زاوية نفسية|منى شطا تكتب: «الشخصية السوية»
في هذا اللقاء أتحدث معكم عن الشخصية السوية-المقياس، والتي ينبغي أن يبنى عليها، وفق خلاصات البحث والدراسة في عالم كبير اسمه (النفس البشرية)، لكن وقبل الدخول إلى تعريف وتوضيح الشخصية السوية، لزم أن نوضح أمرًا في غاية من الأهمية، وهو أن السواء المطلق للإنسان أمر يندر الوجود.. الآن أو غدا، فجميعنا تلحقه العيوب، وتحلق في سماء حياته المشكلات، لكن ما نورده في هذا المقال خلاصة الحد الأدنى لما يمكن القياس عليه.
تعددت التعريفات حول الشخصية السوية، فلا يوجد تعريف واحد وضعه العلماء والباحثين لها، ويمكن تعريف السواء بأنه تكيف الشخص مع البيئة والظروف المحيطة به، ويختلف ذلك من مجتمع لآخر، فما هو سوى في مجتمع ما، ربما يكون غير سوى في مجتمع أخر، ومثالًا للتوضيح، " شرب الخمر في المجتمعات الشرقية أمر غير سوى، على العكس تماماً في المجتمعات الغربية، وحجاب المرآة في المجتمعات الإسلامية، يختلف في منظوره عن المجتمعات الغير إسلامية، وقد عمد علماء النفس لقياس الصفات والسلوك والأفعال التي تبين سواء الشخصية من اضطرابها المرضي، كما خلصوا إلى أن الشخصية السوية لابد أن تتمتع ببعض الصفات نجملها فيما يلي:
الفطرية: والمقصود بالفطرية هنا، هو أن الإنسان السوى يكون على الفطرة التي خلق الله الانسان عليها، وأن يكون هناك انسجام بين سلوكه وما فطر عليه، وبهذا يكون إنسان سوى.
التوازن: للإنسان مجموعة من الاحتياجات الروحية والجسدية، والإنسان السوى هو الذى يستطيع أن يشبع احتياجاته الروحية والجسدية معا، دون أن يقصر في أي من الطرفين، وأن يشبع هذه الاحتياجات بطرق مشروعة، بعيدًا عن الانحرافات أو الشذوذ، فمثلاً حاجة الإنسان للطعام يمكن أن يتم الاشباع منها بطريقة مشروعة كشراء الطعام، ومن الممكن سرقته، وهي طريقة غير مشروعة .. الخ .
الوسطية: يقوم الإنسان بمجموعة من السلوكيات، والسوى هو الذى يكون وسطى في سلوكياته، فينفق لإشباع احتياجاته، فلابد أن يكون الانفاق وسطي، فلا يكون ممسكاً ولا مبذرًا، كما ينطبق ذلك على كل سلوكيات الإنسان وانفعالاته، حتى في علاقته بالله يكون وسطيًا بعيدا عن المغالاة واللامبالاة.
الاجتماعية: وهي وجود الإنسان في وسط اجتماعي، وتجاوبه السلوكي مع هذا الوسط، وقدرته على إقامة العلاقة الإنسانية مع الآخرين، ولهذه السمة ارتباط وثيق بالسمة الثانية، فالإنسان اجتماعي بفطرته، والاتجاه إلى الفردية أو العزلة بدون سبب أمر يعد شذوذاً.
المصداقية: الصدق مع الذات ومع الناس، تطابق ظاهر الإنسان مع باطنه، وكلما اختلف ظاهر الإنسان عن باطنه، كلما كان شاذاً وازدوجت شخصيته.
الإنتاجية: اتجاه الإنسان إلى العمل، وتحمل المسؤولية في حدود قدراته، فالعمل أو الإنجاز يعد ركناً مهماً في سواء الإنسان وصحته النفسية، بينما تؤدي البطالة والسلبية إلى الانحراف أو الشذوذ.
ومن هنا نصل إلى أن السواء " السلوك التوافقي " هو السلوك الموجه للتغلب على العقبات البيئية، وهى استجاباته المعتادة التي يسير عليها لإشباع حاجاته، وارضاء دوافعه وتخفيف توتره، ومدى قدرة المرء على تحويل ما هو ذاتي إلى اجتماعي، بمعنى قابليته للتكيف، ولنعلم أن المعايير والقيم نسبية، وفي تغير مستمر، تختلف من وجهة نظر الفرد، وتختلف باختلاف الثقافات والعصور، وكل تغير في الإنسان يتطلب تغيرا في البيئة والعكس.
إذن.. فالتوافق هو ثمرة التكيف، وقدرة الفرد على تخطى عقبات البئية والتغلب عليها، وعلى الإنسان السعي والكد للتغلب على هذه العقبات، وتخطى العوائق والصعوبات.
وبما أن كل لحظة في حياة الإنسان يمر بها ما تضعه في مواجهة موقف أو مشكلة ما، فإن الإنسان في حالة توافقات موقفيه.
وأخيرًا فالبيئة ليست "جنات عدن"، بل هى كد وسعى، والإنسان فيها لا يملك "بساط الريح أو خاتم سليمان"، ليقضى حاجاته أو يصل لأهدافه دون عناء، بل إن قدراته في صراع مع غيرها من القدرات المماثلة الساعية لنفس الهدف، في حدود معايير المجتمع، ويجب على الفرد تخطى هذه العوائق لإشباع حاجاته، بداية من حاجاته الى الطعام والشراب والمأوى والعمل، من أجل العيش وتكوين أسرة وتربية أبناء، وعلى الفرد في هذا كله إن يتوافق اجتماعيا، ويلتزم بما يفرضه المجتمع من قواعد وعادات وسلوكيات متبعه وأعراف وقوانين، وهذا هو "التوافق الاجتماعي"، وعلى ذلك نستطيع أن نتعرف على الشخصية السوية.. وختامًا لا ننسى قول الله تعالى "ولقد خلقنا الإنسان في كبد".