جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 02:01 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الدكتور عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب يكتب: هل حرب المياه قادمة؟

الدكتور عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب
الدكتور عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

إن السدود التي تمضي إثيوبيا في بنائها ستتسبب في صراع إقليمي، وهي بمثابة قنبلة مائية، حيث ترفض مصر السيطرة الأثيوبية المطلقة على السد، الذي تبنية من دون اتفاقيات، أو قيود حول تشغيله، وضمان حصة الدول المشاركة في النهر، وبشكل خاص دولتي المصب السودان ومصر، بل تعتبره مصر تهديدا وجوديا، خصوصا وأن مصر تعتمد بنحو 90 في المائة على مياه نهر النيل، وهو ما نراه في اللهجة المصرية الحادة، ويعني الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عندما قال لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد.

 وعندما يقول لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا وهذا لا يعني أن مصر ستقدم على أي حرب قبل استنفاد كل المحاولات الدبلوماسية والضغط من إجبار إثيوبيا على اعتبار أن النهر الأزرق ليس ملكها بمفردها وإن كان ينبع من أراضيها كما يروج التويتريون.

هناك كثير من المحللين يراهنون على أن حرب المياه قادمة لا محالة، خصوصا وأن إثيوبيا تخطط لبناء 3 سدود كبرى بخلاف سد النهضة، وهي سدود كارداوية وبيكو أبو ومندايا، والتي تقدر سعتها التخزينية بحوالي 200 مليار متر مكعب من المياه.

 الجانب الإثيوبي يسابق الزمن لفرض أمر واقع على دولتي المصب من خلال ملئ بحيرة السد للعام الثاني على الرغم من عدم جاهزية السد للتوليد الكهربائي المخطط له.

سد النهضة يحاول أن يغير التاريخ والجغرافية السياسية في المنطقة لكنني أعتبر أن إثيوبيا واهمة في ذلك، وإن كانت عادة المياه الدولية المشتركة لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية، أرادت إثيوبيا تحقيق كل تلك الأهداف من أجل استعادة مكانة إقليمية وإفريقية، باعتبار أن مصر هي الدولة المؤثرة في أفريقيا مستثمرة الظروف السياسية التي مرت بها مصر في 2011 وفي 2013،  وأيضا من أجل تحقيق التفاف الشعب الإثيوبي الذي يتصارع على الحكم، وجعلت من بناء السد بعدا شعبيا عبر سندات مالية طرحتها للمواطنين الإثيوبيين كبداية لتمويل السد ولأجل إكسابه بعدا قوميا تواجه به ردود الفعل الإقليمية التي تقودها مصر.

 وتعتقد إثيوبيا أنها ببناء سد النهضة الذي تتوقع نهايته في 2023 يدر عليها أموالا مثلما يدر النفط على الدول البترولية، لكن هناك عقبات كثيرة لم تتمكن من توليد الكهرباء بعد الملء الأول، وخفضت التوربينات من 16 إلى ،13 ومعظمها غير عامل في الوقت الحاضر، وحتى بعد الملء الثاني لن تستطيع إثيوبيا توليد الكهرباء كما هو مخطط له، ولن يحقق لها طموحاتها ببيع الكهرباء لدول الجوار مثل السودان وجيبوتي وكينيا واليمن وغيرها باعتبار أن السد الأكبر أفريقيا والعاشر عالميا وهي تأمل أن تتحول من دولة فقيرة إلى دولة متوسطة وفق المعايير الدولية إلا إذا تعاونت مع دول المصب وقبلت تقاسم المنافع التنموية والاقتصادية.

 كذلك تود إثيوبيا أن تتحول إلى قوة إقليمية مؤثرة، ومن أجل إحداث توازن جديد في المنطقة يكون لها مكان في هذا التوازن الإقليمي الجديد، خصوصا وأن إثيوبيا تعاني كدولة داخلية مصير تجارتها مرتبط بجيرانها، وبشكل خاص مرتبط بدولة أرتيريا التي خاضت معها حروبا دامية، لكن المواجهة المصرية تجردها من كل تلك الفرص التي تطمح لها إثيوبيا بسبب أن وزن مصر السياسي ثقيل وكبير إقليميا ودوليا.

سبق أن تلقت إثيوبيا دعما إسرائيليا وتركيا، لكن استطاعت مصر تحييد مواقف الدولتين، وبذلك تم تجريد إثيوبيا من الدعم الإقليمي وحتى الدولي، وهي بمثابة مواجهة دبلوماسية قد تؤتي أكلها وقد لا تحتاج مصر الدخول في حرب مكلفة.

تعليق المفاوضات التي أقدمت عليها مصر والسودان والتي لم تتوقعها إثيوبيا لأنها كانت تراهن على الوقت حتى مجئ الملء الثاني في يونيو، فوضع إثيوبيا في مواجهة دبلوماسية إقليمية ودولية، خصوصا بعدما أشعرت مصر والسودان الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتعنت الحوثي وحملته مسؤولية حدوث أي اهتزاز في الأمن الإقليمي.

 قامت مصر بجولة مكوكية للدول الأفريقية لتوضيح موقفها والتعنت الإثيوبي الذي يفترض أن يكون هناك تعاون بين الدول الثلاث من أجل تحقيق الفوائد التنموية والاقتصادية لتلك الدول، بدلا من الاستئثار الإثيوبي الذي يضعها في دائرة الاستهداف والمواجهة.

                                   د.عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

                                  أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

                                 [email protected]