حكم تأجيل الحمل بسبب عدم القدرة على رعاية الأولاد.. دار الإفتاء تجيب
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم تأخير الحمل مدة بسبب عدم القدرة على رعاية الأولاد؟ فقد اتفقت مع زوجي على أن نؤجل الإنجاب لمدة معينة؛ وذلك حتى نكون قادرين على رعاية الأولاد والقيام بواجباتهم. فما حكم ذلك شرعًا؟
وقالت دار الإفتاء إن من عناية الشريعة الإسلامية بالأمور الأساسية التي لا تستقيم حياة الناس إلا بها، ولا تتحقق مصالحهم إلا بالحفاظ عليها ورعايتها، كالنفس والعقل والدِّين والنسل والمال، جعلت المحافظة عليها هي المقصود الأعلى لها، والذي عليه مدار أحكامها وتشريعاتها، حتى أطلق العلماء على ضرورة الحفاظ على هذه الأمور "مقاصد الشريعة الكلية" بحيث لا يخرج عن رعايتها حكمٌ من الأحكام المنصوص عليها، وإليهم أيضًا المرجع والمآل فيما يستجد من النوازل والوقائع والأحوال.
وتابعت: إذا غَلَب على الإنسان الظن أنه لن يُحسن تربية أولاده أو أنه لا يستطيع أن يوفر لهم عوامل الطمأنينة والاستقرار والأمان والرعاية لسفر أو لمرض أو توقع خطر عليهم، شُرِعَ له حينئذٍ الامتناع عن الإنجاب، حتى يغلب على ظنه تحقق القدرة على القيام بذلك الحق، فيكون بذلك مراعيًا لظروفه وإمكاناته رافعًا عن نفسه إثم تكليف نفسه بما فوق وسعه وطاقته.
كما تواردت نصوص السُّنَّة المطهرة على مشروعية اتخاذ وسائل منع الحمل إذا ثَبَتَ أنه يترتب على حصوله الإضرار بالولد، ومن ذلك: ما همَّ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من النهي عن الغيلة -وهي أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ وَلَدَهَا، فتحملَ فيضرَّ لبنُها رضيعَها- فلما عَلِمَ أنَّ ذلك لنْ يَضر بالولد لم ينه عنه، فعَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةِ رضي الله عنها أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ. حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".
كما قد تبادر إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم أن يتخذوا وسائل منع الحمل شفقةً على أن يتضرَّر من حملِ الأم ولدها الصغير، ولم يعارض النبي صلى الله عليه وآله وسلم صحة ذلك الفهم منهم، مع توضيحه أنه إذا لم يثبت الضرر لم يكن هناك ثمة داعٍ لمنع الحمل، فعن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآلهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَوْلَادِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا، ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ». وَقَالَ زُهَيْرٌ فِي رِوَايَتِهِ: إِنْ كَانَ لِذَلِكَ فَلَا. مَا ضَارَ ذَلِكَ فَارِسَ وَلَا الرُّومَ» أخرجه مسلم في "الصحيح".