جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 12:23 مـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

المستشار احمد الباز يكتب قراءة في أحدث هزائم ولاد العم

مفيش صراع واحد دخله العرب مع ولاد العم و كانت خسائر العرب البشرية أو حتى المادية أقل, و ده مدخل مهم جدا علشان المقارنات الجارية بين ضحايا الطرفين, حسبة الضحايا عمرها ما كانت بتعبر عن مجريات الصراع, لأن الكفة الاستراتيجية منذ اليوم الأول للصراع كانت في صالح الدولة "المصنوعة", 

طب ليه الكفة الاستراتيجية بدأت مايلة؟
و ليه استمرت مايلة حتى اليوم؟

ده سؤال ممكن نجاوبه في كتب و مراجع كتير, و أسبابه موزعة بين العرب و ولاد العم و النظام العالمي نفسه, لكن الوصف الأمثل ليه من وجهة نظري هو انه سباق بين عربيتين, 

عربية منهم فيها 4 كراسي و راكبها 400 راكب, الاوبشنز اللي فيها عتيقة, و كل فترة يركب لها اوبشن جديد ع الماتور القديم اللي هو خربان اساسا, كل فترة الـ 400 راكب دول يبقوا 800 , شوية كمان و يبقوا 2000 , شوية كمان و يبقوا 4000, بنفس الماتور القديم العتيق, بنفس الاوبشن اللي كل شوية تركب غلط و تشتغل غلط, 

لا و ايه بقى, كل واحد في العربية بيتخانق مين اللي يسوق, مين اللي يقعد جمب السواق, مين يقعد جمب الشباك, و حاليا بيتخانقوا العربية دي بتاعة مين اساسا, و مين اللي ركب من السكة و مدفعش اجرة!!

تبص ع العربية التانية تلاقي العربية أحدث موديل جاية من المصنع فول اوبشن فئة أولى, فيها تكييف و فتحة سقف و باور و عفشة مرتاحة و كاوتش متروق عليه, عربية فيها 4 كراسي و اللي قاعد فيها 3, هما 3 مش بيزيدوا, و لو حبوا يزودوا عدد السكان بيزودوا عدد الكراسي بالقد بالضبط, بيغيروا الموتور كله علشان الاداء يبقى كويس, مش شايلين هم بنزين و لا صيانة و لا قطع غيار, هما بس حتتين السلاح اللي بيأمنوا نفسهم بيهم و خلاص!

ده مثل بسيط للفارق الاستراتيجي, يمكن مش بيجمع كل الاسباب, بس بيوضح الفوارق اللي بتخلي دايماً الصراع ده ليه حسابات مختلفة عن أي صراع آخر في التاريخ الانساني كله, 

لو ناقشنا الأحداث الأخيرة بشكل موضوعي, هنلاقي إن ولاد العم بيعيشوا صدمات كتير جداً, هزائم استراتيجية ضخمة للغاية, اساطير و تماثيل اتدفع فيها كتير و اتهدت مع أول قلم, ماستحملتش شوية زغزغة, شوية هواء خفيف كده مش اعصار مدمر و لا حاجة!!

أول الهزائم هو خسارة وهم السلام, و الحقيقة ان الوهم ده كان أساس الرؤية الأمريكية لترك المنطقة  تحت قيادة ولاد العم, و هو كان الرحم اللي ولد منه الربيع العربي, و هو حدث همجي بربري يشبه حروب العصور الوسطى, 10 سنين شهد فيهم الشرق الأوسط كل السفالات و القذارات البشرية, بدعم قوي و مباشر من أمريكا و المؤسسات الأممية المختلفة, و اللي كانت الحصان اللي ركبتوه لتحقيق الربيع ده!!

ولاد العم عندهم ميزة مهمة جدا, انهم لما بيخرجوا من تل ابيب بيخبوا جواز السفر, و يدخلوا اي بلد عربي بجنسية بديلة, فتلاقي المسئول الاممي أو الدبلوماسي أو الصحفي أو الباحث قصادك أمريكي أو روسي أو بلجيكي أو هولندي, و هو في الاساس تبعهم, تبعهم يعني منهم مش مجرد شغال معاهم لأنها تفرق, و طبعاً عن طريق الاختراق الأممي ده حصلت اختراقات للدول العربية لا أول لها و لا آخر!!

فكرة ازدواج الصفة هنا هي أساس النظام العالمي اللي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية, و قليلين اللي بيكشفوا فكرة ازدواج الصفة دي, و للأسف دول كتير بتشربها و بتلبس في الحيط, و بتفوق بعد ما يكون السكين خلاص اخترق الجسد!!

مندوبي ولاد العم في كل الدول العربية اشتغلوا في ابحاث و دراسات حول كل ما يمس الشعوب (مش الأنظمة), ايه يفتت الكتل البشرية الضخمة اللي ممكن تختلف في كل شئ, لكنها اتفقت جداً على كراهية الكيان السرطاني, مع اختلاف الجنسية, الدين, الملة, الوظيفة, المؤهل, السن, 

في الآخر وصلوا للربيع العربي كنموذج لتفتيت الدول طائفياً, نموذج اتراجع لوقت طويل جداً في جامعات كتير و مراكز سياسية و استراتيجية كتير, و اتعمل له ماتش ودي كمان قبل الماتش الرسمي ما يتلعب, تركيزهم طبعا كان على الدول المليونية اللي زي مصر و العراق و سوريا لأنها أولا بتشكل معادلة الردع العربي تاريخيا, و لأنها صاحبة أكبر الجيوش في المنطقة,

و مش بس التفتيت, ده انت اديت لولاد العم سر حياة كل دولة في المنطقة, الخليج تهدده بايران, و تسيب ريموت ايران مع تل أبيب, سوريا و العراق تهددهم بتركيا, و تسيب ريموت تركيا مع ولاد العم, مصر تهددها بتركيا ثم السد و تسيب الريموت بتاعهم كلهم في عاصمتهم برضو, و هكذا,  

لكن الغريب و الملهم, إن بعد كل الصرف و كل الفلوس, بعد كل صفقات التطبيع تحت الضغط اللي تمت, بعد كل التفتيت الديموجرافي و الفتن الطائفية و الدينية, بعد كل الريموتات دي, و بعد ما فكروا ان العملية نجحت و إن الخطة خلاص اتنفذت, اتفاجئوا إن برضو مفيش فايدة!!!

برضو خرجت نفس الشعوب بنفس الحماس و القوة و الكراهية و الرفض ضد ولاد العم, لا الشيعي كره السني, و لا المسيحي كره المسلم, و لا الارثوذوكسي كره الكاثوليكي, بالعكس, كلهم وقفوا مع بعض و حطوا عليك, كنائس القدس مدت ايديها لحماية الأقصى قبل المسلمين, 

حتى مشهد تتابع تساقط الصواريخ من كل الدول المحيطة تقريباً كان بديع جداً, برغم ان فيه ركوب عليه كالعادة, لكن وحدة الشعوب في رد الفعل و لو كان اليكتروني بعد كل اللي حصل ده كان قاسي جدا, و كانت النتيجة بعد كل الصرف ده إن الكراهية زادت و رجعت للمربع صفر تاني!!

ثاني سبب للصدمة هو مفهوم الأمن اللي قايم عليه الكيان نفسه, و هنا في سببين للصدمة الأمنية, أولهم اختيار الاهداف اللي تم بعناية فائقة, و هي أهداف تعتبر استراتيجية و تحمل داخلها سر وجود و استقرار الدولة, و ثانيهم الدقة الغير عادية في اصابة الاهداف, 

منطقي جدا ان القذائف دي تقع في أي مكان مدني, مستشفى, مدرسة, مسجد, كنيسة, ما انا مش هحمي كل دول يعني, مفيش دولة بتعمل كده, انما مستودع ذخيرة, مخزن سلاح, مفاعل نووي, مطار, ميناء, ده معناه إنك بلبوص حرفياً!!

القذائف المرة دي اختارت عناصر القوة بالذات و لطمتها بعنف, حتى القبة اللي المفروض انها تحمي كل ده اتضربت, حتى الاعلام الدولي اللي روج للوهم ده سقط, كل التقارير و كل التجارب و كل المليارات اللي اتصرفت فشلت فشل ذريع أمام تهديد أقل كتير من انه يوصف بالتهديد العسكري, و قدام صواريخ صنعها خراط أو سمكري سيارات, مش صواريخ باليستية و لا فيها رؤوس نووية مثلا!!

ثالث سبب للصدمة المرة دي هو زوال الهيبة, اكتشف ولاد العم ان محدش خايف منهم, و ان الوسيط المصري مش بيراضيهم و لا بيتحايل عليهم, ده بيرزع لهم ع الترابيزة و بيزعق لهم و كمان بسيبهم و يمشي!!

مفاوض بيهددهم و بيقولهم كلام مكانوش يتيخيلوا انهم يسمعوه بعد كل اللي حصل في مصر, بل إنهم كان بينهم و بين الخط الاحمر المصري دقائق بسيطة, لولا تراجعهم المضحك بداعي خطأ الترجمة, كانت الأمور تدهورت لحد مكانش هينفع معاه أي وساطة أو تهدئة أو تطييب خاطر بكلمتين!!

ثم تضاعف أثر الصدمة بعد الدعم الدولي للوساطة المصرية, بكل ما فيها من شروط و التزامات على جميع الأطراف, و هو ما يعني أن حتى الدعم الدولي التاريخي للكيان تراجع, تراجع ليه, دي قصة كبيرة ليها أسباب كتير برضو, مش ده مجالها و لا مكانها, لكن الأكيد ان المتغيرات الدولية الحادة اللي بيمر بيها كوكب الأرض دلوقتي ليها عامل كبير في تأييد قوى عظمى للطرح المصري, رغم ما فيه من سم للكيان, و في النهاية سيتجرعون السم و يقبلون الوساطة, مفيش قدامهم أي حل تاني!

رابع أسباب الصدمة هي أسباب نفسية مرتبطة بسيكولوجية المواطن في الكيان, و هو مواطن مؤمن أن هناك نهاية قريبة آتية لهذا الكيان, و أنه محاط بالأعداء من كل اتجاه, و إن حتى السلام غير كافي لاستمراره باقياً على قيد الحياة, حدود الكراهية اللي اتحطت لو سقطت بسلام عادل و متوازن و حقيقي, ستشهد تغيرات حادة في ديموغرافية الكيان, و سيذوبون كالسكر في كوب ماء الشعوب العربية, لو عادت الرحلات و تواصل عرب الداخل أو عرب الضفة أو غزة مع اشقائهم في باقي الدول العربية سينقلب كل شئ و سيذهب كل شئ, و ستختفي الأغلبية السكانية في عقد زمني على الأكثر!

خامس أسباب الصدمة هي الأهداف المستقبلية المتعلقة بوهم تهويد القدس و ترحيل العرب منها, فضلاً عن أوهام الترانسفير و نقل فلسطيني الضفة للأردن و قطاع غزة لمصر, هذه الأهداف التي يؤمن كل مواطني الكيان و داعميهم بحتمية تنفيذها, أصبحت اليوم نتيجة ما سبق من صدمات محل شك كبير, و لا يوجد عاقل هناك الآن يقتنع بامكانية تنفيذ هذه الأسباب بعد رد الفعل المزلزل على أحداث الشيخ جراح!

مش بحب أضحك عليكم أبداً, الكلام ده مش معناه ان الحرب بكرة, و لا معناه إن ولاد العم انتهوا, لكن حابب في نفس الوقت انكم تفهموا المشهد صح, تلاحظوا التحول الغريب و الخطير في المشهد الاقليمي, و هو تحول هيغير نظريات كتير و هيكون ليه تبعات اقليمية كتير, اللي بيحصل هناك آخر 3 اسابيع لم يكن هناك أحد يتخيله على سطح كوكب الأرض كله, حتى أكثر المتشائمين هناك مكانش يتوقع إن المشهد يتدهور بالسرعة دي,

المشهد ده هيخلي دول كتير تعيد تفكيرها في استراتيجية "الريموت", هيخلي دول تاني تراجع علاقتها بالكيان, دول تالتة هتقتنع ان امضائها على أي ورقة مالوش أي معنى, و لا هيغير شئ على الأرض!

و كلمة أخيرة للمصريين,

دي نتيجة بسيطة جداً لأنكم من 2016 ماشيين باستراتيجية وطنية, ببنك أهداف واضح و محدد, بتشتغلوا, بتشيلوا بلدكم, بتجددوا العربية بتاعتكم صح, بتغيروا موتور و شاسيه و عفشة و جنوط و كل حاجة,

لو كملنا كده لحد 2030, انتوا مش هتصدقوا بلدكم هتروح لفين حرفياً, 

افرحوا بترزيع المفاوض المصري على الترابيزة, حقكم, النمرة دي اتدفع فيها كتير علشان تحصل, و لسه تفرحوا لما الوساطة المصرية تتطبق, و لما الرؤية المصرية تتنفذ, و لما كل أهدافنا تتحقق, و ده لو حصل هيحصل بسببكم و بسبب صبركم و تضحياتكم, و زي ما قال البابا تواضروس الثاني, مصر هتبقي قد الدنيا
والناس هتتمنى تيجي تعيش فيها