جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:56 صـ 14 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

شريف حمادة يكتب: النيل والمفاوضات الخشنة

شريف حمادة
شريف حمادة

بعدما وصل المسار التفاوضي بين مصر وإثيوبيا، بشأن «سد النهضة»، إلى نقطة الانسداد ، وبعدما قامت إثيوبيا بملئ بحيرة السد بقرار فردى، وبعدما أصبحت الأزمة واقعا حياتيا سوف يصل إلى الكارثة الوجودية للشعب المصرى ، بتنا ملزمين أمام أبناءنا بالحفاظ على مستقبلهم فى الخطوات القادمة للتعامل مع هذا الملف الحيوى.

وبما أن نقطة المياة تمثل حياة للإنسان عليه أن يحافظ عليها بما أوتى من قوة طالما لا يحرم منها آخر ، أصبح من البديهى والضرورى إعادة دراسة الملف منذ البداية وحتى النهاية ومعرفة نقاط الضعف التى استغلتها إثيوبيا وتعاملت معنا بسببها بإستراتيجية تقوم على الإحتفاظ باليد العليا والخداع وفرض الأمر الواقع على مصر والسودان طوال مرحلة التفاوض التي اعقبت توقيع اتفاق المبادئ عام 2015 .

أولا أرى أنه لا مانع من أن نتلاوم ونلقى بالأسباب مرة على اهمال الرئيس الأسبق حسنى مبارك للمف الإفريقى وبخاصة دول حوض النيل ومرة على ثورة يناير ولا ننسى الجلسة الغريبة التى إذيعت على الهواء مباشرة وأدت إلى تخوف الإثيوبيين من مصر ، ووصولا بإتفاقية المبادئ التى كانت أحد أهم الأوراق التى إعتمدت عليها إثيوبيا فى توفير التمويل من الدول والمؤسسات الدولية ، ولا مانع من أن نتهم أنفسنا بأننا دخلنا المفاوضات ولم يكن لدينا المعلومات الكافية حول المشروع.

بل للأسف الشديد هون بعض الخبراء من السد وزعموا بأنه مبنى فى منطقة جغرافية سيئة وسوف ينهار ، وآخرون اعتمدوا على حالة العداء الشديد بين بعض مكونات المجتمع الإثيوبى الناتج عن الفقر وسيطرة قبيلة على معظم ثروات البلد الإفريقى فقير الموارد وهو ما قد يمنعهم من تنفيذ السد.

وبما أننى أحب نقد الذات لكن أكره جلدها فالوقفة مع الذات تجعل الانسان يتأمل فيراجع كل خطواته والنتيجة هى تصحيح لوضع قد مال قليلا.

الغريب أن الشعب المصرى قد شبع دراسات وكتب ومقالات منذ نهاية السبعينات حول «حروب المياه»، ويعرف جيدا المطامع الصهيونية لمياة النيل ومع ذلك لم نضع أية سيناريوهات للتعامل مع الموقف، رغم كثرة المراكز البحثية والاستراتيجية، حتى وصلنا إلى أن نضطر كما يقول أهل البلد أن «نأكل من لحم الحى» أى نعوض النقص فى المياة من بحيرة السد.

وطبقا لتصريحات مسئولى وزارة الرى فلن تكفى سوى عامين أو عامين ونصف على الأكثر ، وبعدها فالكارثة على الأبواب.

أنا لا أحاول هنا أن أتهم أحد بالتقصير فى الملف لكن الحقيقة تؤكد وجود كارثة قد نعيشها ومعنا أجيال قادمة لو تركنا أثيوبيا تتلاعب بالمفاوضات مثلما حدث على مدار السنوات التسع الماضية، منذ إعلان أديس أبابا تدشين السد على الرافد الرئيسي لنهر النيل بمصر، فقد أتبع المفاوض الإثيوبي أسلوب عمل تبنته كوريا الشمالية خلال مفاوضات نزع السلاح النووي مع الولايات المتحدة، هذا الأسلوب قائم على التأجيل المتكرر وكسب الوقت لحين الوصول إلى نقطة استراتيجية في البرنامج لا يمكن الرجوع عنها.

ثم إن تحليل الخطاب السياسي لأبى أحمد ووزراءه، بتوجهاتهم الشعبوية، تفصح إلى أنه من غير المرجح أن يتنازلون عن المضي قدماً في خططهم الخاصة بإتمام المشروع، والالتزام بالإطار الزمني لملء الخزان حتى لو رفضت مصر والسودان.

وبما أن النتائج التى وصلنا إليها لم تصل بنا إلى الهدف الذى يتمناه المواطن المصرى والدولة المصرية ، فهذا يعنى أن الخطوات التى اتبعناه خلال الفترة الماضية كانت غير منضبطة وعلينا أن نرجع للمسار الصحيح الذى يعتمد سياسة أخرى تعتمد على القوة واستخدام كل أدوات الضغط حتى ولو وصلنا للتلويح بأى عمل دبلوماسى وغير دبلوماسى فالموقف الحالى تخطى مرحلة التعامل بنبل وفروسية مع الإثيوبيين فى التفاوض لأنهم تعاملوا معنا بفرض الأمر الواقع.

فكل الظروف المحيطة قد تدفعنا للتهديد بعمل عسكري ضد السد (وربما أوسع من ذلك) للحفاظ على ما هو حقا لنا، فسيقول البعض أن العالم الخارجى سوف يرفض وما المانع فقد يكون التهديد هو جذب لانتباه المجتمع الدولي المنشغل بقضايا أخرى إلى قضية السد.

هذا إلى جانب إعادة الملف لمجلس الأمن بعد إثبات محاباة الاتحاد الإفريقى الذى تقوده جنوب إفريقيا للجانب الإثيوبى ،الذى تثبت مواقفه الأخيرة عدم مصداقيته ، وأنها لا تريد فقط توليد الطاقة، بل تتصرف بصفتها مالكة للنهر، وهو يعرّض منطقة حوض النيل الشرقي لخطر الإنزلاق إلى صراع طويل المدى.

فى الوقت الذى أثبتت فيه مصر للعالم طوال السنوات الماضية، وبكل الوسائل، مدى حرصها على نهج التعاون، واقتسام المصالح، والتشارك في التنمية.

كما أن الضغط على الشركاء الدوليين أهم النقاط الأساسية فى أجندة المرحلة القادمة بدءا من الولايات المتحدة التى لها مصالح مشتركة بل وإستراتيجية معنا وطبعا على الإتحاد الأوروبى أن يعرف أنه فى مرمى النيران حيث يقوم النظام المصرى بحماته من مخاطر الهجرة غير الشرعية ، ولو تأثرت مصر وبارت أراضيها أو أصابها القحط بسبب إثيوبيا فسوف يكون الشاطئ الأوروبى الأقرب للمصريين ، ولن يمنعه أحد.

أما الصين وهى من أهم الشركاء لإثيوبيا عليها أن تعرف أنها قد تخسر سوقا به 100 مليون مستهلك ويمكن توفير البدائل لمنتجاتها، أما الأصدقاء العرب فعليهم أن يثبتوا حقا أنهم مع الدولة المصرية من خلال الضغط على إثيوبيا بأن تطول فترة الملئ فى مقابل استثمارات عربية ومصرية بها.

وعلى المفاوض المصرى أن يتمسك بالإطار القانوني والسياسي الذي يحمي حقوق مصر المائية، وفقاً للقانون الدولي، وهو ما يعني التمسك بقاعدة الإخطار المسبق، وهنا، ينبغي رفض الإصرار الإثيوبي الخاص بملكيتها للنيل الأزرق، بصفته نهراً إثيوبياً خالصاً ، حتى ولو وصل الأمر إلى الإنسحاب من إتفاقية إعلان المبادىء 2015 للضغط على الاتحاد الافريقى عند التفاوض.

أما الجانب الأخطر من الملف وعليه أن ندرسه جيدا مستقبلا وهو الخلاف المصري - السوداني الذى لم يختفى عن الأنظار طوال فترة المفاوضات دون سببا واضحا سوى اهتمام كل دولة بمصلحتها الشخصية ، وكان الأولى أن نسعى لتوحيد المصالح ، وأن نعيد طمأنة الجانب السودانى على سهولة تسعير الكهرباء التى يحصل عليها السودان من السد العالى حيث بدأ الجانب الإثيوبى يستغل الخلاف ووعدهم بإبرام إتفاقية لتصدير الكهرباء بسعر 5 سنت للوحدة بدلا من 10 سنت التى عرضتها مصر طبقا لكلام وزير الطاقة السودانى.

أما على المستوى الداخلى فأصبحنا مضطرين لتنفيذ سياسة ترشيد استغلال مياه النيل، من خلال التنسيق للجهود بين الجهات المختلفة فى الدولة، من أجل تعظيم الاستفادة من الموارد المائية، وترشيد استهلاك المياه، والحفاظ على كل قطرة مياه، واستغلالها بالشكل الأمثل ، والتوسع فى إنشاء محطات تحلية مياه البحر بالمحافظات الساحلية، وكذا التوسع فى المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحى، واستخدامها فى رى ملاعب الجولف والحدائق العامة وأشجار الشوارع.

كذلك علينا تنفيذ مصارف خاصة لمياة الأمطار والسيول للإستفادة منها بدلا من التعامل معها ككارثة على البنية التحتية، كذلك أتمنى دراسة الإستفادة من مياه الوضوء فى المساجد وحتى فى المنازل من خلال عمل مواسير خاصة بها فهى مياة سهل معالجتها، أما المختلطة بالصرف الصحى فالمعالجة بها مكلفة ولها أغراض محددة.