فى شم النسيم المصريون يحنفلون بالحياة كما علمتهم أجدادهم

في صباح مشرق من كل عام، تتنفس مصر بهجة الحياة في عيد شم النسيم، حيث تكتسي الحدائق بالألوان، وتمتلئ الشوارع بروائح الفسيخ والبصل الأخضر، وتعلو ضحكات الأطفال وسط الزهور والنسائم الرقيقة. إنه العيد الذي لا يعرف تفرقة دينية أو طبقية، بل هو عيد مصري أصيل، عاش في وجدان المصريين منذ آلاف السنين، متحديًا الزمن، ومحافظًا على طقوسه وخصوصيته. عيد فرعوني الأصل.. يحتفل به كل المصريين يعود أصل شم النسيم إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام، حيث كان يحتفل به المصري القديم في أول أيام الربيع، باعتباره عيد "بعث الحياة". وكان يُطلق عليه "عيد شمو"، أي بعث الحياة أو ولادتها من جديد، وقد حرص المصريون القدماء على ربط هذا العيد ببداية الزراعة والخصوبة والنماء. عادات متوارثة تحمل رموزًا عميقة يقول الدكتور عبد الرحيم ريحان، الخبير في الآثار والتاريخ، إن "الفسيخ والبيض والبصل والملانة" لم تكن مجرد أطعمة موسمية، بل رموز تحمل معاني أعمق: البيض يرمز للخلق والبعث. الفسيخ يشير إلى التحدي والبقاء رغم الفناء. البصل طرد الأرواح الشريرة. الملانة (الحمص) ترمز للنماء والخير. ويضيف: "الطقوس الفرعونية كانت تهدف إلى الاحتفال بالحياة والانتصار على الموت، وهو ما جعل شم النسيم عيدًا عالميًا ببصمة مصرية فريدة". موقف الدين الإسلامي والمسيحي من شم النسيم وعلى الرغم من أن شم النسيم عيد غير ديني في جوهره، إلا أن الجدل يثور كل عام حول حكم الاحتفال به. في هذا الصدد، يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: "شم النسيم عيد شعبي، وليس دينيًا، ولم يرد فيه نص شرعي يحرم الاحتفال به ما دام يخلو من المحرمات، مثل الخمور أو الاختلاط الفاحش. بل إن الترفيه عن النفس، والتواصل الأسري، والخروج للهواء الطلق، كل هذا من الأمور المستحبة". ويتفق معه القس بولس حليم، المتحدث السابق باسم الكنيسة الأرثوذكسية، قائلاً: "الكنيسة لا ترى حرجًا في مشاركة المصريين في عيد شم النسيم، لأن العيد يسبق عيد القيامة المجيد، وغالبًا ما يأتي بعده بيوم، ويجمع المصريين على محبة الحياة". شم النسيم في العصر الحديث.. توارث وفرحة وفي حديثه إلينا، قال الدكتور حمدي عويس، أستاذ علم الاجتماع: "شم النسيم يمثل تراثًا شعبيًا يوحد المصريين مهما اختلفت دياناتهم أو مستوياتهم الاجتماعية. إنه مناسبة للبهجة المجتمعية، وهو ما نفتقده في كثير من أوقات التوتر". ويضيف: "الاحتفال به في الحدائق العامة وعلى ضفاف النيل يعكس ارتباط المصريين بالطبيعة، وهذا بدوره يساهم في تقوية الروابط الأسرية والاجتماعية". وأخيرا شم النسيم.. عيد بلا صخب ديني، ولكن بروح مصرية خالصة يبقى شم النسيم رمزًا للبهجة المصرية، يعيد للمصريين إحساسهم بالبساطة، والعودة إلى الجذور، والتواصل مع الطبيعة. إنه عيد "الإنسان المصري"، الذي استطاع أن يجعل من الفسيخ والبصل تراثًا، ومن البيض الملون أملًا جديدًا، ومن النسيم الذي يداعب الوجوه، رسالة خفية تقول: الحياة جديرة بأن نحتفل بها.