جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 12:12 صـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

حسناء الحسن تكتب .. اتقدم طول ما الدنيا هتدور أنا من الدنيا هتعلم

حسناء الحسن
حسناء الحسن

كانت بداية معرفة أبو علي بأم علي حين تولى أحد المناصب التنفيدية الهامة في ظروف حالكة الظلام، وكانت هي في بداية تعيينها.

كانت المشكلة أنذاك هي رفض أحد المسؤولين الألمان الكبار مقابلة أبي علي في الوقت الذي كانت مشكلة نقص الطاقة أحد أهم المشكلات التي تحتاج لحل جذري في نطاق عمله، ومقابلة المسؤول الألماني هي مفتاح الحل.

ولأن أغلب الألمان لديهم فوبيا النازية والعنصرية ورفض الأخر فحين تم إقناع هذا المسؤول أن أبا علي كذلك من بعض المنافسين كان موقف المسؤول عدواني ورافض تجاهه. كان الحل أن يقابل هذا المسؤول عدد بديل من العاملين بنفس الملف.

كانت أم علي مرشحا مثاليا للمهمة لعدة أسباب، أولها أن صغر سنها ومظهرها المريح يعطي انطباع بالبراءة وكفيل بإبعاد شبهة النازية والعنصرية من ذهن الرجل عن المنظومة، السبب الثاني هو أن أخا أم علي هو المهندس العبقري صاحب فكرة إنشاء أكبر محطة للطاقة بالتقنية الألمانية المطلوبة، والسبب الثالث هو معرفتها للألمانية ضمن أربع لغات تجيدهم، وإن كانت لا تستطيع تحدثها بطلاقة إلا أنها قادرة على فهمها تحدثا وكتابة، كما أن لديها عدد كبير من الأصدقاء الألمان على صلة وثيقة بالمسؤول الألماني.

عند مقابلة المسؤول الألماني انبرى الوفد في الهجوم على الرجل دفاعا عن أبي علي ومطالبته بالعدول عن موقفه برفض مقابلته، حتى ضج الرجل بالمقابلة وطلب تغيير اتجاه المناقشة أو إنهاء الاجتماع، فسألته أم علي عن قرار اتخذه منذ فترة بمنع الخطب في المساجد باللغة العربية في نطاق مسؤوليته، أحس الرجل براحة لوجود من يعرف تاريخه المهني وأجاب أن الأديان جميعها عادة ما تنزع للأصولية وبالتالي من الممكن أن تتخذ الخطب اتجاه متطرف ولا نفهم ما يقال لأنه بلغة غير الألمانية، فتم منع الخطب بأي لغة غير الألمانية حتى نفهم ما يقال ونتدخل حال لاحظنا تطرفا في الخطاب الديني المطروح، فسألته أم علي لما إذن عندما اتخذ أبو علي نفس القرار اتهمته بالنازية والعنصرية؟ ابتسم الرجل وشعر بالحرج وقال: الحقيقة لم أرفض مقابلته لهذا السبب بل لأنه مسؤول تنفيذي وأنا مسؤول تشريعي ولا نطاق مشترك لعملنا سويا، لاحظت أم علي أن الرجل عدل عن موقفه وأصبح قابلا للموافقة على أطروحات ملف الطاقة وبالفعل تم انجاز المطلوب بنجاح وأصبحت محطات الطاقة الأكبر في العالم واقعا وأصبح أخو أم علي هو مهندس الاختبارات المسؤول عنها منذ تأسيسها وحتى الأن، في نهاية المقابلة حيا المسؤول الألماني أم علي ورفض مصافحة الوفد بالكامل وطلب صورة سيلفي معها ما زالت تحتفظ بها وتظهر بها ابتسامته العريضة المرحبة.

شعر أبو علي بالامتنان الشديد ناحية أم علي وأنها النسخة النسائية منه وسند وعون حقيقي له، وبدأ يحبها، وعلى عكس الجميع كانت هي تتحرك في إطار العمل فقط ولا تستثيغ فكرة استدراج المرؤوسات للمسؤولين وتراه رخص وتنأى بنفسها عنه. إلى أن مرت أم علي بمحنة كبيرة في العمل، عرضتها لأضرار مادية ومعنوية وكادت تودي بمستقبلها المهني لولا تدخله، وأصبح الشعور بالدعم والمساندة الغير مشروطة متبادل، وكذلك المشاعر.

أناقش في هذا المقال جانب هام في علاقة الرجل والمرأة هو السند والدعم خاصة في الأزمات، تنتهي أغلب العلاقات حاليا بسبب الخذلان، ففي الوقت الذي يتوقع أحد الأطراف ويتعشم بمساندة الأخر يفاجئ بالتخلي عنه إما تكاسلا أو ضعفا في قدرات الطرف الأخر. بعد انتهاء الأزمة يرى كل طرف من كان بجانبه ولم يتخلى عنه ضعفا أو قصدا، ويصبح صاحب الرصيد الأكبر في قلبه. المشكلة الثانية في هذا الإطار أنك بتقديمك للسند لأحدهم تتوقع المثل، فتفاجئ بالعكس أحيانا وهنا يكون الجرح أعمق. في حالة أم علي قدمت المساندة والدعم دون انتظار المقابل فحين قدمه لها أبو علي وقت الحاجة أصبح لعلاقتهما أساسا قويا راسخا، وأصبحا قادرين على البناء عليه بناء عظيما تماما مثلما ساندت أولجا موهاميد في فيلم النمر الأسود، وعلى أنغام "اتقدم اتقدم واحلف مش رح تتندم" صال وجال المرحوم أحمد زكي في انحاء برلين.