جريدة الديار
الإثنين 23 ديسمبر 2024 11:22 صـ 22 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

التعددية الحزبية وإشكالية التطبيق

مفهوم التعددية السياسية والحزبية من المفاهيم الحديثة التي طرأت على مجتمعاتنا والتي نحتاج إلى بلورتها وتأصيلها، ان مفهوم  الديمقراطية وما فيه من ملازمات تفرض نفسها على الجميع  والتي أصبحت واقعا لابد من التعايش معه، ومن ركائز الديمقراطية هي التعددية السياسية والتي يتفرع منها التعددية الحزبية، ومن أهم نتائجها التداول السلمي للسلطة  بعيدا عن الاستبداد والاستقواء السياسي، والتعددية الحزبية عامل مهم في ترسيخ مفاهيم الديمقراطية، بشرط التقنين والانضباط وجعل التعددية في مسارها الصحيح، والتي  ترتبط بنوعية النظام السياسي، وعند القاء نظرة على بعض دولنا سنكتشف ان هناك خلل في نظامها السياسي  مما افرز المحاصصة والانتقائية والاستقواء السياسي، نتيجة إن اغلب النخب السياسية لم تعي قيمة التعددية فانكفئت على نفسها ولم تنفتح على الاخر فكان الفشل  نصيبها، حتى امسى التداول السلمي للسلطة امرا صعب وفي افضل حالته يخضع لمنطق القوة وفرض الارادات  أو الابتزاز و المحاصصة والتغانم بين الفرقاء، فكانت تعددية زائفة فارغة  من المحتوى الحقيقي لها، بل كانت سبب في تعطيل حركة التنمية والبناء وتعطيل القوانين على جميع المستويات.
 التعددية الحزبية لها الدور الفاعل في مواجهة الحكومة ومراقبتها ونقدها وتقويمها خصوصا اذا كانت تمارس المعارضة الايجابية من داخل قبة البرلمان، وقيامها بطرح الافكار والبرامج لمساعدة الحكومة على النهوض بمسؤولياتها، وتقوم الاحزاب بالعديد من النشاطات المجتمعية والسياسية والثقافية وتساهم في تطوير الفكر المجتمعي، وتعتبر الاحزاب والتنظيمات السياسية  متنفس للجماهير وتساهم في ملء الفراغات، وانها حلقة الوصل بين المجتمع والجهات الحكومية، وان التنافس بين الاحزاب يمنح الحياة السياسية نشاطاً وحافزاً واندفاعاً نحو تقديم الافضل ويشجع المجتمع للمساهمة في تصحيح المسار السياسي من خلال التعبير وابداء الراي والمشاركة في الانتخابات لاختيار ممثليهم في المناصب والمواقع السياسية، وينبغي تشخيص المناخ السياسي والثقافي للمجتمع  وخصوصا في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية والعمل على تطوير المفاهيم السياسية والتنموية وترسيخ مفهوم التعددية  الحزبية عند المجتمع، و التشجيع على التنوع والتعدد واحترام الاخر لما فيه من اثراء للفكر  من خلال التنوع وتلاقح الافكار والرؤى، و يذكر مؤلف كتاب روح القوانين الفرنسي (مونتسكيو) أن من الضروري الفصل بين السلطات الثلاث ويؤكد على عدم تركيز السلطة بيد جهة واحدة من خلال تأكيده على التعددية ويعتبرها من الديمقراطية.

 والتعددية الحزبية مصطلح يراد منه ان النظام السياسي يحتوي على عدد كبير من الاحزاب قد تختلف في البرامج والانشطة والافكار والاهداف وقد تتفق والتي تسعى للوصول إلى السلطة، وان الانتخابات الحرة النزيهة مفصل لفرز مراد الجماهير لتحقيق  اهدافهم من خلال ممارسة حقهم في الاختيار، وعرف جيمس فيلد التعددية( بأنها وضع لا تكون فيه الهيمنة حكراً على جماعة أو نخبة أو تنظيم فكرى أو سياسي واحد)، بل هي حق للجميع .

 قد تمر العملية الديمقراطية بأمراض عديدة ومتنوعة من قبيل تحكم عائلة أو شخص أو حزب أو جهة على البلاد رغم وجود احزاب متعددة لكنها مستضعفة أو خاملة وهذه تسمى التعددية الشكلية، أي وجود أحزاب فقط في الشكل واما بالحقيقة فلا، وغالبا ما تتعرض هذه الاحزاب إلى الانشقاقات والانتكاسات، ان المجتمع الانساني قائم على الخلاف والاختلاف مما ينتج تعدد القوى والتي تسعى لأثبات احقيتها ووجودها ومصالحها والتي تؤدي في اغلب الاحيان إلى الصراع الذي يهدد السلم المجتمعي، لذا كان حتمية وجود دستور يحتكم اليه الجميع،  وبما ان الديمقراطية  تضمن التعددية فيكون التدافع بين المختلفين بالطرق السلمية والمرنة شرطاً مهما في مخرجات العملية الديمقراطية، والتعددية السياسية من المفاهيم الجديدة علينا ويكثر استخدامها من قبل الاحزاب والتيارات السياسية والنخب في البلدان الديمقراطية، والتي تعطي الحق للمشاركة السياسية للجميع بدون استثناء من خلال انشاء الاحزاب والتنظيمات ويكون ذلك في إطار  الدستور والذي يضمن حقوق الافراد والجماعات دون تفريق وتمييز والذي يحدد الوظائف والواجبات والحريات ويضبط عمل الاحزاب والتنظيمات وجميع مؤسسات الدولة.

 التعددية بنوعيها تقف حاجزاً منيعاً أمام طغيان السلطة، وهذا يتطلب وجود قانون يضمن للجميع ممارسة حقه في الانتماء السياسي للأحزاب والتنظيمات فضلا عن تأسيسها، والقانون يكون  ضابطاً  لعملها  ومراقبتها ومصادر تمويلها، وان لا تكون لديها أجنحة مسلحة خارج نطاق الدولة وتمارس نشاطها بسلمية، والتعددية الحزبية والسياسية تساهم في تأطير العمل الديمقراطي بأطر سليمة صحيحة وتساهم في بلورة  الثقافة السياسية والمجتمعية وتدفع عجلة التطور بشرطها وشروطها،  نعم قد يعاني البلد من مشاكل بنيوية أو سياسية واقتصادية وامنية وثقافية لفترة من الزمن لكن سرعان ما تنهض الامة بسواعد أبنائها من خلال العلم والعمل،  وتساهم التعددية الايجابية  في الاستقرار وتعمق مفهوم الشراكة والمواطنة والشعور بالمسؤولية عند الجميع ، وعلينا ان نحترم التعددية ونحترم اختيارات الناس واختلافاتهم ونتعايش معهم  من خلال المشتركات والا فستكون  وباءً على الجميع.