جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 06:10 مـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مهرجانٌ سينمائي.. أم سوقٌ للنخاسة ؟

لا أجدُ تفسيرا لتسابق الفنانات المحموم علي ارتداء ملابس عارية بمهرجان الجونة السينمائي، تكشفُ أكثر مما تستر، وتُبرز من الجسم أكثر مما تُغطي، سوي أنه عودةٌ من جديد لسوق النخاسة، التي يتسابق روادها في عرض ما يملكون من (جواري)، وإبراز مفاتنهن؛ ليتهافت عليهن روادُ السوق، ويدفعوا الغالي والنفيس من أجل الحصول عليهن.

فبتتبع هذا المهرجان علي مدي السنوات الماضية وصولا لعامه الحالي، نلاحظ أن شغلَ منظميه والمشاركين فيه الشاغل، هو شدُ انتباه الجمهور بأحدث صيحات الموضة والفساتين، التي تجعل من صاحبتها كلأ مباحا، ولقمة سائغة تتطلع إليها نفسُ كل جائع، دون تقديم قيمة أو رسالة حقيقية من وراء ذلك المهرجان.

وتبرير بعض منظمي المهرجان بأن الكلام عن ملابس الفنانات هو نوعٌ من الرجعية، وعودة للقرون الوسطي، مردودٌ عليها، بأنه هنيئا لنا بالرجعية والتخلف إن كان في ذلك صونٌ لأجساد نسائنا، وحماية لهن من الأعين المتربصة، التي تتفحص تضاريس الجسم، وتسلط الضوء علي أماكن التكشف والعري.

والقول بأن ملابس الفنانات حريةٌ شخصية قول مهترئ، لأنهن بوصفهن بعضا من أفراد القوي الناعمة، المنوط  بها الارتقاء بالفكر والسمو بالوجدان، صار لزاما عليهن التحلي بمكارم الأخلاق، والتزام الحشمة والوقار؛ لكونهن شخصيات عامة، يُعتبَرن - بلا شك -  قدوة لكثيرٍ من الفتايات.

ويؤكدُ التفكيرُ المنطقي أن الرجعية في التكشف والعري وليس العكس،  فالإنسانُ الأول كان مُجرَدًا من الملابس، وفي سعيه للتطور اكتشف اللباس الذي يستر جسده، ويصون موضع سوءاته.

والغريب أن منظر الفنانات اللائي تسابقن في إبراز مفاتهن بهذا المهرجان، لم يكن أبدا مدعاة للفخر وبرهانا علي الجمال، بقدر ما كان مشهدا يُشعِر بالاشمئزاز والامتعاض من فنانات بلغن من العمر أرذله، وصار السترُ والحشمة في حقهن فرض عين؛ صونا للبشرة المُتغضنة، التي أرهقتها كثرة الشد، والجسم الناحل، والعود الذابل، والشفايف المنفوخة، والشعر الأبيض المصبوغ بلاشك مئات المرات.

ربما كان من الأليق والأفيد لهذا المهرجان، أن يستضيف هؤلاء الفنانات، لمناقشة قضايا المجتمع، وطرح وجهة نظرهن في حلها، بدلا من هذا الكم الهائل من الإسفاف والعري، والصراع المحموم بين فنانات ألقين بالموهبة خلف ظهرهن، وتسابقن في الحصول علي (التريندات) بأحدث صيحات الموضة وتقاليعها، وتفنن في إبراز معالم الجسد وتضاريسه، بدءا من أخمص القدم، إلي منبت الرأس.

الجمال يا سادة في العفة والحشمة، وليس في التعري، وهو ما جعل الشافعي العملاق إمام الدنيا يُردد قديما :

سأتركُ حبكم من غير بُغضٍ... وذاك لكثرة الشركاء فيــــه

إذا وقع الذباب علي طعـــام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه

وتجتنب الأسودُ ورود مــاء ... إذا رأت الكلاب ولغن فيــه

فجمال المرأة في أن تكون ملكا وفقط لمن تحلُ له، لا أن تكون مطية مُستباحة لكل من هبَّ ودب.