جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 09:19 مـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

إعترافٌ مِن وَالِد...

تَعُجُّ وسائلُ الإعلامِ ببواحٍ لَجٍّ مُعتَمَد، وتَثُجُّ صفحاتُ التواصلِ الإجتماعي بنواحٍ مَجٍّ مُحتَشَد، عن (دورِ العجزةِ) وما حوَتَ من عقوقٍ لوالدةٍ وأبٍ مُضطَهَد. ولَعمري إنّ هذا لهراءٌ مبينٌ مُضطَرِبٌ مُضطَرَد!

 فقد رحلت رُوحُ وَالدي باكراً الى حيث مستودعٍ ومُلتحَد، فَتَحَرَّرتُ من قُيودِ بِرِّهِ، وأنا عن أغلالِ البرِّ مُبتَعَد.                                        

   أَفَأرَانِي تَحَرَّرتُ من قُيودِ البِرِّ، أم أرَانِي تَبَرَّرتُ بوهنٍ وخُسرانٍ في المُعتَقَد؟ 

فهذي شَراسَتي اليوم مُتَشَعِّبَةٌ في عُمُرِ ستينيٍّ ممدودٍ مُتَّقَد, وَذِي فراستي مُتَشَبِّعَةٌ بِبِرٍّ مُوعودٍ مِن وَلَدِي كما العُرفُ وَعَد. 

بِرٌّ مُنتَظَرٌ موعُودٌ !

 أنَا لن أنتَظرَ - بفمٍ فاغرٍ - الوعَد ! ولقَد نَحَتُّ فؤادَاً فولاذاً لن ينتظرَ رأفةً من أحد، ولاطبطبةَ ولا مَدَد. فؤادٌ رايَتُهُ تُرَفرِفُ (بأنَّ كلَّ نَفسٍ هي في ومضةٍ وَلَدٌ، ثمَّ هي في لمضةٍ والِدٌ إلّا آدَمَ, كان والِداً وماهو بولد). وغايتُهُ تُصَنِّفُ (أَنَّ رَحمةَ الوَالِدِ وبِرَّ الوَلَدِ هُما صِنوانٌ غيرُ مُعتَضْطَدَ)؟

فأمَّا رَحمةُ الوَالِدِ للوَلَدِ, فهي ولايةٌ مَقضِيّةٌ مِن الإلهِ الحكيمِ عَلى الوَالِدِ وأمرٌ مُنعَقَد، وحَقِيقٌ عَلى الوَالِدِ ألّا يَمُّنَ بها على الوَلَدِ, وألّا يَشُنَّ هجوماً للإيفاءِ بالعهد، فالنهجُ ما سَنَّ في بنودِه مثلَ هكذا عهد، بلِ الوَالِدُ سيُسألُ عن"تَربِيةِ" وعمّا رُزِقَ من نِعمةِ الوَلَدِ ، إستِناداً لبَندِ في نهجٍ خالدٍ أبد ؛ { كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} لا (كما رَحِمَاني صَغِيرًا), فَإن تَكُ تربيةً صَالحةً، نَجَا ونَجَا الوَلَدِ, وإن تَكُ غَير ذلكَ هَلَكَ وهَلَكَ الوَلَدُ. وإلى (دارِ العجزةِ) الوالدُ ثمّ الولد.

وأمَّا بِرُّ الوَلَدِ للوَالِدِ، فهو وصايةٌ مَرضِيّةٌ مِن الإلهِ الرّحيم على الوَلَدِ، وبلا برقٍ ولا رَعد. وقِمنٌ للوَلَدِ ألّا يَضُنَّ على الوَالِدِ بإحسانٍ وجهد, وَجزاؤها للوَلَدِ جَنَّاتٌ على مَا صَدَقَ في إحسَانِهِ للوَالِدِ , وإستِناداً لبَندِ في ذاتِ نهجٍ خالدٍ أبد: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} لا (كما رَحِمَاني صَغِيرًا). 

فإعلم يا ذا شيبةٍ أنَّ:

رَحمَةَ الوَالِدِ فِطرَةٌ أسمَاها الشَّارعُ (حَناناً).

بِرَّ الوَلَدِ تَكلِيفٌ أسمَاه الشَّارعُ (إحساناً). 

 وشَتّانَ بين الحنانِ والإحسان.

و إعلم يا ذا ولد أنَّ:

جُرعَةَ رَحَمَاتِ الوَلَدَ إذ يُمسي والِداً أُحصِرَت لِما وَلَد, ومَا أُحضِرَت لكَ, وَكَمَا ذَهَبَت مِن قَبلُ رَحَمَاتُكَ إليِهِ إذ أنتَ وَلَد. هوَ مَجرى نَهرِ الرَحَمَاتِ هكذا برغد، وهكذا هو مَسرى قَضائِها بسعد.

الوَلَدَ يُكافِحُ تحتَ النَائِبات في البلد، لِيَضُخَّ رَحَمَاتِ فُؤادِهِ لِما وَلَد، مَا عِندَهُ منها مَزيد ولا رفد ، ورَحَمَاتُهُ يَبَسٌ، وبِالكادِ تَسُدُّ رَمَقَ ما وَلَد. أَفَعَدلاً أن تُلافِحَ - وبِتَغَنُجٍ منكَ - الوَلَدَ، وتناكفَهُ على حَظٍّ مِنها بكبد ؟ تَعِسَ ذاكَ البِرٍّ! وبئسَ العدلُ هو، بل هو نظرةٌ بعينٍ ضريرٍ أو ذي رمد.

رفقَاً أيُّها الوالدُ بالوَلَدِ، وَخَفِّف من تَغَنُجِكَ، ودَعِ المِنَّةَ والمُلافَحةَ ونبشَ (العهد), وعَسى أن تَكفيكَ مِنهُ كُلَّ فَجرٍ نَظرةَ أمَلٍ، وخِفضَ جَناحِ ذُلٍّ ومُصافَحةً ورشد.

لا مُلافَحةَ يا أيُّها الذي ولدَ والدَ الولد، ولامُناطحةَ قد تَضطَرُّ الوَلَدَ لأن يُقلِّدَكَ وِسامَ بِرٍّ زائِفٍ ومُنتَقَد، فإياكَ أن تتقلّدَهُ كحبلٍ من مسد ، بل صَيِّر العُمُرَ نَضَّاخاً برحماتِكَ لِلوَلَدِ، وذرِ الترقُبَ لخطاهُ والرصد، ولتزيِدَ من رَصيدِ رَحَمَاتِه فيَضُخَها هوَ لِما وَلَد ، فَيَرتَويَا الوَلَدُ ومَا وَلَدَ.

 إنَّ رَحَمَاتِ الرَّحمنِ - يا ذا شيبةٍ - هي أصفى وأوفى لكَ من رحمةِ الوَلَدِ وَما وَلَدَ. وتكفِيكَ مُتعَةِ النَّظرِ مِن عُلُوٍّ لِلوَلَدِ ومَا وَلَدَ, وسيدعوانِ لكَ الوَلَدُ وما ولد بدُعاءِ:{ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا} ليُصَدِّقَا بَنداً في نهجٍ خالدٍ أبد : {كَمَا رَبَّيَانِي} لا (كَمَا رَحِمَاني صَغِيرًا). وفي ذاكَ شَفاعَةٌ وزيادةُ فَضلٍ من الوَلَدِ وما ولد.

فأكرِمْ بِظِلٍّ حَميمٍ خَفيفٍ من واَلَدٍ للوَلد..

وأنعِمْ بِقَولٍ كَريمٍ عَفيفٍ من وَلَدٍ للوَالد.

وآنَئذٍ سيَسعَدُ كُلُّ وَالَدٍ، وكُلُّ وَلَدٍ وَمَا وَلَدَ.

علي الجنابي- بغداد 

[email protected]