رمضان : شهر الفرصة العظيمة وليلة القدر المباركة

حين يقترب شهر رمضان، يشعر المؤمنون بنفحات إيمانية خاصة، وكأن القلوب تتطهر وتتهيأ لاستقبال الرحمة والمغفرة. إنه الشهر الذي تُفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، ليكون الإنسان في أجواء روحانية خالصة، تعينه على الطاعة والعبادة. لكن، ومع كل هذه البركات، نجد الناس يختلفون في استقبال رمضان واستغلاله، فمنهم من يغتنم الفرصة، ومنهم من يضيعها، ومنهم من يكون بين ذلك. وهنا يأتي السؤال الأهم: إلى أي فئة تنتمي أنت في رمضان؟ رمضان.. ليس مجرد صيام يعتقد البعض أن رمضان مجرد امتناع عن الطعام والشراب من الفجر حتى المغرب، لكنه في الحقيقة مدرسة إيمانية متكاملة، تهدف إلى تزكية النفس وتهذيبها، وجعل الإنسان أقرب إلى ربه، وأكثر قدرة على التحكم في شهواته وأهوائه. يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: "الصيام الحقيقي هو صيام الجوارح عن كل معصية، فليس الصوم عن الطعام فقط، بل عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والنظر الحرام. فإذا صام الإنسان بصدق، ارتقى في درجات الإيمان، ونال من بركات الشهر ما لا يعد ولا يحصى." وفي الحديث الشريف، قال النبي ﷺ: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (رواه البخاري). ليلة القدر.. كنز رمضان الأعظم في العشر الأواخر من رمضان، تتجلى ليلة هي أعظم الليالي، ليلة القدر، التي وصفها الله في كتابه الكريم بقوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر: 3). هذه الليلة ليست كأي ليلة، فهي فرصة لغفران الذنوب، ومضاعفة الأجور، واستجابة الدعوات. وقد أخبر النبي ﷺ أن من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه. يقول الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي المعروف: "ليلة القدر ليست ليلة واحدة فقط، بل يمكن أن تكون في أي ليلة من ليالي العشر الأواخر، لذلك يجب أن يجتهد المؤمن طوال هذه الأيام، وألا يضيع فرصة القرب من الله." فهل نحن مستعدون لهذه الليلة؟ وهل سندرك قيمتها قبل أن تمر دون أن نشعر؟ الناس في رمضان.. ثلاث فئات مع حلول رمضان، نجد الناس ينقسمون إلى ثلاث فئات رئيسية، فكل شخص يختار طريقه في هذا الشهر الكريم: 1. الفئة الفائزة (أهل الطاعة والتقوى) وهم الذين يدركون قيمة رمضان، فيقبلون على الطاعات بكل شوق، فتجدهم: يصومون بجوارحهم قبل بطونهم. يكثرون من الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن يتحرون ليلة القدر ويجتهدون في الدعاء والقيام يسعون لمغفرة الذنوب والعتق من النار يقدمون الخير للناس، من صدقات وإحسان. 2. الفئة المتكاسلة (أهل التفريط والتهاون) هؤلاء يصومون، لكنهم لا يستغلون الشهر كما يجب، فتجدهم: يهتمون بالطعام والشراب أكثر من العبادات يصلون لكن بدون خشوع، ويضيعون صلاة الفجر يشاهدون المسلسلات والبرامج أكثر مما يقرؤون القرآن يضيعون الأوقات في اللهو والتسالي. 3. الفئة الخاسرة (الغافلون) هذه الفئة هي الأكثر خسارة، فهم لا يصومون أو يتحايلون على الصيام يهملون الصلاة، وربما لا يصلون أصلًا يقضون أيام رمضان في اللهو، ولا يشعرون بروحانيته يخرجون من رمضان كما دخلوا، دون أن يتغير فيهم شيء. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "مَنْ لم يُغفر له في رمضان، فمتى يُغفر له؟ ومَنْ لم يربح في هذا الشهر الكريم، ففي أي وقت يربح؟" كيف تكون من الفائزين في رمضان؟ إذا كنت تريد أن تكون من الفئة الفائزة في رمضان، فهذه بعض الخطوات التي تساعدك على استغلال الشهر بأفضل طريقة: 1. حدد هدفك في رمضان: هل تريد ختم القرآن؟ تحسين أخلاقك؟ التوبة من ذنب معين؟ اجعل لك خطة واضحة. 2. حافظ على الصلاة في وقتها: خاصة صلاة الفجر والتراويح. 3. أكثر من قراءة القرآن: اجعل لك وردًا يوميًا، ولو نصف جزء. 4. تحرَّ ليلة القدر: لا تضيع العشر الأواخر، وأكثر من الدعاء. 5. تصدق باستمرار: حتى لو بالقليل، فالصدقة تطفئ غضب الرب. 6. اجتنب المعاصي: لا تضيع صيامك بالكذب أو الغيبة أو النظر الحرام. 7. أحسن إلى والديك وأهلك: فبر الوالدين من أعظم الأعمال. رمضان ليس مجرد أيام تمر، بل هو فرصة العمر، موسم الرحمة والمغفرة، فكيف سنستقبله؟ وكيف سنودعه؟ هل سنكون من الفائزين الذين استغلوا كل لحظة فيه؟ أم من النادمين الذين لم يدركوا قيمته إلا بعد فوات الأوان؟