جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

متى ينتهي وقت الأضحية.. وهل جميعها تقبل؟

الديار -

متى ينتهي وقت الأضحية .. وهل جميعها تقبل؟.. سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر.

وقال علي جمعة: لم يشرع الإسلام شيئا إلا لحكمة بالغة وهدف نبيل‏,‏ فما من عبادة أو شعيرة شرعت في الإسلام إلا وكان الهدف الأسمى منها هو التقرب إلى الله وزيادة درجة التقوى وتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع.

وتابع: يجب أن تكون حياة المسلم كلها لله رب العالمين‏,‏ قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163].

وبين أن من نفحات الله وفضله على عباده أن جعل لهم مواسم يتقربون إليه فيها بعبادات متنوعة‏,‏ ليزدادوا قربا وعطاء وأنسا به سبحانه‏,‏ ومن تلك الأوقات المخصوصة بمزيد رحمة وإحسان العشر الأوائل من ذي الحجة التي أقسم الله تعالى بها‏: (وَالفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2] وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: ‏«ما العمل في أيام أفضل منها في هذه‏ ‏ قالوا: ولا الجهاد؟ قال‏: ‏ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء» (‏صحيح البخاري) ولذا يستحب التقرب إلى الله في هذه الأيام المباركة بجميع الوسائل‏.‏

ولفت إلى أن الأضحية من هذه الوسائل التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة‏,‏ والمقصود بالأضحية شكر الله تعالى على نعمة الحياة إلى حلول الأيام الفاضلة من ذي الحجة وعلى التوفيق فيها للعمل الصالح‏.‏

وتشتمل الأضحية على معان جليلة وحكم قيمة‏;‏ منها‏:‏ التشبه بالحجاج حين ينحرون هديهم في فريضة الحج‏,‏ سواء على وجه الوجوب للمتمتع والقارن أو على الاستحباب للمفرد‏,‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها‏,‏ وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا» (‏سنن الترمذي‏).‏

ومن التشبه بالحجاج في الأضحية أنه يسن لمن أراد الأضحية عدم قص الأظافر وحلق الشعر إلا بعد ذبح أضحيته‏,‏ كما هو شأن الحجاج‏,‏ وهو تشبه بهم في كونهم شعثا غبرا‏,‏ فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏: «‏من أراد أن يضحي فلا يقلم أظفاره ولا يحلق شيئا من شعره في العشر الأول من ذي الحجة» (‏سنن الدارمي‏).‏

ومن التشبه بالحجاج في الأضحية التوسعة على الفقراء والمساكين وإدخال السرور عليهم‏,‏ كما قال تعالى‏: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) [الحج:27],‏ ولذلك كان تقسيم الأضحية كما قال الإمام أحمد‏:‏ نحن نذهب إلى حديث عبد الله‏:‏ يأكل هو الثلث‏,‏ ويطعم من أراد الثلث‏,‏ ويتصدق بالثلث على المساكين‏,‏ وقال الشافعي‏:‏ أحب ألا يتجاوز بالأكل والادخار الثلث‏,‏ وأن يهدي الثلث‏,‏ ويتصدق بالثلث‏. (‏تفسير ابن أبي حاتم‏)‏ ومن هنا قال تعالى‏: (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [الحج:37],‏ ففي الآية دلالة صريحة على أن الأضحية لا تطلب لذاتها‏,‏ ولكن للتوسعة على الفقير وابتغاء التقوى ومحبة الخير لكل الناس‏,‏ ويؤكد ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها‏: «أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏: ‏ما بقي منها؟ قالت‏: ‏ما بقي منها إلا كتفها‏.‏ قال‏: ‏بقي كلها غير كتفها‏» (‏الترمذي‏).‏

ومن حكم مشروعية الأضحية تحقيق فضيلة التقوى‏,‏ وذلك بالإذعان والطاعة والانقياد لأمر الله تعالى حيث قال‏: (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ) [الحج:37],‏ وتتحقق التقوى كذلك بحسن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه وبيانه لشروط الأضحية التي تدور حول سلامتها من العيوب تقوى للمضحي ونفعا للفقير‏,‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: (‏أربع لا تجوز في الأضاحي‏:‏ العوراء بين عورها‏,‏ والمريضة بين مرضها‏,‏ والعرجاء بين ظلعها‏, ‏أي عرجها‏,‏ والكسير التي لا تنقي‏,‏ أي الهزيلة‏) (سنن أبي داود‏)‏ ذلك أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا‏,‏ قال تعالى‏: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) [البقرة:267],‏ والإنفاق لا يكون إلا من أطيب ما يملكه الإنسان‏.‏

وبين أن في الأضحية كذلك نوع إشارة إلى القربان الأول في حياة البشرية حيث قدم كل من ولدي آدم قربانا‏, ‏فقدم هابيل كبشا من أجود الكباش التي يملكها‏,‏ في حين قدم قابيل بعضا من أردأ ثمار الأرض التي يملكها‏,‏ فتقبل الله قربان هابيل ورد قربان قابيل‏,‏ قال تعالى‏: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ) [المائدة:27],‏ فقبول العمل مرتبط بالتقوى‏, ‏وعلامة ذلك البذل والعطاء مما يحبه الإنسان‏,‏ قال تعالى‏: (لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92].‏

وفي الذبح والأضحية تذكير بسيدنا إبراهيم عليه السلام وإحياء لسنته‏,‏ إذ ابتلي فصبر‏,‏ وقدم أمر الله سبحانه ومحبته على فلذة كبده وولده إسماعيل‏,‏ حين امتثل لأمر الله وهم بذبحه‏,‏ ففداه الله عز وجل‏: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصَّافات:107].‏

وشدد: لكل هذه المعاني ولغيرها كانت الأضحية ذات شأن ومشروعية واستحباب من قبل الشرع الشريف‏;‏ إذ فيها دلالة على حسن العلاقة بين العبد وربه‏, ‏وبين الإنسان وأخيه الإنسان‏,‏ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا‏» (‏مسند أحمد‏).‏

ووقت الأضحية يبدأ من بعد صلاة العيد لقول الله تعالى‏: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2],‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: «من ذبح بعد الصلاة تم نسكه‏,‏ وأصاب سنة المسلمين» (‏البخاري ومسلم‏),‏ وينتهي الوقت بغروب شمس ثالث أيام التشريق‏,‏ وفي ذلك توسعة للزمان حتى تتحقق التوسعة على الفقراء طول أيام العيد‏.