جريدة الديار
الثلاثاء 23 أبريل 2024 04:22 مـ 14 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
حريق في 5 منازل بالفيوم و حالات اختناق بين المواطنين رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي للإفراج الجمركي عن البضائع في الموانئ وتطبيق منظومة الشحن المسبق البابا تواضروس يعزي أسرة الراحل رسمي عبد الملك تدشين وحدات حزبية جديدة ومعارض للسلع وقوافل الخير بأمانة حماة الوطن بسوهاج بسبب خلاف على مكان البيع بالسوق بالقليوبية بائع خضروات يقتل زميله مناقشة مجلس شئون التعليم والطلاب بجامعة الإسكندرية للإستعدادات لأعمال امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني وزير التنمية المحلية يهنئ وزير الدفاع والإنتاج الحربى بذكرى عيد تحرير سيناء المجيد اجتماع وزير التعليم مع لجنة من قيادات الوزارة لتطوير وتفعيل سبل تحقيق ضمان الجودة التعليمية ”وزير الدولة للإنتاج الحربي” في زيارة مفاجئة لشركة ”أبو زعبل للصناعات المتخصصة” أمن القاهرة يكشف لغز بلاغات سرقة ويضبط الجناة والمسروقات السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول الأرصاد تُعلن مفاجأة بشأن حالة الطقس في الـ3 أيام المقبلة

موقعة الاسماعيلية ...... بقلم د .أحمد سعيد

د . أحمد سعيد
د . أحمد سعيد

في الساعة السادسة من صباح يوم الجمعة الخامس والعشرين من يناير عام 1952 استدعى "البريجادير اكسهام" قائد القوات البريطانية بمنطقة القناة ضابط الاتصال المصري "المقدم شريف العبد" وسلمه انذارا يقضي بتسليم قوات الشرطة المصرية بالاسماعيلية اسلحتها والانسحاب بكامل افرادها بعيدا عن منطقة القناة وان تترك ثكانتها ومقارها فورا.

ولكن ما الذي حدث ودفع الانجليز الى اصدار مثل هذا الانذار؟

كان حزب الوفد برئاسة النحاس باشا وصل الى الحكم عام 1950 وتولى تشكيل الحكومة المصرية وكانت كل امال المصريين معلقة بتحقيق الجلاء ورحيل القوات البريطانيةعن مصر تماما بعدما كانت تمركزت في منطقة القناة, وبالفعل استمرت المفاوضات بين الوفد والانجليز حتى منتصف عام 1951 حين ادرك النحاس باشا ان انجلترا لا تريد لهذه المفاوضات النجاح فأقدم حينها على الغاء معاهدة 1936 وقال جملته الشهيرة وقتها "من اجل مصر وقعت المعاهدة ومن اجل مصر اقوم بالغائها".

ازداد التعنت البريطاني ازاء مصر بل وقامت انجلترا بوقف امداد مصر بشحنات اسلحة كانت مصر قد دفعت ثمنها مسبقا والاكثر انها قامت بتحدبد شحنات البترول التي تخرج من مصفاة تكرير البترول في السويس الى باقي مصر مما رفع حدة التوتر بين الحكومة وانجلترا.

ردت مصر على تصرفات انجلترا بدعوة العمال المصريين العاملين في منطقة القناة لدى المعسكرات البريطانية ولدى شركة قناة السويس بترك اعمالهم وبالفعل استجاب المصريون وتركوا اعمالهم حيث بلغ عددهم ما يفوق تسعين الفا وامتنع التجار وموردون الاغذية عن التعامل مع القوات البريطانية, ومن ناحية اخرى نشطت العمليات الفدائية في منطقة القناة لدرجة اصدار الاوامر بمنع سير اي جندي بريطاني بمفرده.

تعددت المواجهات بين القوات البريطانية والمصريين من الاهالي ومن قوات الشرطة على السواء فلم تكن موقعة الاسماعيلية الشهيرة هى المعركة الوحيدة ضد قوات النظام المصرية فقد سبقتها العديد من المعارك التي راح ضحيتها الكثير من المصريين ومن ضمنها معركة السويس التي حدثت في ديسمبر 1951 حيث انطلقت القوات البريطانية في شوارع مدينة السويس تطلق النار على المصريين بشكل جزافي وتصدت لها قوات الشرطة مع الفدائيين وسقط فيها ثمانية وعشرين شهيدا مصريا في حين استطاع المصريون قتل اثنثن وعشرين جندي بريطاني.

ثم حدثت موقعة كفر عبده الشهيرة حيث قامت القوات البريطانية بمحو هذا الحي بمنازله تماما لاقامة طريق مكانه في مخالفة لكل الاعراف الانسانية وبالرغم من معارضة الحكومة المصرية لهذا الفعل, فما كان من مصر الا ان سحبت سفيرها في بريطانيا اعتراضا على ما حدثكما قامت بالاستغناء عن خدمات اي موظف انجليزي يعمل في الحكومة.

مع توالي هذه الاحداث ارادت القوات البريطانية السيطرة على مبنى المحافظة ومواقع الشرطة المصرية في الاسماعيلية لادراكها ان قوات الشرطة تتهاون مع الفدائيين ولا تقوم بدورها في حماية القوات البريطانية فكان ان اصدر "اكسهام " هذا الانذار.

وعندما تسلم ضابط الاتصال هذا الانذار بادر بتبليغ قائد بلوكات النظام "اللواء احمد رائف" ووكيل المحافظة "علي حلمي" بما حدث الذين رفضا هذا الانذار وابلغا وزير الداخلية "فؤاد سراج الدين" بما يحدث واتفق معهما على رفض الانذار.

بدأت المعركة في حوالي الساعة السابعة صباحا بين ثمانائة جندي من الشرطة المصرية مسلحين بالبنادق فقط امام سبعة الاف جندي بريطاني مسلحين بالاسلحة الثقيلة والدبابات والمدافع

قامت المعركة في جبهتين احداها بقيادة "اللواء احمد رائف" في ثكنات الشرطة واستمرت حوالي الساعتين حتى نفدت الذخيرة فاقتحمت القوات البريطانية الثكنات واسرت من كان حيا.

والجبهة الاخرى بقيادة "اليوزباشي مصطفى رفعت"بمبنى المحافظة واستمرت حتى السادسة مساء بشجاعة منقطعة النظير حتى ان الانجليز انذروهم بانهم سينسفون مبنى المحافظة بالكامل على من فيه اذا لم يستسلموا فما كان من مصطفى رفعت الا ان قال "لن يستلم البريطانيون منا الا جثثا هامدة" وبالفعل تم ضرب مبنى المحافظة بالمدافع واشتعلت التيران به ولكن قوات الشرطة استمرت في قتالها بين الانقاض حتى نفدت ذخيرتهم فاقتحم الانجليز المكان ولم يرض الجنود المصريون بالخروج الا وهم مرفوعي الرأس وبالفعل وافق القائد الانجليزي على شروطهم بل واحنى رأسه احتراما لبسالتهم وشجاعتهم الفائقة.

بلغ عدد الشهداء المصريين خممسون شهيدا واصيب حوالى الثمانون في حين سقط ما يقرب من العشرين قتيلا من القوات البريطانية.

ذكر "مصطفى رفعت" في احد الحوارات معه بهد ذلك ان فؤاد سراج الدين اتصل تليفونيا بهم بعد عدة ساعات من بدء المعركة وسأله عن ما يحدث فاخبره عن الحصار وسقوط عدد من الشهداء فما كان من فؤاد سراج الدين الا ان ساله عن قرارهم فاجابه انهم لن يستسلموا وسيواصلون المقاومة حتى اخر طلقة فما كان منه الا ان قال "شدوا حيلكم" ثم انقطعت الاتصالات بعد سقوط قذيفة على حجرة التصالات, مما يدل ان قرار البقاء والمقاومة كان قرارا خاصا برجال الشرطة لا مجرد تنفيذ للاوامر.

كان لتلك المعركة اثارها الكبيرة حيث اندلع في اليوم التالي حريق القاهرة الذي يظل لغزا حتى الان وتمت اقالة حكومة الوفد.

والغريب انه بعد تشكيل حكومة اخرى بقيادة علي ماهر باشا لم يفاوض الانجليز للافراج عن الاسرى المصريين من رجال الشرطة بل وعقب الافراج عنهم في فبراير 1952 تم منح مصطفى رفعت اجازة مفتوحة في قرار اشبه بالطرد من الخدمة.

وعلى الرغم من التساؤلات العديدة التى دارت في الاذهان عن تلك المعركة والضبابات السياسية التي صاحبت موقف حكومة الوفد في عدم رده على تلك المذبحة الا انها تبقى واحدة من اشرف الصفحات في التاريخ المصري الحديث ويحق لنا ان نتخذها عيدا للشرطة المصرية.