب الأم المثالية لهذا العام حجم كبير جدا للندوات التوعوية الصحية عن شهر فبراير بصحة دمياط تعرف على حالة البحر في ظل حالة الطقس اليوم الثلاثاء

”عمر محمد الشريف“ يكتب : جعلته مني مكان النحو من ابن جني

عمر محمد الشريف
عمر محمد الشريف

قال الأستاذ الإمام محمد عبده عن صديقه القاضي الشيخ عبدالكريم سلمان: " جعلته مني مكان النحو من ابن جني"، وابن جني هذا كان مضرب المثل في معرفة النحو على مدار قرون، وأما ابن سلمان فكان صديق محمد عبده الذي نشأ ملازماً له، لا يغادر أحدهما الآخر حتى بعد انتقالهم من البحيرة مسقط راسهم للدراسة بالأزهر المعمور. ولقد ضرب الأستاذ محمد عبده مثلاً يصور به تلازمهما، فقال: "كأن يسأل السائل هل رأيت الشيخ محمد عبده؟ فيقول: ولا الشيخ عبد الكريم سلمان. أما المفكر أحمد أمين في فيض الخاطر فيقول عنهم : "الشيخ عبد الكريم سلمان كان أذكى من الشيخ محمد عبده وأوفر استعدادًا، ولكن كان الشيخ محمد عبده متفائلًا وكان الشيخ عبد الكريم متشائمًا. كان الشيخ محمد عبده يرى أن الناس خيِّرون بطبعهم، وإنما أفسدتهم الظروف، فإذا أُصلحت صلحوا. وأن المصريين كغيرهم من الناس، إذا ساءت بعض أخلاقهم وبعض تصرفاتهم، فلهم العذر، لِما جنى عليهم أولو الأمر فيهم، فإذا دُعوا إلى الخير ومُهِّدت لهم السبلُ ورسمت لهم الطرق ورُبُّوا تربية صالحة، لَبُّوا الدعوة واستقام أمرهم، واتسع أمامهم طريق المجد والشرف، وعلى هذا الأساس بنى كل حياته وكل أعماله. وكان الشيخ عبد الكريم متشائمًا يرى أن الناس في مصر فسدوا فسادًا لا يُرجى معه صلاح، والمصلح يحرق نفسه ثم لا يأتي بنتيجة، فخيرٌ أن يكتفي المصلح بنفسه، وليدع الناس وشأنهم حتى يأكلهم القدر. أما الأول فأصبح — لتفاؤله — الشيخ محمد عبده المصلح العظيم الذي ترك في أمته الأثر الكبير؛ وأما الثاني فلم يعرفه إلا خاصته، ولم يستفد من ذكائه إلا أقرب الناس إليه، وكان شمعة مضيئة في غرفة خالية. لا شيء يُضيع ملكات الشخص ومزاياه كتشاؤمه في الحياة، ولا شيء يبعث الأمل ويقرِّب من النجاح وينمي الملكات، ويبث على العمل النافع لصاحبه وللناس، كالابتسام للحياة، والطبيعة أدرى بذلك". فقلت : عندما تقرأ هذا الوصف لوهلة تظن أن الشيخ عبدالكريم لم يكن معروفاً في عصره ولم يشارك في الحركة الإصلاحية، والحقيقة أن كلاهما قد توليا نفس المناصب تقريباً عدا أن الإمام كان مفتياً للديار المصرية، فقد عمل الشيخ عبدالكريم محرراً بجريدة الوقائع المصرية في أزهى عصورها أعوام ١٨٨٠م و١٨٨١م، والتي كان يتولى تحريرها الشيخ محمد عبده ووضع لها نظاماً حديثاً في الإدارة، وشارك الشيخ عبدالكريم في حركة الإصلاح التي قادتها الجريدة بمقالات دينية مع نخبة من قامات ذاك العصر أمثال سعد زغلول وإبراهيم الهلباوي وغيرهم. ولما قامت الثورة العرابية في عام ١٨٨٢م كان محمد عبده من مؤيديها فتم القبض عليه وحكم عليه بالنفي إلى بيروت، فحل محله الشيخ عبد الكريم في رئاسة تحرير الجريدة حتى أُلغي القسم الأدبي من الجريدة. انتقل بعد ذلك للعمل بالقضاء، حيث عُين في عام ١٨٩٨م قاضيًا بالمحكمة الشرعية العليا، ثم عُين مفتشًا عامًا ورغم أنه كان شافعي المذهب، فقد حصل على شهادة العالمية في المذهب الحنفي ليتسنى له القضاء في المحكمة العليا الاستئنافية على مذهب الحنفية؛ إذ كان لا يتقلد قضاء مصر آنذاك إلا الحنفية. ولما مرض الشيخ شمس الدين الأنبابي شيخ الأزهر، وأنتدب الشيخ حسونة النواوي وكيلا للأزهر عام ١٨٩٤م، صدر قرار بتشكيل لجنة لمعاونته في إصلاح شئون الأزهر مكونة من خمسة من كبار العلماء هم : محمد عبده، عبدالكريم سلمان، محمد أبو الفضل الجيزاوي، سليمان العبد، والسيد أحمد البسيوني. كما عُين الشيخ عبدالكريم بمجلس الأزهر الأعلى واستقال منه عام ١٩٠٥م، على اثر استقالة السيد علي الببلاوي شيخ الأزهر الشريف، والمفتي الإمام محمد عبده، وشيخ الحنابلة السيد أحمد البسيوني، اعتراضاً على العوائق التي فرضت ضد مشروعهم الإصلاحي . وسيرة الشيخ العملية تظهر أن الشيخ عبدالكريم سلمان كان مشاركاً في الخطاب الإصلاحي لجريدة الوقائع، متبنياً نفس الفكر الإصلاحي في مجلس إدارة الأزهر، حيث لازم صديقه الإمام أكثر من عشر سنين بذلا فيها جهودا موفقة في خدمة الأزهر، وإصلاح شئونه، وكان بينهما تقارب في الرأي، وتناسب في الفكر. والغالب على الشيخ ابن سلمان أنه كان لا يحب الظهور والتصدر، لم يسع لحظ الدنيا، حيث يقول محمد كامل الفقي في كتابه الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة: "كان رحمه الله أبلغ الأمثال في الإباء، والاعتزاز بالكرامة رحيما يرثي للمنكوبين، ويغدق خفيه على المعوزين، ويسعى لقضاء مصالح الناس، فلا ترد له كلمة ولا تنتكس له شفاعة، ويؤثر غيره على نفسه، ولو كان به خصاصة ويقدم سواه فيما هو أهل له، رجا صديقه الإمام، وسعدا يوما ما في تعيين بعض الأصدقاء، وقد توسط به من منصب كبير، قال له الإمام: إنني وسعدا ندخر هذا المنصب لك، وأنت أجدر الناس به، فقال: لا، لن أقبله إنما هو لصاحبي فقد أعطيته كلمة. وبلغ من الرثاء للمحتاجين البائسين أنه كان يجمع من كثير من الأغنياء صدقة يوزعها عليهم ترفيها عنهم. وما زال كذلك في حركة دائبة في الإصلاح، وآية فذة في العلم والأدب حتى قبض رحمه الله في يوم الجمعة السابع عشر من مايو سنة 1918م على أثر نوبة قلبية”. فقلت: لعل هذا يجعل الشيخ عبدالكريم من أصحاب الشهرة في السماء، المشهورين في الملأ الأعلى عند الله وبين ملائكته، الذين اشتهروا في الأرض بعلمهم وإخلاصهم وطيب أعمالهم، رحم الله الشيخين الجليلين، وغفر لنا ولأحمد أمين.