مصر وإعادة إعمار غزة بين الطموح والتحديات

في وقت تشتد فيه وطأة الحروب وتتصاعد الأزمات الإنسانية، تبرز مصر مرة أخرى كقوة فاعلة في الساحة العربية، لا كوسيط للسلام فحسب، بل كقائدة لعملية إعادة الإعمار التي تمس حياة الملايين.
الخطة المصرية الطموحة لإعادة إعمار قطاع غزة، بتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار، ليست مجرد مشروع هندسي أو اقتصادي، بل هي رسالة واضحة: مصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وستعمل على إعادة بناء ما دمرته الحرب، حجراً حجراً.
إعادة الحياة إلى غزة
الخطة، التي تم الإعلان عنها بدعم عربي كامل وتنسيق دولي، تهدف إلى إعادة الحياة إلى غزة، تلك البقعة الجغرافية الصغيرة التي تحمل في طياتها تاريخاً طويلاً من المعاناة والصمود.
وتنقسم الخطة إلى مرحلتين رئيسيتين: الأولى هي مرحلة "التعافي المبكر"، والتي ستستمر ستة أشهر، وتركز على إزالة 50 مليون طن من الركام، وتركيب مساكن مؤقتة، وترميم 60 ألف وحدة سكنية مدمرة جزئياً.
أما المرحلة الثانية، فستشمل بناء 200 ألف وحدة سكنية جديدة لاستيعاب 1.6 مليون شخص، بالإضافة إلى إنشاء مطار وميناء تجاري ومناطق صناعية ولوجستية وفنادق على الشاطئ.
الرئيس عبد الفتاح السيسي
هذا المشروع العملاق ليس مجرد خطوة اقتصادية، بل هو أيضاً خطوة سياسية تعكس رؤية مصرية واضحة: أن إعادة الإعمار يجب أن تكون جزءاً من حل شامل يعيد الحقوق لأصحابها ويحفظ كرامة الشعوب.
وهذا ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة، حين شدد على رفض مصر القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
"التحالف العربي للاستثمار الصناعي"
ولكن، كيف ستتحول هذه الخطة الطموحة إلى واقع ملموس؟ هنا يأتي دور "التحالف العربي للاستثمار الصناعي"، الذي اتفقت على تأسيسه 41 شركة مصرية خاصة. هذا التحالف، الذي سيتم الإعلان عن تأسيسه الأسبوع المقبل، يهدف إلى التوسع في الدول العربية والمشاركة في عمليات إعادة الإعمار، بدءاً من ليبيا ومروراً بالعراق والإمارات.
هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الصادرات المصرية، التي ارتفعت بنسبة 12% لتصل إلى 40 مليار دولار في عام 2024، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق. الحكومة المصرية تأمل في أن تصل الصادرات إلى 145 مليار دولار بحلول عام 2030، وهو هدف طموح لكنه ليس مستحيلاً في ظل الجهود الحثيثة لتعويض الخسائر الناجمة عن تراجع إيرادات قناة السويس بسبب اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر.
التحديات التي تواجه الخطة
لكن التحديات التي تواجه الخطة ليست هينة ، فبالإضافة إلى التحديات اللوجستية والمالية، هناك الموقف الأمريكي المتصلب، الذي لا يزال متمسكاً بخطته التي تركز على الحل الاقتصادي دون اعتبار للبعد السياسي.
هذا الموقف قد يعرقل جهود إعادة الإعمار، خاصة في ظل المصالح الاقتصادية الحيوية التي تربط الولايات المتحدة بالعالم العربي.
ومع ذلك، فإن مصر لديها أوراق ضغط يمكن استخدامها لتغيير هذا الموقف.
فالعالم العربي، برغم كل التحديات، ما زال يمتلك موارد اقتصادية وسياسية يمكن أن تجعل منه شريكاً لا يمكن تجاهله في أي حل شامل للقضية الفلسطينية.