الثلاثاء 19 مارس 2024 04:44 صـ 9 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الدكتورة مني عامر تكتب: تسبيب حكم المحكمين وإيداعه

الدكتورة مني عامر
الدكتورة مني عامر

ماذا تعرف عن التحكيم 
(12)

نتناول فى هذه الحلقة مدى التزام هيئة التحكيم بتسبيب حكم التحكيم حيث أن الحكم هو أهم ما ينتظره الاطراف بعد طول انتظار وجهد أثناء مباشرة دعوى التحكيم ،وبالتالى فإن أهم ما يصبو اليه الاطراف   هو مايتوصل اليه نتيجة الحكم  و تسبيب الحكم يعتبر عنصراً هاماً فى ذات الحكم  حيث يمكن اطراف الدعوى بفهم نتيجة ما وصلت اليه هيئة التحكيم فى المنطوق النهائي للحكم  والاسانيد التى استندت اليها للوصول الى النتيجة النهائية ذلك إن الغاية من تسبيب الأحكام –بصفة عامة- هو توفير الرقابة على عمل القاضي "المحكم"  و التحقق من حسن استيعابه لواقع النزاع ودفاع طرفيه و الوقوف على أسباب قضاء المحكمة فيه،وليس لمجرد استكمال شكل الحكم باعتباره ورقة من أوراق المرافعات ،وذلك حتى يقتنع المطلع الدولة على هذه الأحكام صيانة لحقوق الدفاع حتى لا ينقلب التحكيم إلى وسيلة تحكيمية في يد المحكم . ولذلك فقد حرصت غالبية تشريعات التحكيم الحديثة على اشتراط تسبيب حكم التحكيم ، ومن هذه التشريعات من فرض شرط التسبيب دون اعتبار لإرادة الطرفين و قرر جزاء البطلان على تخلف الشرط المذكور .

وهناك تشريعات أخرى أوجبت كذلك تسبيب حكم التحكيم و لكن بشرط عدم اتفاق الطرفين على صدور الحكم دون ذكر أسباب، ومن ذلك مثلاً قانون التحكيم المصري (المادة 43/2) .
و إذا كانت قوانين التحكيم – بصفة عامة – لم تحدد شكلاً معيناً ينبغي أن تفرغ فيه أسباب الحكم ،إلا أنه يمكن القول أن التسبيب يجب أن يكون جدياً يحقق الغاية منه ، فلا يعتبر من هذا القبيل التسبيب المجمل المجهل و الغامض الذي يصلح لكل طلب كأن يقول الحكم مثلاً: أن المحتكم محق في دعواه أو أن حقه ثابت من المستندات دون بيان ماهية الأوراق و دلالاتها ،وكذلك إذا كانت الأسباب المذكورة في الحكم لا تكفي لمعرفة السبب الذي أفضى إليه المنطوق ومثل هذا النوع من التسبيب يتكافأ مع خلو الحكم من الأسباب ويوجب الحكم ببطلانه ما لم يكون الطرفان قد اتفقا على عدم تسبيب الحكم. و من ناحية أخرى يكفي لتحقيق الغاية من اشتراط التسبيب أن يتضمن حكم التحكيم بياناً وجيزاً لواقع النزاع و طلبات الخصوم و الدفاع الجوهري لكل منهما ، فضلاً عن الأسانيد القانونية و الواقعية التي ركن إليها الحكم فيما انتهى إليه الحكم . 
و في حكم لمحكمة استئناف القاهرة تقرر: "أنه يكفي لصحة حكم التحكيم أن يكون مسبباً أي يتضمن رداً على إدعاءات الخصوم وأوجه دفاعهم الجوهرية و لا يهم بعد ذلك مضمون هذا الرد أو مدى ملائمته أو سلامته من ناحيتي القانون و الواقع اعتباراً بأن دعوى البطلان ليست طعناً بالاستئناف فلا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع و تعييب قضاء الحكم فيه ،ذلك أنه ليس لقاضي البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملائمة أو مراقبة حسن تقدير المحكمين ، وصواب أو خطأ اجتهادهم في فهم الواقع و تكييفه أو تفسير القانون و تطبيقه لأن ذلك كله من اختصاص قاضي البطلان.
و تجدر الإشارة إلى أن خلو حكم التحكيم من الأسباب يوجب القضاء ببطلانه ما دام أن الأطراف لم يتفقوا على عدم تسبيب الحكم مثل هذا الإتفاق قانوناً  ، أو كان القانون الواجب التطبيق لا يجيز الإتفاق على الإعفاء من التسبيب.

عدم تسبيب الحكم التحكيمي يبطله إلا إذا أتفق الطرفان على غير ذلك .

فمن المقرر بنص المادة ( 176 ) من قانون المرافعات على أنه يجب أن تشمل الأحكام الأسباب التي بنيت عليها و إلا كانت باطلة وأيضاً ما قضت به المادة 43/2 من قانون التحكيم رقم 27 لسنــــــــــة 1994
كما يجب أن يشتمل حكم التحكيم على بيانات هامة جداً لابد من ذكرها وهى  أسماء الخصوم وعناوينهم و أسماء المحكمين و جنسياتهم و صفاتهم و صورة من إتفاق التحكيم و ملخص طلبات الخصوم و أقوالهم و مستنداتهم و منطوق الحكم و تاريخ و مكان إصداره إذا كان ذكرها واجباً ولما كان ذلك و كان الثابت من الأوراق أن قرار التحكيم الحالي قد خلا من بيان عناوين الخصوم و عناوين المحكمين و جنسياتهم و صورة من إتفاق التحكيم فضلاً عن خلوه من الأسباب التي قام عليها كما خلت من إتفاق الخصوم على عدم التسبيب و من ثم يكون هذا القرار قد جاء باطلاً و هو ما تقضي به المحكمة ..... إذا لم يتفق الطرفان على عدم تسبيب و خلا الحكم من التسبيب فهو باطل . 

إيداع حكم المحكمين  : يجب على هيئة التحكيم القيام بتسليم كل من طرفي التحكيم صورة من الحكم المنهي للخصومة تحمل توقيعات جميع المحكمين أو الأغلبية التي أصدرته .و قد ألزم قانون التحكيم المصري الهيئة التي أصدرت الحكم بتسليم صورة موقعة منه إلى كل من الطرفين خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره ( المادة 44/1) و تجدر الإشارة إلى إن ميعاد تسليم حكم التحكيم في حالة وجود نص قانوني بشأنه- هو ميعاد لا يترتب على مخالفته جزاء البلان ، و كل ما في الأمر أنه قد يعرض هيئة التحكيم للمسؤولية المدنية عن التأخير في تسليم الحكم المذكور .
و توجب غالبية تشريعات التحكيم الحديثة إيداع أصل حكم التحكيم أو صورة موقعة منه أمانة (قلم كتاب) إحدى محاكم الدولة، فمنها ما ينص على إيداع الحكم المذكور المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ،و تشريعات أخرى تشترط أن يتم ذلك الإيداع بالمحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرتها ، وطائفة ثالثة توجب إيداع الحكم المذكور في المحكمة التي يقع دائرتها مكان التحكيم .

وتختلف التشريعات في تحديد من يقع عليه عبء إيداع حكم التحكيم ، فمنها من يلقى هذا الواجب على عاتق هيئة التحكيم أو أحد أع ضائها مثل القانون اليمني  و الجزائري و العراقي، أما القانون المصري فقد  ألقى بعبء هذا الإيداع على عاتق من صدر حكم التحكيم لصالحه كالقانون المصري  و هناك من القوانيـــــــــــن التي أوجبت إيداع حكم التحكيـــــــــــم و لكن دون بيان الملـــــــــزم .بذلك كالقانون الهولندي و اللبناني و المغربي و البحريني و القطري و الكويتي .
و يحق إيداع حكم التحكيم في إحدى محاكم الدولة أو أي جهة مختصة أخرى من الفوائد التي لا يمكن جحدها،ذلك أن الإيداع يوفر الحماية الضرورية لحكم التحكيم إذ يرفع يد المحكمين عنه فلا تمتد إليه بتعديل أو تغيير بعد صدوره ،كما يحفظه من الضياع أو التلف في مكان أمين، وبذلك يسهل الرجوع إليه عند الحاجة ،فضلاً عن أنه يؤكد تاريخ صدروه،و كل ذلك بل شك لازم لحماية حقوق أطراف التحكيم .
و نظراً لما لإيداع حكم التحكيم على النحو السالف بيانه من أهمية فقد عنيت بعض لوائح مراكز التحكيم الدولية المعروفة بإلزام هيئة التحكيم بتنفيذ ما يقضى به من قانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم بشأن إيداعه أو تسجيله أو التقيد بالمهلة المقررة لذلك.
و قد كشفت عدة قضايا عن لجوء البعض إلى إيداع أحكام التحكيم في قلم كتاب محكمة غير مختصة كوسيلة آثمة للغش و التحايل بقصد إخفاء أمر حكم تحكيــــــــــــم ( صدر هو الآخر بطرق الغش أو التزوير أو بهما معاً) عن أصحاب الشأن الحقيقيين.  
كان ذلك عرضاً هاماً تناولنا فيه معاً اهم مسألتين هامتين فى العملية التحكيمية وهى تسبيب حكم التحكيم وعدم تسبيبه يترتب عليه بطلان الحكم إلا اذا اتفق طرفي الدعوى صراحة على عدم تسبيبه ، وكذلك ايداع حكم التحكيم لدى المحكمة المختصة تمهيداً لاتخاذ اجراءات التنفيذ .
إعداد
الاستاذة الدكتورة /منى طه عامر
خبيرة التحكيم
والمحامية بالنقض