جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 06:18 صـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
كمامات بـ4 ملايين جنيه.. إحالة 3 مسؤولين بمستشفى الشيخ زايد المركزي للمحاكمة تعطل عمليات السحب والإيداع بماكينات البريد خلال ساعات مركز خدمة المجتمع وتنمية البيئة بجامعة دمنهور يعقد فعاليات اليوم الأول لدورة التحاليل الطبية خبير اقتصادي: مؤشرات البورصة المصرية حققت أداءا جيدا الفترة الحالية تكليف سمير البلكيمى وكيلا لمديرية التموين بالبحيرة مدبولي ..الاسعار ستأخذ مسارا نزوليا بدأ من الاحد القادم التوعية بخطورة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر خلال القافلة التنموية لجامعة دمنهور جامعة دمنهور تطلق مشروع لانتاج نواقل خلوية نانوية الحجم من النباتات العضوية (FarmEVs) جامعة دمنهور تحتفل بيــــــوم التراث العالمي استكمال رصف فرعيات شارع الجمهورية بحوش عيسى بتكلفة إجمالية 4 مليون و 500 ألف جنية وزارة الصحة بالشرقية يتابع الخدمات الطبية بمستشفى الزقازيق العام المخرجة السويسرية «عايدة شلبفر » مديرا للأفلام الروائية بمهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي

د . أحمد القيسي يكتب : مفهوم الحداثة والأبداع في الكتابة الشعرية ..!

د . أحمد القيسي
د . أحمد القيسي

الحداثة والعصرنة هي مفهوم حديث وتجدد لجميع الأشياء القديمة .. وهو مصطلح يظهر في المجالات الثقافية والفكرية التاريخية حتى يدخل على مرحلة من مراحل التطور التي ظهرت في أوربا خاصة في فترة العصور الحديثة .

مفهوم الحداثة أصطلاحاً : فهي يقصد بها مذهباً أدبياً ونظرة فكرية لاتستهدف الحركة والنشاط الأبداعي فقط ، بل تدعو إلى التمرد على الواقع السياسي والإجتماعي والأقتصادي وهو المصطلح الذي نقل الأدب العربي الحديث نقلة نوعية .. بينما يعني المصطلح Modernity للتجديد بشكل عام دون الأرتباط بالفلسفات والمفاهيم المرتبطة مع بعضها .

أما مفهومها لغوياً : يعتبر من حيث اللغة بأنها هي الحدث أو الحديث ، والحديث هنا يعني الشي الجديد وهي من الكلمات التي تعني تحدث الشيء وذلك ما يعني أن الحداثة هو في اللغة من المفاهيم التي تطلق على كل شيء جديد وحدث مؤخراً وهو لم يكن موجودا في السابق ذلك هو حداثة الشيء أو الأمر .
أطلق مصطلح الحداثة بوجه عام على مسيرة المجتمعات الغربية من عصر النهضة إلى اليوم ويغطي مختلف مظاهر الحياة الإجتماعية والأقتصادية والسياسية والأدبية.
لقد أدخل التقدم المستمر للعلوم والتقنيات وثورات التكنولوجيا إلى الحياة الإجتماعية عامل التغيير المستمر والصيرورة الدائمة التي أدت إلى إنهيار المعايير والقيم الثقافية التقليدية .
وبهذا المفهوم اللغوي سقطت شمس الحداثة في عالمنا العربي المعاصر وتوافق مع ما يحمل عصرنا من عقد نفسية وقلق ذاتي من القديم الموروث ومحاولة الثورة عليه والتخلص منه . والبحث عن كل ماهو جديد يتوافق وروح العصر التطور العلمي والمادي ويواكب الأيديولوجيات الوافدة على عالمنا العربي . . فما تعنيه الحداثة أصطلاحاً فهي تمثل أتجاهل فكري أشد خطورة من الليبرالية والعلمانية والماركسية ، وكل ما عرفته البشرية من مذاهب وأتجاهات هدامة ذلك أنها تضمنت كل هذه المذاهب الفكرية ، وهي لاتخص مجالات الأبداع الفني والنقد الأدبي . ولكنها تخص الحياة الإنسانية في كل مجالاتها ألمادية والفكرية على حدٍ سواء .
الحداثة في الفكر والأدب ..
وفي الحقيقة يكاد يكون لكل قديم حديث ..!
بحيث أن كل حديث سيصبح في يوم ما قديماً أنها سنة إلهية في الكون لا تختلف ، فكل مرحلة لاحقة من مراحل البشرية تعتبر حديثة بالنسبة لسابقتها، وأن مرحلتها الحالية ستصبح يوماً ما قديمة وزائلة عندما يطرأ على الحياة الإجتماعية للبشرية تحول مهم جديد ذلك أن مرحلة تُسلم إلى التي تليها وهكذا .. وفي ضوء هذه الحقيقة نفهم أن ( الحداثة هي المشاركة والمساهمة في التحول الكبير الذي تشهده الأنسانية بين كل مرحلتين متتابعين .
وقد أطلقت الحداثة في عصرنا على التحولات الفكرية التي حصلت في العصر الذي تلا النهضة الأوربية بعد الثورة الفرنسية وسمي بالعصر الحديث .
ففي العصر الجاهلي أحس الشاعر بوطأة التقليد وثقله .. فهذا عنتره يبدأ معلقته بالشكوى بأن من سبقه من الشعراء لم يتركوا له مجالاً واسعاً في بكاء الأطلال( هل غادر الشعراء من قتر دم ؟!) .
لذلك حاول العديد من الشعراء ولا سيما في العصر العباسي أن يحددوا في فنهم ، ما يسمى أنذاك بمذهب المحدثين وتطور هذا الأمر حتى وصل إلى غايته .. ثم بدأ بالأنحدار وتحول إلى صناعة لفضية ركيكة .. ومع ذلك فقد كانت محاولة التجدد هماً دائماً يحمله الشعراء حتى في عصور الضعف ، فكانوا يتسابقون إلى اختراع أنواع جديدة من الصناعة اللفظية على الرغم من ما كانوا يأتون.. وفي الأندلس ظهر التجدد في أوزان الشعر وقوافيه حيث ظهرت الموشحات التي سرعان ما أنتقلت إلى الشرق .
فقد دخلت الحداثة إلى الشرق ومن أدخلها هم رواد هم رواد أوائل في الفكر والأدب أمثال توفيق الحكيم ونجيب محفوظ والطاهر الحداد النقابي ومحمد عابد الجابري ناقد العقل العربي . . والعراقية نازك الملائكة .. حيث ألقت الحداثة الغربية بظلالها على جميع المجتمعات بغض النظر عن أوطانها وعقائدها وثقافتها ، ومنها الأمة العربية والأسلامية التي انبهر بعض مفكريها بما يقدمه لمشروع الحداثة الغربي فأقبلوا عليه ليكون مشروع مقابل في العالم العربي ولهذا أنتقل مفهوم الحداثة إلى الساحة الفكرية الحديثة على يد هؤلاء المفكرين الذين عملوا على توطينه في نسيج الثقافة والفكر العربي بأسم التحديث والتجديد .
وأن ما عملوا عليه كل المحدثين ومن بين هؤلاء توفيق الحكيم وهو كاتب وأديب مصري مزج بين الواقعة والرمزية في كتاباته التي تتميز بالخيال والعمق دون تقيد أو غموض .. واتخذ من ذلك أتجاهاً تعتمد عليه مسرحياته الأدبية التي تعتبر نقطة تحول جذرية في تاريخ المسرح العربي حيث وصف مقولته الشهيرة في أعماله بقوله ( انا اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكاراً تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أبواب الرموز ) .
وما أدخله العملاق نجيب محفوظ وهو أيضاً كاتب وأديب مصري عاش فترة التقلبات والمنعطفات الحاسمة والثورات والحروب في مصر من النكسة الى حرب الأستنزاف وحرب أكتوبر ، ومن ثورة ١٩١٩ إلى ثورة يوليو ١٩٥٢ ومن كامب ديفيد إلى حروب الأرهاب مسيرة صاخبة توجهها جائزة نوبل أستطاع على أمتدادها أن يصمد في وجه التقلبات والعواصف والتغيرات التي أصابت المجتمع والثقافة .
والأخوين الرحباني وكلاسيكيات الموسيق العربية .. إذ يعتبران الأخوان حالة ثنائية فريدة شكلت في النهاية مدرسة في الغناء والموسيقى والمسرح أسسها الأخوان عاصي ومنصور الرحباني وأتخذو من فيروز أيقونة أو ماركة لتلك الحالة ليصير ثلاثتهم من أعلام الموسيقى العربية المعاصرة .. ومن أهم نجاح الأخوين ثباتهما على الجذورالشعبية للفن العربي .. حيث تنوعت صور الفن في أعمالها بين الإيقاعات الشرقية والجملة المتسوحات من فنون الشام القديمة ورقصة الدبكة .
وماعمل عليه الطاهر الحداد النقابي .. وهو مفكر ومناضل سياسي من تونس ويعتبر أحد أهم رموز الحركة في الأصلاح وتحرير المرأة التونسية .. هو مفكر لم ينتظر استفاقة الجموع للتحرك بل سبقها فبادر إلى كتابة مقالات في الصحف والدوريات المحلية فوصف الحالة العامة في البلاد ونادى بأستفاقة الشعب في مواجهة الجهل والتخلف والظلم والأستبداد .. حيث أطلق مقولته التي توجت عصره وهي ( الأسلام ثورة على القديم .. ونداء للتحرر من تقليد الآباء والأجداد ) وبعث لحياة التجديد والتوليد ، ولكن المسلمين من حوله بتقديسهم لأسلامهم وأفتقار أنفسهم إلى سيد يفصل بينهم وبين الحياة .
والعربي محمد عابد الجابري ناقد العقل العربي وهو صاحب المشروع للنقد من خلال قراءة التراث العربي بروح نقدية .. فقد وظف الجابري بعض مناهج الفكر الفلسفي المعاصر لأنتاج مقالة نقدية في قضايا الفكر العربي .. حيث وصف الجابري فكرة ذات مرة قائلاً ( نحن لانمارس النقد من أجل النقد .. بل من أجل التحرر مما هو ميت ومتخشب في كياننا العقل وأرثنا الثقافي .
والعراقية إبنة اول حضارة في الأنسانية والتأريخ البغدادية هي الملائكة شاعرة تمردت على قوافي الشعر وأوزانه الخيالية واختلفت الشعراء الأوائل وجعلت من تجديدها التجريبي أساساً لأسلوبها المعروف بالشعر الحر.. حيث يعتقد الكثيرون أن نازك هي أول من كتبت الشعر الحر عام ١٩٤٧ ويعتبر البعض قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي .. وقد بدأت الملائكة في كتابة الشعر الحر في فترة زمنية مقاربة جدا للشاعر بدر شاكر السياب وزميلين لهماهما الشاعر شاذل طاقة وعبد الوهاب البياتي وهؤلاء الأربعة سجلوا في التأريخ بوصفهم رواد الشعر الحديث في العراق .. وغيرهم ممن انسلخوا في انتهاج الخط الحديث للقصيدة والشعر وحداثتها.
إن أهم ما توصلت إليها الحداثة هي تقلب وعي الفعل العربي بالحداثة الغربية في أطوار عديدة ظل الثابت في كل طور فيها يبرز مفهوم محدد للحداثة الغربية وينقلب الوعي بهذا المفهوم رأساً على عقب في كل طور .. فمن التماهي الكلي مع المبادئ التي نهضت عليها الحداثة الغربية إلى الصد الكلي عنها .. وفض العقل العربي في هذه الأطوار العديد من والأدوات المنهجية والمعرفية لأستيعابها وحاول جاهداً التعرف على السر الخفي الذي نقل المجتمعات العربية من مرحلة الأنحطاط إلى مرحلة الأنجاز الحضاري الحديث .