رحلة الإسراء والمعراج.. معجزة إلهية تحمل دروسًا خالدة للبشرية
في ظلمة الليل وسكونه، وبين هموم الدنيا وأحزانها، جاء أمر الله ليحمل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في رحلة سماوية لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، رحلة تجاوزت حدود الزمان والمكان، لتكون أعظم معجزة في حياة النبي الكريم، وأحد أبرز الأحداث التي شكلت دعامة أساسية في العقيدة الإسلامية. إنها رحلة الإسراء والمعراج، التي تحمل في طياتها معاني الإيمان، الصبر، واليقين بالله.
حدث في ليلة مباركة وقعت رحلة الإسراء والمعراج بعد عام الحزن، الذي فقد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلى قلبه، زوجته خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب، اللذين كانا سندًا له في دعوته. وبينما كانت قريش تزداد عنادًا واضطهادًا للمؤمنين، جاءت هذه الرحلة لتُخفف عن النبي، وتُريه من آيات الله الكبرى. بدأت الرحلة بالإسراء من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس.
يقول الله تعالى في محكم كتابه: "سُبْحَانَ ٱلَّذِيٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلۡأَقۡصَى ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ" (الإسراء: 1). ثم عُرج بالنبي إلى السماوات العلى، حيث التقى بالأنبياء، ورأى الجنة والنار، وبلغ سدرة المنتهى، حيث لا يصل أحد إلا بإذن الله. رؤية العلماء: تأملات في المعجزة فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، قال في إحدى خطبه عن الإسراء والمعراج: "هذه الرحلة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي رسالة للبشرية جمعاء. إنها تؤكد أن الله قادر على كل شيء، وأن الصبر على الابتلاءات هو مفتاح الفرج".
وأضاف الطيب: "إن لقاء النبي بالأنبياء في السماوات يؤكد وحدة الرسالات السماوية، وأن الإسلام جاء ليكمل ما بدأه الأنبياء من دعوة إلى التوحيد، وإقامة العدل، ونشر السلام". من جانبه، أوضح الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، أن فرض الصلاة في هذه الرحلة يعكس مكانتها العظيمة في الإسلام. وقال: "الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، لذا كان فرضها في السماء مباشرة، دون واسطة".
الدروس المستفادة من الإسراء والمعراج
1. الإيمان والثقة بالله: رغم أن الرحلة كانت فوق قدرات العقل البشري على الاستيعاب، إلا أن الصحابة صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم فور سماعهم. وهذا يعلمنا أهمية الإيمان بالغيب، والثقة بوعد الله.
2. أهمية الصلاة: في ليلة المعراج، فرض الله على الأمة خمس صلوات يومية، وهي ركن الإسلام الثاني. إنها تذكير يومي بربوبية الله، وتجديد للعهد معه سبحانه.
3. الصبر على الابتلاءات: جاءت هذه الرحلة بعد عام الحزن، لتكون رسالة للنبي وللأمة بأن مع العسر يسرًا، وأن الله لا يترك عباده الصالحين في محنتهم.
4. مكانة المسجد الأقصى: كان المسجد الأقصى هو المحطة الأرضية الثانية للنبي صلى الله عليه وسلم قبل عروجه إلى السماء، مما يرسخ مكانته في قلوب المسلمين، ويؤكد وجوب الدفاع عنه باعتباره أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
5. وحدة الرسالات السماوية: لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في السماوات، كإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، يؤكد أن جميع الرسالات جاءت لتدعو إلى التوحيد، وتعزز القيم الإنسانية. رسائل معاصرة من الرحلة في ظل التحديات التي يواجهها المسلمون اليوم، تظل رحلة الإسراء والمعراج منارة تهدي الحائرين. إنها تذكرنا بأن النصر لا يتحقق إلا بالإيمان والعمل الصالح، وأن الأزمات مهما اشتدت فإن الفرج قريب.
كما أن الرحلة تذكرنا بمسؤوليتنا تجاه المسجد الأقصى، الذي يتعرض لمحاولات طمس هويته الإسلامية. إنه أمانة في أعناق الأمة الإسلامية جمعاء، ويجب الدفاع عنه بكل السبل الممكنة.