جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 11:03 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

هل يمكن تغيير الأخلاق ؟

صوره تعبر عن الاخلاق
صوره تعبر عن الاخلاق

إنّ مصير علم الأخلاق وكلّ الأبحاث الأخلاقية، يتوقف على الإجابة عن هذا السؤال ؛إذ لولا قابليتها للتغيير لأصبحت كلّ برامج الأنبياء التربويّة والكتب السماويّة، ووضع القوانين والعقوبات الرّادعة، لا فائدة ولا معنى لها. والجواب عن ذلك قد اختلف فيه؛ فهناك من يرى أن الأخلاق ثابتة في الإنسان لا يمكن أن تتغير؛ لأنها غرائز فطر عليها، وطبائع جبل على التحلي بها؛ فلا يمكنه تغييرها ،ودليلهم على ذلك، بأنّ الأخلاق لها علاقةٌ وثيقةٌ مع الرّوح والجسد، وأخلاق كلُّ شخص تابعة لكيفية وجود روحه وجسمه، وبما أنّ روح وجسد الإنسان لا تتبدلان، فالأخلاق كذلك لا تتبدل ولا تتغير. وفي ذلك يقول الشاعر أيضاً: إذا كان الطّباع طِباعَ سوء ... فلا أدبٌ يفيد ولا أديبُ واستدلوا أيضاً بتأثر الأخلاق بالعوامل الخارجية وأنّ الأخلاق تخضع لمؤثّرات خارجيَّة مثل الوعظ والنّصيحة والتأديب، فبزوال هذهِ العوامل، تعود الأخلاق لحالتها الاُولى، فهي بالضّبط كالماء البارد، الذي يتأثر بعوامل الحرارة، فعند زوال المؤثّر، يعود الماء لحالته السّابقة. ويرى الكثيرون أن تغيير الأخلاق وارد ممكن؛ فليس متعذرا ولا مستحيلا، وهذا الرأي هو الصواب ، وأجاب أصحابه على الدّليلين السّابقين وقالوا: 1- لا يمكن إنكار علاقة الأخلاق وإرتباطها بالرّوح والجسم، لكن ذلك لا يعني بالضّرورة أنّها ستؤثر تأثيراً قطعيّاً فيها، من قبيل أن مَن يولد من أبوين مريضين، فإنّ فيه قابليةٌ على الابتلاء بذلك المرض، ولكن بالوقاية الصّحيحة، يمكن أن يُتلافى ذلك المرض من خلال التّصدي للعوامل الوراثية المتجذرة في بدن الإنسان. فالأفراد الضّعاف البَنية يمكن أن يصبحوا أشداء، بالإلتزام بقواعد الصّحة وممارسة الرّياضة البدنية، وبالعكس يمكن للأشداء، أن يصيبهم الضّعف والهزال، إذا لم يلتزموا بما ذكر. وعلاوةً على ذلك يمكن القول أنّ روح وجسم الإنسان قابلانِ للتغيير، فكيف بالأخلاق التي تعتبر من معطياتهما؟ يضاف إلى هذا أننا نعلم، أنّ كلّ الحيوانات الأهليّة اليوم، كانت في يوم ما بَرّيّةً ووحشيّةً، فأخذها الإنسان وروّضها وجعل منها أهليةً مطيعةً له، وكذلك تغيير خصائص كثير من النّباتات والأشجار المثمرة، فالذي يستطيع أن يُغيِّر صفات وخُصوصيّات النبّات والحيوان، ألا يستطيع أن يغيّر نفسه وأخلاقه ؟ بل توجد حيوانات روّضِت، لِلقيام بأعمال مخالفة لطبيعتها، وهي تُؤدّيها بأحسن وجه!. ولو كانت الأخلاق لا تتغير لبطلت الوصايا، والمواعظ، والتأديبات. وهذا الرأي هو الذي تسانده أدلة الشرع والواقع. أما أدلة الشرع فكثيرة جدا، فهي تحث على التحلي بالفضائل، والتخلي من الرذائل. ولو كان ذلك غير ممكن لما أمر به. قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] . وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] . ففي هاتين الآيتين دليل على أن الأخلاق تتغير، وأن الطباع تتبدل؛ ذلك أن حسن الخلق من الفلاح، والفلاح ينال بالتزكية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه" . ففي هذا الحديث دليل على أن الأخلاق قابلة للتغيير؛ ذلك أن الحلم من الأخلاق بل هو سيدها، وهو مع ذلك ينال ويكتسب بالتحلم، والمجاهدة، وحمل النفس على ذلك. لعمرك إن الحلم زين لأهله ... وما الحلم إلا عادة وتحلم وعن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ: (استقم ولتحُسِّن خُلُقَكَ) .فقوله: (ولتحُسِّن خُلُقَكَ) دليل قوي على أن الأخلاق تقبل التحسن ، فلو أن الأخلاق لا تتحسن ما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذا بأن يحسن خلقه . هي الأخلاقُ تنبتُ كالنبات .. اذا سقيت بماء المكرمـاتِ تقــوم إذا تعهــدها المُربـــي .. على ساق الفضيلة مُثمِرات أما دلالة الواقع فنرى، ونسمع أن أناسا يتصفون بالشر ، وسوء الخلق ،فإذا ما راض الواحد منهم نفسه، وساسها، وجاهدها، وأخذ بالأسباب المعينة على محاسن الأخلاق ـ تبدلت طباعه، وحسنت أخلاقه. وخير دليل على ذلك ما كان من أمر بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم- قبل البعثة، فلقد كانوا كسائر كثير من العرب ممن يتصفون بالشدة، والقسوة، والغلظة،فلما أسلموا ودخلوا مصنع القرآن ،وخالطت بشاشة الإيمان قلوبهم ـ رقت طباعهم، وحسنت أخلاقهم ، بل إنهم أصبحوا مثالا يحتذى، ونهجا يقتفى، في الإيثار، والسماحة، والكرم، والحلم، ونحو ذلك من مكارم الأخلاق. من هنا تتضح لنا صحة رأي القائلين بإمكانية تغيير وإصلاح الأخلاق ، وأن الاعتقاد بعدم إمكانيّة تغييرها يؤدي إلى رفض ما دعا إليه الأنبياء، والقول بأنّ سعي علماء الأخلاق وأطّباء النفس في إصلاح النفوس، هوسعيٌ غير مثمر، ويترتب على ذلك بالتّالي فساد المجتمعات البشرية.