جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 06:52 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الديار العامرة .. والوطن العزيز.. بقلم/ طــه خليفة

"حبيبي يا غالي.. ابعتلي مقال اسبوعي وكل ماتريد نشره.. وادعو اصدقاءنا باسمك للكتابة والنشر بجريدة الديار وموقع الديار".

هذا نص رسالة الراحل عصام عامر لي ظهر يوم 14 أبريل الماضي. وقد شكرته على دعوته الكريمة، ولا أزال ممتناً له، وأنا استجيب، لكن بعد رحيله للأسف.

عصام أكثر من زميل، وأعز من أخ، وأهم من صحفيين وكتاب كثيرين عاصرتهم وأعايشهم، وهو صاحب الديار، المؤسسة الصحفية العامرة، سواء خلال وجوده فيها جسداً وروحاً، أو بعد رحيله وفناء الجسد وبقاء الروح تظلل الديار بكل جميل فيه؛ مهنية راقية، وذكرى طيبة، ومسيرة حسنة، وأخلاق كريمة، وتعامل محترم، وشرف وكفاح في الحياة.

وليس هناك كفاح يعادل المجازفة والمغامرة والإقدام على وضع لبنات مؤسسة صحفية خاصة في زمن صعب يواجه فيه الإعلام - خاصة التقليدي القديم  - تحديات هائلة مرتبطة بالتحديات العامة التي تسود مختلف بلدان العالم سواء كانت سياسية ، اقتصادية ، تجارية ، اجتماعية ،ثقافية ، فكرية ،أمنية ،عسكرية. 

والمرحلة الحالية الصعبة هى فترة قلق عالمي وأزمات ونزاعات وحروب وصراعات كبرى تضرب في أعماق العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ومن أسف أن منطقتنا العربية وإقليمنا الشرق أوسطي هو الأشد تأزماً وتضرراً وتأثراً بهذا الجنون المدمر، ورغم كل هذه المخاطر فالمطمئن أن نجد ديارنا وبلادنا ووطننا في مأمن كبير من الصراعات والتمزقات والانهيارات التي تطيح بدول، وتشرد شعوباً، وتجعلها عرضة للسقوط في فوهات براكين، والتصدع تحت تأثير هزات زلازل عنيفة.

غامر عصام بروحه الوثابة، وحرك طاقة التحدي الهائلة لديه فأسس الديار متحملاً تبعات وتكاليف ضخمة في الجهد والوقت والفكر والمال، وقد حافظ على الصرح الذي أقامه بكده وتعبه وعرقه، ومرت عليه وعلى الديار (المؤسسة الصحفية)، والوطن الجامع لكل أبنائه فترات صعبة من الترقب والغموض حتى سارت المراكب آمنة ناحية شطآنها.
جاء رحيل عصام مباغتاً وصادماً ومؤلماً، لكنه القدر الذي لا يملك أحد شيئاً حيال تصاريفه وأفاعيله وأحكامه ومقاديره، والديار العامرة ستظل عامرة إن شاء الله، بقيم الإيمان بالحق والحقيقة والعدل والعدالة والوطن والوطنية والمواطنين.

الديار هى المؤسسة الصحفية، والديار هى البلاد التي يعيش فيها المصريون جميعاً، هى الوطن العزيز، هى الدولة التاريخية العتيدة التي لا تهتز ولا تترنج ولا تتصدع ولا تتمزق ولا تسقط أبداً، هكذا يقول تاريخ الديار العفية المتماسكة الموحدة، منذ آلاف السنين. ولم يصف هذا المعنى أحد أفضل من شاعر الوطنية العظيم حافظ إبراهيم: (كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي).

زالت كل الاحتلالات، وهرب كل الغزاة، وتكسرت كل رماح المعتدين، وسقطت كل المؤامرت، وارتدت كل الأحقاد على أصحابها وبقيت وستبقى مصر دياراً ووطناً في رفعة وعزة وثبات بتضحيات أبنائها، كما ستبقى الديار إن شاء الله صامدة تجتهد لتطوير نفسها وتجديد شبابها وتعظيم قدراتها وحفر وتمهيد طريقها والارتقاء يمضمونها ومحتواها لتظل ضمن منظومة الإعلام الذي يقدم لجمهوره رسالة الحقيقة والمعرفة والتنوير والوعي والثقافة والفكر، وستظل دعماً وسنداً للوطن والدولة الوطنية والمؤسسات ، والشعب المصري العظيم بكافة طوائفه وفئاته.

تعرفت على الراحل عصام عامر مطلع أبريل عام 1994، وتوثقت علاقتنا، فقد كنا أقرب لبعضنا بعضاً في موطن الميلاد والنشأة والعيش، وكنت أنا وهو ضمن كتيبة من الزملاء في التأسيس للإصدار اليومي من جريدة الأحرار خلال زمن قياسي، وكان له إسهامه المميز في مسيرة الصحيفة ونجاحاتها ثم تفرقت بنا السبل اغتراباً هنا وهناك، لكني كنت على موعد معه ودون ترتيب مسبق وهو يستعد لإصدار الديار وتحدثنا مطولاً في الأفكار والأبواب وآليات العمل، ثم كانت بيننا لقاءات سريعة، واتصالات للاطمئنان، وكنت سعيداً وأنا اتابع دأبه وصبره وعمله الطويل لأجل استمرار الديار ، منصة إعلامية محترمة، حتى كانت دعوته لي التي صدّرت بها هذا المقال الذي ما كنت أود كتابته يوماً في رثاء زميل وصديق عزيز نبيل.

الديار الجريدة والموقع أمانة في أعناق الفريق الذي عمل مع عصام، ورغم المصاعب المعروفة للجميع في رسالة وصناعة الإعلام اليوم، وخاصة الصحافة وتأثرها بالحالة الاقتصادية والتجارية العامة، ليس في مصر وحدها، بل في كل بلدان العالم بلا استثناء، إلا أن قيمة الوفاء تتطلب من كل من تعاملوا أو تعاونوا أو اقتربوا من عصام عامر، ولمسوا منه ألفة ومحبة وتواضعاً ورقياً ورجولة وشهامة فإن عليهم اليوم دعم ومساندة الديار تكريما لروح وذكرى الراحل الكريم.

الديار الصحيفة ستظل منصة للحقيقة والاستنارة، والديار الوطن ستظل قاعدة للاستقرار في الإقليم، والديار اسماً على مسمى، يُسطر أبناؤها حبهم للوطن عبر ما يكتبونه في صفحاتها من أجل الوطن، والديار الأوسع في الجغرافيا والأقدم والأعرق في التاريخ يسطر أبناؤها، جيلاً بعد جيل، ملحمة البناء والتضحيات بالعرق والدم حتى يظل مرفوع الرأس عزيزاً كريماً دائماً وأبداً.

اللهم احفظ الديار، وارحم صاحبها ومؤسسها الراحل النبيل عصام عامر.