جريدة الديار
الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 07:26 صـ 24 ربيع أول 1447 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
ترامب يتوقع ”خفضا كبيرا” للفائدة من الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع لقاء السيسي وأردوغان في القمة العربية الإسلامية بالدوحة بيان خريطة وخطة العام الدراسي مجلس الدفاع الخليجي يعقد اجتماعًا عاجلًا بالدوحة للرد على الغارات الإسرائيلية على قطر اجتماع استثنائي في قلب الدوحة.. الصحف ووكالات الأنباء تسلط الضوء مشروع البيان الختامي للقمة الخليجية الطارئة في الدوحة رئيس جامعة دمنهور يستقبل وفد رفيع المستوى من جامعة شاندونج الصينية لبحث سبل التعاون بين الطرفين البحيرة في عيدها القومي استثمارات تتجاوز أكثر ملياري جنية ٤٥ مشروع يدخل الخدمة في شتي القطاعات لتعزيز التنمية وتحقيق رؤية مصر ٢٠٣٠ اليوم .... افتتاح مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي وزير العمل يُعلن عودة عجلات الإنتاج للدوران بكامل طاقاتها في شركة نايل لينين جروب للنسيج بالأسكندرية تشريع أمريكي يقترح استخدام الطائرات المسيرة لوقف الاغتيالات مدير مجمع الشفاء بغزة: الأوضاع في القطاع تجاوزت مرحلة الكارثة

بدوي الدقادوسي يكتب: مستجير من الرمضاء بالنار

ضحكة واسعة تكشف عن أسنان هزمها الزمن إلا واحدة تقف في المنتصف كعمود صدئ في طريق مهجور ، رائحة الكفتة تهيج الرغبة وهو يتفنن في ازكاء النار والدخان برش الشحوم على الفحم ، الغلة اليوم ستكون وفيرة ستسدد ديون شهور الركود  التي استدان فيها لمحل اللحوم المجمدة والمخبز وبائع السجائر و.... و... و.. .
تدفق صُيّع الشارع حول لجنة الانتخابات وساقطات الحي ّ، يعرفهم جميعا وقفته على الرصيف أمام عربة الكفتة جعلته يحفظ عورات البيوت ،يسترها حين يسترضيه أهلها ويكشفها حين يهملونه ، وقفة الشارع مُعلّم ماهر يجعلك قادرا على التعامل مع التفاصيل ببراعة ، يمنحك عاطفة اللحظة المؤقتة ، كيف تضحك إن كان الزبون يشتري الطعام لمناسبة سعيدة وكيف تبكي إن كان يشتريه لمناسبة حزينة ، يمارس حزنه بشهية ، يرقص على حافة دمعة .
همس بأذني وهو ينظر للشارع المكدس بسيارات الشرطة : هل تعلم يا أستاذ أن المسافة بين بلدنا والتقدم ألاف الأميال من شرطة وجيش وإعلام ؟ انظر لأقواس شفاه المارة لترى بعثرات خرساء على فم منهك ومتعب وألسن محشوة بالقطن من كثرة اعتيادها البوح للوسائد والليل ورماد السجائر ، وتلك المرأة  التي ترقص أمام اللجنة كذبيح يرقص من الألم تخط الكحل بسواد الظلم ، نظرت نحوه بدهشة فهم مغزاها فأخرج على الفور من تحت كيس الخبز كتاب " الحب في زمن الكوليرا " فازدادت دهشتي ، رائع يا معلم عبودة وهل استوعبته؟
عيب عليك يا أستاذ ، محسوبك  بتاع كله ، أخرج قصاصة  من جيبه وقد دون بقلم رصاص " حين تتعرى الأشجار من أوراقها لا يعني هذا أنها أنثى فاجرة ، بل راهبة في قداس ، تنتظر الربيع لتظلل بقشيبها كل عابر " 
يبقر الرغيف ، يحشوه بأصبعين كفتة ، يناوله زوجته ، ترشه بقطع صغيرة من الشبت والبقدونس ، يحمل الأرغفة ، يوزعها على الذين كلفهم الأمن بالتواجد حول اللجنة ، يحفظون أدوارهم كممثلين بارعين ، يعود مسرعا ليكمل : ويأتي الربيع ، ترقص الأوراق على نغمات النسيم ، يستحي الحزن يتوارى قبل أن يقتله بريق نواجذ الابتسام " 
لم ينتظر إطرائي ، انطلق مرحبا بمأمور القسم ، شق الصفوف كجرذ ، وقف أمامه كقرد ، تسمر مكانه حين شعر بيد ثقيلة على كتفه ، استبدل رعشة شفتيه ببسمة ، صاح وهو يرفع يده بالتحية : أوامرك يا باشا .
- عايز سندوتشات لكل الناس ، الناس لازم تاكل وترقص وتتبسط .
- أوامرك ياباشا .
ألقى بمزيد من الفحم لتصير جمرا يغطي سحب دخانه الشارع ، يحرك منشته بسرعة فيزداد الجمر تأججا يلقي بأصابع الكفتة كثرة الشغت قليلة اللحم الملونة " باللعلة " يغني طربا " يا سبية الشوق لايليق بك إلا عبد الألم ، فكلانا أنجبته ليالٍ يتيمة " يلتفت نحوي منتشيا : أتعرف أن أصدق العبارات كذبا تلك التي نقولها تحت تخدير الحماس كقول المحب لحبيبته " لن يفرقنا سوى الموت وهتافات الجماهير في المظاهرات .
أومأت برأسي معلنا الموافقة والإعجاب .
- معلم عبودة 
- عيوني يا أستاذ 
- لا أظن أنك هتفضى نلعب طاولة الليلة ، عن اذنك ، همشي .
- أمسك بكمي بعنف محاولا إعادتي للجلوس ، قفز صوب المقهى المقابل لفرشته ، عاد يقضم أظافره كعادته حين يكون أمام أكثر من أمر وعاجز عن اتخاذ قرار ، أقسم أن المعلم إيهاب صاحب محل اللحوم المستوردة الذي يتعامل معه لو أكلت الكلاب جثته لتسممتْ ، شق بطن الرغيف وألقى بجوفه أصابع الكفتة وضعت الزوجة الشبت والبقدونس  ليطير صوب الباشا وهو يهتف  " الجيش والشعب إيد واااحدة ".
نهضتُ فور انتهائي من قهوتي وأنا أقسم له أني سأعود ، تَمَشّيتُ أتأمل كل شيء ، كأنه ليس شارعي الذي تفتحت عيني عليه ، وجوه غير الوجوه ، لغة غير اللغة ، عدتُ لأجد المعلم عبودة يلملم  الفرش ويصب الماء على الجمر ، قال سعيدا : جبرتْ يا أستاذ كدا الحمد لله مَرضِّة أوي ، أخذ يُقَبِل يده ظهرا لبطن ،انطلق صوب الباشا : " سا الخير يا أعظم باشا في الدنيا .
- عايز إيه يازفت، خلّص مش فاضيلك .
- الحساب ياباشا 
- نزع الباشا نظارته ، استدار بكل ضخامته  نحو النحيل صاح بغضب : أنت اتجننتْ؟ والله أرميك في الحبس والدبان الأزرق ما يعرف لك طريق.