جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 03:28 صـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

عبد الناصر محمد يكتب: أسرار وحكايات.. من زمن فات ”3”

المثل القائل " يخلق من ضهر العالم فاسد " ينطبق تماما على إبن الحاكم أحمد بن طولون الذى يدعى أبوالجيش خماروية الذى تولى ملك مصر عقب وفاة والده عام ٢٧٠ هجرية / ٨٨٤ ميلادية والذى كان مسرفا بدرجة غير طبيعية تجاوزت حد السفه حتى أن عرس إبنته " قطر الندى " على الخليفة العباسى " المعتضد بالله " تسبب فى إفقار الدولة وجر عليها الخراب والدمار .. وإلى تفاصيل الحكاية ...
أول ما إتجه إليه الأمير خماروية أنه حول ميدان قصر أبيه الفسيح إلى بستان غرس فيه جميع أنواع الرياحين وكل أصناف الشجر والورود وزرع فيه الزعفران وقام بتطعيم شجر المشمش باللوز وكسا أجسام النخل بالرصاص وأجرى فيها قنوات مائية وبنى برجا من خشب الساج النادر .. وسرح فى البستان من الطير العجيب كالطواويس ودجاج الحبش.
ومن مظاهر البذخ التى تميز بها خماروية والتى أنفق عليها من خزانة البلاد أنه خصص فى داره مجلسا سماه بيت الذهب حيث طلى حيطانه كلها بالذهب ، وكان خماروية سابق عصره حيث أمر الرسامين برسم صور له ولمحظياته وكذلك للمغنيات اللائى تغنينه ووضع هذه الصور على الحيطان داخل قصره فكان بيته من أعجب مبانى الدنيا.
وأنشأ أمير التبذير والإسراف بركة من الزئبق وصنع فرشا من جلد يحشى بالهواء حتى ينتفخ كى ينزل وينام عليه حيث يتحرك الفراش بحركة الزئبق البطيئة الرصينة فيستمتع الأمير بنومه المريح .. وأنشأ أيضا حديقة حيوانات تربى فيها الخيول المنتقاة والجمال والفهود والأفيال والزرافات ، وقد إستأنس سبعا لم يبرح جانبه قط ، وبالطبع فهو فى هذا المناخ السفيه فقد الأمير أكثر أيام حياته مع الحسناوات والغوانى.
وقد إتخذ خماروية فى حرسه الخاص أفرادا أشداء أقوياء وكانت لديه قوة من الزنوج يمرون فى العرض العسكرى الذى كان يعتاده لإرهاب الشعب تلف رؤوسهم عمامات سوداء وتغطى صدورهم دروعا حديدية تلبس فوقها قمصان سوداء فكانوا أشبه بمحيط أسود متدافع بتأثير لون بشرتهم وملابسهم. 
*قطر الندى وإفلاس مصر 
أما أبشع مظاهر السفه التى كان يعشقها خماروية فكان يتجسد فى عرس إبنته أسماء الملقبة ب " قطر الندى " فقد أحاط بحفل زفافها إلى الخليفة العباسى " المعتضد بالله " .. مظاهر أبهة وعظمة لم يشهدها التاريخ فى أى بلدان العالم حتى الآن، فقد ذكر المؤرخون أن قافلة عرس قطر الندى حفلت بما لم تره عين أو تسمع به أذن حيث كانت تضم أربع قطع من الذهب على قبة من ذهب مشبك ، فى كل عين من التشبيك قرط معلق فيه حبة من الجواهر لا تعرف لها قيمة أى لا تقدر بثمن ، كما تضم قافلة العرس أو زفة بنت الأمير دكة من ذهب تضع عليها العروس قدمها كلما دخلت إلى حجرتها فضلا عن مائة هاون من الذهب يدق فيها العود وألف مبخرة من الذهب أيضا ومئات الصناديق المحتوية على الملابس والأقراط والسلاسل الذهبية وفصوص من الأحجار الكريمة.
لم يكتف خماروية بكل هذا البذخ والإسراف بل أمر ببناء قصر لإبنته العروس فى كل مرحلة من مراحل الطريق من القاهرة إلى بغداد تنزل فيه العروس للإستراحة من عناء الطريق وإشترط أن يكون كل قصر معدا بكل ما تحتاجه العروس فى سفرها من الراحة والرفاهية فتشعر وكأنها فى قصرها بالقاهرة ... وبعد هذا الموكب العظيم وتلك " الزفة " الرهيبة التى لم تتكرر أصبحت خزانة مصر خاوية وحل على البلاد موجات متلاحقة من الخراب والدمار.