د.عبدالباسط الغرابلي يكتب: ليلة النصف من شعبان فيوضات ونفحات إلهية

كتب الدكتور/ عبدالباسط الغرابلي أحد علماء وزارة الأوقاف:
ليلة النصف من شعبان هي ليلة عظيمة الشأن ، رفيعة القدر ، فيها فيوضات وعطاءات ونفحات إلهية ، يسعد بها عباد الله الصالحون حيث تفتح لهم أبواب القرب والطاعة ، فما أعظمها وأجملها من ليلة لأهل الله الذين يعرفون قدرها ويتعبدون فيها لخالقهم ومولاهم ولعل أهم ما يجب فيها ما يلي:
أولاً : ينبغي الإكثار من الصيام.
معلوم أن شهر شعبان هو أكثر الشهور التي صامها الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بعد شهر رمضان لأنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، ولأنه شهر رفع الأعمال ، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أنه سال النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم في شعبان فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " أخرجه النسائي رقم 2317 . فالإكثار من الصيام في شهر شعبان فيه تربية للنفس واستقبال حسن لشهر رمضان واقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان " أخرجه البخاري . فالحريص على هذه الفضيلة ، فضيلة الصيام يصوم يوما ويفطر يوما أو يصوم يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع والأيام البيض من كل شهر عربي هجري لأن الصوم فضله عظيم وثوابه جزيل عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " متفق عليه .
ثانياً :ينبغي تطهير الصدر من الأحقاد وغيرها.
دعا الإسلام إلى سلامة الصدر وتطهير القلوب من الكره والحقد وخصوصاً في شهر شعبان وفي ليلة النصف منه ، ونحتاج في زماننا هذا إلى سلامة الصدر في الزمالة والصداقة ومع الأقارب ، لتكون حياتنا حياة جوار وقرب وإحسان ، لا حياة صراع وعدوان ، فالله تعالى في ليلة النصف يغفر لخلقه إلا المشرك والمشاحن عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن " رواه الطبراني وصححه ابن حبان . والمشرك هو من أشرك مع الله غيره في العبادة والتقديس قال الله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء " سورة النسآء من الآية 41 . والمشاحن هو المعادي الذي صنع العداوة بينه وبين الناس ،صنعها قلبه المريض لأن الحقد مكانه القلب ، وسلامة القلب من صفات المؤمنين قال الله تعالى : " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم " سورة الشعرآء الآيتان 98/ 99 . والقلب السليم لا يحمل حقداً ولا حسدا ولا غشا ولا غلا ولا خيانة ولا شماتة على أحد من المسلمين ، عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - قال : قيل يا رسول الله ، أي الناس أفضل ؟ قال : " كل مخموم القلب صدوق اللسان ، قيل صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب ؟ قال : هو التقي النقي ، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد " رواه ابن ماجة 4216 . فإلى كل باحث عن الجنة طامع في كرم الله تعالى ، طهر قلبك حتى تسعد ..
ثالثاً: ينبغي إشاعة روح المحبة بين الناس.
وروح المحبة بين الناس لا يأتي إلا من قلب سليم وصدر نقي ويتمثل في الآتي:
أ _ قضاء حوائج الناس.
إن قضاء حوائج الناس ينشر المحبة بين أفراد المجتمع ، ويؤلف بين القلوب قال الله تعالى : " وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " سورة الحج من الآية 77 . وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لله عبادا اختصهم بالنعم لمنافع العباد ، يقرهم فيها ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها الله منهم ، فحولها إلى غيرهم " رواه الطبراني .
ب _ إفشاء السلام .
قال الله تعالى : " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " سورة النسآء الآية 86 وقال - صلي الله عليه وسلم - : " لا تدخلو الجنة حتي تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتي تحابوا ، أولا أدلكم علي شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " رواه مسلم .
ج _ الدعاء للناس بالهداية.
وهو نوع من الإيثار يظهر تماسك الأمة فمن يدعو للناس يحبهم قال الله تعالى : " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رؤف رحيم " سورة الحشر 10 .
وختاماً: هيا بنا نغتنم الأوقات المباركة بالأعمال الصالحة ، ونضع في ميزان أعمالنا اليوم ما يسرنا أن نراه غدا قال الله تعالى:"يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا " سورة آل عمران من الآية 30 . وأسال الله تعالى أن يرزق أمتنا شبابا وشيوخا بصيرة نري بها الخير ونعمله ، ونري الشر ونبتعد عنه ، وأن يحفظ أهلنا وبلادنا من كل مكروه وسوء ، وأن يرزقنا الطاعة وقبولها والعمل والإخلاص فيه ، وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..بقلم الدكتور عبدالباسط الغرابلي