جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 02:08 صـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

نظــرات ودروس مضـيئة في غـزوة بــدر

سليمان جادو شعيب
سليمان جادو شعيب

مع مطلع شهر رمضان المعظم نتذكر تلك الغزوات والفتوحات و الوقائع التاريخية العظيمة التي تحققت على أيدي المسلمين ، قديما وحديثا ، بدءا من غزوة بدر في السابع عشر من رمضان (2هـ) ، وانتهاء بنصر العاشر من رمضان عام (1393هـ) ، ولعلي هنا أستجلي من غزوة بدر ما ينفعنا من المواقف والعبر الناصعة التي تضمنتها تلك الغزوة المباركة التي شهدها هذا الشهر الكريم ، وكانت انطلاقا وبداية لعزة المسلمين ، ويوم الفرقان المبين الذي فرق الله تعالى فيه بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، وبدأ نشر رسالة الإسلام السامية ، وتكوين أمة وتكوين حضارة .

تعد غزوة بدر الكبرى اللقاء الأول في سلسلة المعارك والحروب التي خاضتها قوى الإيمان ضد قوى الشرك والكفر، فأعز فيه الله أولياءه وخذل فيه أعداءه . لقد تجلت في تلك الغزوة آيات ومواقف عظيمة ، تؤكد أن الله تعالى دائماً مع المؤمنين يشد أزرهم ويكفل لهم النصر المبين ، فقد نصر الله تعالى المسلمين وهم يومئذٍ قلة لا يتجاوز عددهم 314 رجلاً ، وخذل الكافرين وكانوا ألف رجلٍ ، وفيها تجلت موهبة المسلمين الحربية ، حينما منعوا الماء عن قريش ، فكان في ذلك إضعاف لمعنويات وقوى القرشيين ، وإرباك لصفوفهم ، وقد أراد المسلمون بهذه الغزوة استرداد أموالهم من قريش لأن أكثر المهاجرين فروا بأنفسهم وعقيدتهم من مكة وتركوا أموالهم هناك حيث منع المشركون المسلمين من الهجرة بأموالهم ، وإذا كان هذا هو دافع المسلمين لمحاولة استخلاص أموالهم من قوافل قريش ، فإن دافع المشركين كان حماية الطرق التجارية بين مكة والشام والتي أصبحت تحت رحمة المسلمين .

لذا حاولت قريش جديا انتهاز فرصة للقضاء على المسلمين ، بل والقضاء على الدين الجديد خاصة بعد أن علمت قريش أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ندب أصحابه للتعرض لقافلة قريش والتي كان يحميها من ثلاثين إلى أربعين رجلا بقيادة أبي سفيان بن حرب ، وحينما علم أبو سفيان بخروج المسلمين لملاقاة القافلة غير اتجاهها وسار متبعا طريق البحر الأحمر فنجت القافلة من هجوم المسلمين .

وفي صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من رمضان دارت معركة بدر حيث أقام الرسول – صلى الله عليه وسلم – الصفوف وجعل مناكب المقاتلين من المسلمين متلاصقة حتى صاروا كأنهم بنيان مرصوص ، وكانت المعركة غير متكافئة حيث بلغت قوة المسلمين ثلاثمائة وخمسة رجال من المهاجرين والأنصار ، وبدأ القتال بمبارزة بين عبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب من المسلمين ، وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة من المشركين ، وقد قتلا المشركين مما جعلهم يزدادون غيظا فأمطروا المسلمين بوابل من سهامهم وهجموا بفرسانهم إلا صفوف المسلمين بقيت صامدة في مواضعها مكتفية بتصويب نبالها على قادة المشركين ، لم يفطن المشركون لأسلوب المسلمين الجديد في القتال مما جعل رجالات المشركين تتهاوى بنبال المسلمين ، وكان أبو جهل على رأس من قتلوا في هذه المعركة .
لقد دوى نصر المسلمين في هذه المعركة إيذانا بميلاد قوة عسكرية جديدة في شبه الجزيرة العربية ، فقتلوا سبعين رجلاً من صناديد قريش ، وأسروا سبعين آخرين ، فحق أن يسمى بيوم الفرقان . ولعل سر ذلك أن الله تعالى أبدلهم قوة روحية جعلت أهل الكفر يخرون صرعى بين يدي الصائمين ، وهذا سر من أسرار هذا الشهر الفضيل ، ونتيجة من نتائج التقوى التي هي غاية الصوم .
ويجدر بي أن أبين النتائج والدروس المستفادة من تلك الغزوة في السطور التالية :
كان من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين ، وأصبحوا مرهوبي الجانب في المدينة وما جاورها ، كما أصبح للدولة الإسلامية الجديدة مصدر للدخل من غنائم الجهاد ، وبذلك انتعش حال المسلمين المادي والاقتصادي بما غنموا من غنائم بعد بؤس وفقر شديدين داما تسعة عشر شهراً.
وبالنسبة لقريش كانت خسارة فادحة ، فقد قتل فيها أبو جهل عمرو بن هشام ، وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة ، وغيرهم من زعماء قريش الذين كانوا من أشد القرشيين شجاعة وقوة وبأساً ، ولم تكن غزوة بدر خسارة حربية لقريش فحسب ، بل خسارة معنوية أيضاً ، ذلك أن المدينة لم تعد تهدد تجارتها فقط ، بل أصبحت تهدد أيضاً سيادتها ونفوذها في الحجاز كله .
-الالتحام بين القادة والجنود والمساواة بينهم :
أ- كان مع جيش المسلمين سبعين بعيراً، وكان كل ثلاثة أو أربعة يتعاقبون على بعير ، وكان حظ محمد - صلى الله عليه وسلم – كحظ أصحابه . فكان يتعاقب هو وعلي بن أبي طالب ومرشد بن أبي مرتد الغنوي على بعير .
ب – حينما كان الرسول يسوي الصفوف وجد " سواد بن غزية " خارجاً عن الصف فضربه في بطنه وقال له : استو يا سواد ، فقال يا رسول الله أوجعتني ، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني فكشف له الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن بطنه ، وقال : استقد ، فاعتنقه سواد وقبَّل بطنه ، فقال الرسول : ما حملك على هذا يا سواد ؟ . قال : يا رسول الله ، حضر ما ترى ، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك . فدعا له الرسول الكريم بخير .
مدى حب الجند قائدهم :
اقترح سعد بن معاذ بناء عريش (دشمة) للرسول لكي يحتمي بها ، وإعداد الركائب عنده حتى إذا كانت الهزيمة لم يقع الرسول في أيدي أعدائه .
- أهمية المعلومات في المعركة وضرورة الحصول عليها للتخطيط السليم للحرب .
- الاهتمام بالشئون الإدارية ، ردم كل الآبار وترك بئر واحد يشرب منه جيش المسلمين وحرمان الأعداء منه .
- أهمية الشورى – مجلس الحرب : -
أ- عندما علم الرسول أن التجارة قد نجت منهم لم يقرر الدخول في معركة مع قريش إلا بعد سماع رأي زعماء المهاجرين والأنصار وموافقاتهم على الحرب .
ب-النزول على رأي الحباب بن المنذر ، ونقل الجيش إلى المكان الذي أشار به .
-أهمية حبس النيران : -
أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – أصحابه بعدم إطلاق السهام إلا بعد اقتراب الأعداء حتى تكون مؤثرة ، وهذا هو معنى قول الرسول الكريم : استبقوا نبالكم .
-أهمية الروح المعنوية في إحراز النصر : -
بالرغم من قلة عدد جيش المسلمين – ثلث جيش الأعداء – وضعف سلاحهم ، إلا أن روحهم المعنوية العالية ،وإيمانهم بأنهم الفائزون في الحالين " فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " إما ينتصروا وينصروا قضية الحق ، وإما أن يستشهدوا فيرفعوا إلى الجنة عرضها السموات والأرض .
هذه الروح المعنوية البالية كانت هي العامل الحاسم في نصرهم في معركتهم .. عندما سمع عمير بن الحمام الأنصاري قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه " والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجلاً فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا ؟أدخله الله الجنة " قال : " بخ بخ " حسن حسن - أليس بيني وبين الجنة سوى أن يقتلني هؤلاء مشيراً إلى معسكر الكفار : قال الرسول : نعم ، نظر عمير إلى تمرات – بلحات – كانت بيده .. وقال : أأنتظر إلى أن آكل هذه التمرات ، إنها إذن لحياة طويلة .. وألقى التمرات من يده ، واستل سيفه ، وألقى بنفسه على الأعداء .. وقاتل حتى قتل .. وقال عوف بن الحارث للرسول صلى الله عليه وسلم ، يا رسول الله : ما يضحك – يسر الرب من عبده ، قال صلى الله عليه وسلم : غمسة يده في العدو حاسرا فنزع درعا كانت عليه فقذفها ، ثم أخذ سيفه فقاتل العدو حتى قتل .
-إقرار مبدأ أن تكون الحرب ضد الأعداء حرباً شاملة : -
وذلك أنه كان سبب غزوة بدر هو الاستيلاء على تجارة قريش .. وسد طريقها إلى الشام ، وكانت قريش تعتمد اعتمادا كليا واقتصاديا على تجارتها مع الشام ويجب أن تكون الحرب ضد الأعداء حربا شاملا في جميع نواحي المجتمع ، من اقتصاد وزراعة وصناعة ...إلخ ...ولا تقتصر على الحرب بالقوات المسلحة فقط .
-إقرار مبدأ حسن معاملة الأسرى : -
فقد أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بحسن معاملة الأسري قائلاً لأصحابه : " استوصوا بهم خيراً " .
وهكذا فقد امتن الله تعالى على المسلمين بهذا النصر العجيب ، إذ يقول : " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون " ، وأشار إلى وسائل هذا النصر ، فقال مخاطباً رسوله – صلى الله عليه وسلم : {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } (آل عمران : الآيات124-126) .. وبهذا النصر امتن الله تعالى على الذين استضعفوا في الأرض وجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين .