جريدة الديار
الإثنين 20 يناير 2025 09:01 مـ 21 رجب 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
دونالد ترامب يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ننشر أماكن ومواعيد عمل عيادات علاج السمنة بدمياط دراسات جديدة عن الكنيسة الأثرية بالطبعة الثانية من كتاب القديسان الأمم المتحدة تشيد بدور مصر وقطر وأمريكا لوقف إطلاق النار في غزة محافظ القاهرة: أسطول من أتوبيسات النقل العام لخدمة زوار معرض القاهرة للكتاب جامعة الزقازيق توجه قافلة بيطرية مجانية لقرية ميت ربيعة مركز بلبيس وصول الرؤساء الأمريكيين السابقين لمبنى الكونجرس لحضور حفل تنصيب ترامب تمديد الحصول علي شهادة الأيزو للديوان العام والمراكز التكنولوجية بالزقازيق وحي أول وفاقوس مصدر أمني ينفي مزاعم جماعة الإخوان الإرهابية عن واقعة تشاجر بـ6 أكتوبر أستاذ علوم سياسية: حفل تنصيب ترامب قد يشهد مفاجآت وزير الخارجية يبحث مع سكرتير عام حلف الناتو تحديات والتهديدات المتصاعدة بالشرق الأوسط الشباب والرياضة بالغربية ومجلس الشباب المصري ينظمان ندوة بعنوان «تنمية القدرات وإدارة وتسويق الكيانات»

نميرة نجم : لا يوجد مبرر لسؤال .. كيف يُمكن وصف قتل إسرائيل لـ 17 ألف طفل فلسطيني بالإرهاب؟

في تصريح صاعق هزّ الضمير الإنساني، خلال محاضرة ألقيت في جامعة أمستردام، بنداء عاجل للمجتمع الدولي، بكلماتها المؤثرة كشفت السفيرة د. نميرة نجم عن الوجه الحقيقي للإحتلال الإسرائيلي، وزيف الدعاية التي تحاول تبرير هذه الجرائم البشعة، وأطلقت سؤالاً لا يقبل الإجابة بسهولة: كيف يمكن وصف قتل إسرائيل لـ 17 ألف طفل فلسطيني بالإرهاب؟.

قالت السفيرة د. نميرة نجم محام فلسطين أمام محكمة العدل الدولية، و خبير القانون الدولي العام و الهجرة، و مديرة المرصد الإفريقي للهجرة بمنظمة الإتحاد الإفريقي، إن وجهة نظرها الإنسانية والأخلاقية وضميرها وبدون الإحتكام إلى أي قواعد للقانون، لا أجد أي مُبرر لقتل أكثر من 17 ألف طفل فلسطيني ووصفهم بالإرهابيين، إن آلة الدعاية الإسرائيلية وحلفائها التي تدعم الإبادة الجماعية تُخبرنا أن المُراهقين لا يمكن أن نُطلق عليهم أطفالاً، وحتى لو إتبعنا هذا الهَراء، فماذا عن الأطفال حديثي الولادة، والأطفال في عمر 3 و6 أشهر، والأطفال في عمر 3 و5 سنوات؟، هل هم أيضًا إرهابيون كما يزعمون؟، وكيف يُمكن تبرير هذا؟ الأمر يتجاوز فهمي وربما يكون لدى أحدكم إجابة، والتي أود أن أستمع إليها ! ففي إحدى المُقابلات التي شاهدتها، قال أحد المُتحدثين السابقين باسم الجيش الإسرائيلي، إنهم لا يَستهدفون المدنيين وأن حماس فقط تُستخدم المدنيين كدروع بشرية، بينما عرض البرنامج على الشاشة صورًا ومقاطع فيديو على العكس من ذلك، لذا، يُطلب منا أن نكون مُصابين بالعمى عما نراه وأن نستمع فقط إلى هذا الخطاب من الإحتلال الإسرائيلي لقبول أي مُبرر لإستهداف الأطفال بالقتل؟.

جاء ذلك في محاضرة تحت عنوان "حكم محكمة العدل الدولية بشأن فلسطين: بين القانون الدولي والسياسة" ألقتها السفيرة نجم أول أمس بدعوة من جامعة أمستردام بهولندا، في إطار سلسلة مُشاركة المُمارسين بكرسي جان مونيه، المُسمى أثينا بالجامعة ودعم مركز أمستردام للدراسات الأوروبية .

وأكدت نجم، في محاضرتها، أنه إذا تحدث أي منا نيابة عن الإنسانية وتحدى مثل هذه الرواية، فإننا نُطلق عليه مُعاداة السامية، حسنًا، أولاً وقبل كل شيء، الشعب اليهودي سامي وكذلك العرب، علاوة على ذلك، إذا نظرنا إلى الوراء في التاريخ، في هذا الجزء من العالم، كان المُسلمون واليهود والمسيحيون من جميع الأديان يتعايشون دون مشاكل، فماذا حدث! أيضًا، إذا فكرنا في مُعاداة السامية مُقابل مُعاداة الإسلام، فما هو الفرق؟ نحن نحب الناس ونكرههم بناءً على مُعتقداتهم!، فلماذا يجب أن أهتم كثيرًا بما هو مُعتقدك؟، وطالما أنك لن تهاجمني لأنني مختلف، ألا يُمكننا أن نعيش ونترك الآخرين يعيشون، هذا هو نفس التمييز على أساس اللون أو العرق، إنه يُمثل أيديولوجية التفوق العرقي في جوهرها.

لذا فإن الإجابة على سؤالي هي لا، ليس بسببك أو بسببي، بل بسبب المصالح التي تغذي مثل هذه المشاعر، فالحروب تعني الهَيمَنة، والإيرادات المالية لصناعة الأسلحة، والفوضى في بعض أجزاء العالم التي تُسهل نَهب مواردها، والحرب في غزة ليست مختلفة، فقط إبحث على الإنترنت وإكتشف الرابط بين مبيعات الأسلحة والقرارات السياسية، ومن هو من في هذا المجتمع، إنها ليست مُؤامرة، بل هي مصالح.

وأشارت السفيرة، إلى أنه بعد شهرين من بدء الحرب ضد غزة، صور رسم كاريكاتوري إفتتاحي لشخصين يقفان وسط الأنقاض المُشتعلة يسأل أحدهما، "أين القانون الدولي؟"، ويشير الآخر إلى الحطام خلفه، قائلاً، "هناك تحت الأرض". هذه الصورة تحكي لنا الكثير عن اللحظة التي نعيشها، فالقوانين التي كان من المفترض أن تربطنا بالقيم الأساسية للإنسانية تنتهك يوميًا، وتتراكم مثل الأنقاض التي بقيت من غزة.

وقالت محامية فلسطين، إسمحوا ليّ أن أبدأ بسؤالكم جميعًا، هل تؤمنون بالمُساواة بين البشر؟ أتمنى أن تؤمنوا بذلك لأن هذا هو جوهر الصراع الذي سأتناوله اليوم، المساواة في السياق القانوني تعني أن الجميع مُتساوون أمام القانون، في الحقوق والواجبات، أليس ما نشهده اليوم يجعلنا نَشك في هذا المبدأ الأساسي في مُواجهة الفظائع التي لا لبس فيها والتي إرتكبت ضد سكان معزولين في غزة ماذا عن القانون نفسه؟!، مُوضحة أن اللجوء إلى القانون الدولي الذي يرسم نسيج العلاقات بين الدول منذ مُعاهدة إتفاقية " وستفاليا " أمر بالغ الأهمية للحفاظ على ما تبقى من هذا النظام، و إلا فإنه سوف ينهار دون أن يستفيد منه أحد، وكان هذا هو المُحفز وراء رفع ثلاث (3) قضايا تتعلق بفلسطين أمام محكمة العدل الدولية في العامين (2) الماضيين، وهي طلب الرأي الإستشاري لعام 2022، الذي قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة فيما يتعلق بالعواقب القانونية للإحتلال العسكري الإسرائيلي المطول للأراضي الفلسطينية، والقضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل عام 2023، فيما يتعلق بتطبيق إتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1951 في غزة؛ وقضية نيكاراجوا ضد ألمانيا عام 2024، فيما يتعلق ببيع الأسلحة من قِبل الأخيرة لإسرائيل والتي قد تُستخدم في الإبادة الجماعية المزعومة في غزة من قبل القوات المسلحة الإسرائيلية، ومن الأهمية بمكان أن نأخذ لحظة للتفكير في سبب لجوئنا على نطاق واسع إلى القضاء، على الرغم من أننا جميعًا نعلم أنه قد لا يكون لديه الكثير من القوة لتنفيذ قراراته.

وأكدت عضو فريق دفاع فلسطين أمام محكمة العدل، أن هذا نابع من اليأس والإستسلام لمجلس الأمن والنظام السياسي العالمي الذي تُهيمن عليه دول تُريد مَنح دولة واحدة الحصانة الكاملة، في حين تحرم شعبًا بأكمله من حق الوجود على أراضيه في مستقبل قاتم وتحاول خنق حقه في تقرير المصير، والمحكمة تزودنا بالإيمان والأمل في خضم الواقع الصعب من خلال حيادها ونطقها بالقانون.

وشددت السفيرة نجم، علي أن نقطة إنطلاقنا ليست غزة، ولكن قبل غزة بفترة طويلة، لسنوات كان اللجوء إلى المحكمة محل نقاشات عديدة وما إذا كان الوقت مناسبًا لذلك، وكلما كان هناك بصيص أمل للسلام حاول الفلسطينيون إغتنامه وتأجيل اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ولكن منذ صدور الرأي الإستشاري بشأن الجدار في عام 2004، والذي أكدت فيه محكمة العدل الدولية بوضوح على حق الفلسطينيين في تقرير المصير وأن إتفاقيات جنيف تنطبق على كامل الأراضي الفلسطينية بما في ذلك الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، تدهورت الأمور بشكل كبير بالنسبة للفلسطينيين واستولت إسرائيل ومُستوطنوها على المزيد من الأراضي، وتشرد المزيد من الفلسطينيين وواجهت غزة حصارًا لمدة 17 عامًا وأصبح حق تقرير المصير بعيد المنال.

وأشارت محام فلسطين، إلى أن مثل هذا الوضع يستحق اللجوء إلى مبادئ القانون، ومن ثَمَّ محكمة العدل الدولية، وكان التدهور الشديد في الأراضي المُحتلة من التمييز العنصري إلى المُستوطنات، إلى الإذلال اليومي عند نقاط التفتيش والتعذيب والإعتقالات والتحرش الجنسي في السجون الإسرائيلية دون إرتكاب جريمة كافية لطلب من المحكمة إعلان إحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني.

و شددت السفيرة، علي أن هذه القضية من وجهت نظرها القانونية، ثقتنا بالقانون الدولي والأخلاق، فقد أعلنت محكمة العدل الحق الأصيل للشعب الفلسطيني في تقرير المصير وشجبت الفصل العنصري ضده في القوانين الإسرائيلية، ومع ذلك، فإن عدم تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية وقرارات الأمم المتحدة الأخرى قد يستحق رأيًا استشاريًا آخر، وقد أعقب الرأي قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يتضمن وصفة مفصلة للإلتزامات القانونية ليس فقط لإسرائيل بل ولجميع الدول، وتضمنت هذه القائمة الطويلة لقرارات محكمة العدل مُطالبة إسرائيل بإنهاء الإحتلال خلال 12 شهرًا، وسحب قواتها، ووقف التوسع الإستيطاني غير القانوني، وإعادة مُستوطنيها إلى إسرائيل، ووضع حد للفصل بين الشعبين العربي واليهودي، والذي يراه الجميع بمثابة فصل عنصري، وإعادة كل الأراضي المصادرة بعد عام 1967، والسماح للنازحين بالعودة إلى ديارهم، وتعويض الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين عن الأضرار، وعدم إعاقة مُمارسة الفلسطينيين لحق تقرير المصير، والإلتزام بالتدابير المُؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية، أما فيما يتعلق بالإلتزامات ذات الصلة بالكافة بالنسبة لبقية العالم، فقد أصر القرار على تضمين جميع أنواع التدابير التي ينبغي للدول الإمتناع عنها حتى لا تساعد في إطالة أمد الإحتلال الإسرائيلي، بل إنه في الواقع، أوضح بالتفصيل كيف ينبغي أن تبدو حركة المُقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل من إلتزامات المُعاهدات والتجارة والإستثمارات إلى إلتزامات الكيانات الخاصة بعدم المساعدة في إستمرار الفعل غير المشروع، وعلاوة على ذلك، فقد ذُكرت للمرة الأولى على الإطلاق العقوبات المفروضة على إسرائيل. وأقتبس هنا: "يدعو جميع الدول، بما يتفق مع إلتزاماتها بموجب القانون الدولي إلى: (ج) "تنفيذ العقوبات، بما في ذلك حظر السفر وتجميد الأصول، ضد الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين المُتورطين في الحفاظ على الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، بما في ذلك فيما يتصل بعنف المُستوطنين".

وركزت نجم، على أن هناك بعض النقاط التي يمكنني إستخلاصها من هذا، أولها دراسة إرادة الدول الخمس الدائمة العضوية عندما أنشأت محكمة العدل الدولية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتفويض الرأي الإستشاري، فقد تكون هناك حاجة إلى النظر في الدراسات التي أجريت بشأن إعتراضات الدول الخمس الدائمة العضوية على إختصاص المحكمة، على الأقل في القضايا التي بحثتها وعملت عليها، كان من المُعتاد أن يكون لدينا مُذكرات تطعن في إختصاص المحكمة، بينما في الرأي الإستشاري بشأن قضية تغير المناخ، عندما تبنت الجمعية العامة الطلب بالتزكية، لم يطعن أحد في إختصاص المحكمة، ولكن العديد من كبار الدول المُلوثين للبيئة وكوكب الأرض بما في ذلك بعض الدول طلبت من المحكمة عدم تفسير الإلتزامات كما هو منصوص عليه في أدوات القانون الدولي، بينما في الواقع هذا هو جوهر السؤال المطروح أمام المحكمة، لذا يتساءل المرء عما إذا كان القصد منذ البداية هو إبقاء هذا التفويض بالرأي الإستشاري على الرف بدلاً من تفعيله.

وشددت السفيرة، على أن محكمة العدل الدولية هي إحدى وسائل تسوية النزاعات وديًا، ولا ينبغي لها أن تخضع لكل هذه الضغوط الهائلة بسبب الديناميكيات السياسية، بل على العكس من ذلك، إذا كانت الدول القوية لا تزال تريد التمسك بأرضية أخلاقية نسبية، فإنها تحتاج إلى دعم المحكمة، والإستمرار في مصالحها، ولكن للتمسك بأرضية أخلاقية أعلى، نحتاج إلى مُوازنة المصالح مع الإنسانية، فلا يُمكن تشويه مقياس العدالة بشكل كامل.

وسلطت محام فلسطين، الضوء علي القيمة القانونية لكل من الرأي الإستشاري وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لتنفيذه، فسوف تخرج أصوات عديدة مرة تلو الأخرى قائلة دعونا نذكركم بأن هذه ليست إلزامية، وليست مُلزمة، وغير مُلزمة، مثل القضايا الخلافية، إنها مجرد توصيات.

وحتى لو ناقشنا ما إذا كان الحكم مُلزمًا أم لا، فإن الإلتزام ينبع من المُعاهدات والقانون الدولي العرفي الذي قبلت الدول الإلتزام به، لذا، ففي هذا السياق، لا تقوم محكمة العدل الدولية ولا الجمعية العامة بوضع القواعد، بل إنهما تذكراننا ببساطة بوجودها وأن من المفترض أن ننفذها، وفي إطار نظام الأمم المتحدة وميثاقها، يتعين علينا أن ندرس العواقب المُترتبة على الإستمرار في إنكار الإلتزامات القانونية المفروضة على الدولة أو الدول بموجب المادتين 2 و25 من الميثاق.

وأضافت نجم، بالنسبة للقضايا الأخرى، ذكّرت محكمةً العدل الدولية ألمانيا وجميع الدول بالتزاماتها بضرورة بذل العناية الواجبة لضمان عدم إستخدام أسلحتها في إنتهاك لقوانين الحرب والقانون الإنساني الدولي، ولم يتبين بعد، مع إستمرار التطورات على الأرض، ما إذا كانت المحكمة ستتخذ تدابير مُؤقتة في هذه القضية أم لا؟ أما بالنسبة لقضية الإبادة الجماعية، فإذا فكرنا في عالمنا اليوم، فهذه هي المرة الأولى التي نشاهد فيها إبادة جماعية حية يتم بثها بسبب التقدم التكنولوجي الذي لم يحدث في فظائع مُماثلة سابقة، بالطبع، تستغرق الوسائل التقليدية للقانون لإثبات حدوث الإبادة الجماعية أو عدم حدوثها وقتًا، ومع ذلك، من المُهم أن نلاحظ أن الإبادة الجماعية لا تتعلق بعدد الأشخاص الذين قتلوا في الفعل، بل إنها تتعلق بقصد التدمير المُتعمد لمجموعة ما كليًا أو جزئيًا، ولم يهدر أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحاليون دقيقة واحدة دون تذكيرنا بنيتهم ​​في تطهير الفلسطينيين عرقيًا والإستيلاء على جميع أراضيهم، في حين يعتبرون قتل النساء والأطفال وبتر أطرافهم والإستمرار في تهجير الملايين من حقهم، لقد طالبت محكمة العدل الدولية بوقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية ضد شعب غزة لمنع إبادة جماعية مُحتملة، ولكن دون جدوى حتى الآن.

وقالت السفيرة، تخيل للحظة واحدة فقط أن أحد جيرانك، ألمانيا أو بلجيكا، يهاجم القرى والمدن القريبة من حدودك ويضغط عليك لإستقبالهم كما لو أن لديك مساحة فارغة في بريدا أو خرونينجن - منطقة في هولندا- وعندما تشتكي يُشيرون إليك كمُذنِب لأنك لن تتنازل عن جزء من أرضك، وهذا هو الوضع في سيناء وغزة، وتخيل مُوقفًا إفتراضيًا آخر، تخيل أن بعض الجيران يأتون لزيارتك ثم يطردونك من منزلك ويُعلنون أنه مِلكهم وجميع السلطات تقبل ذلك، وبالتالي تصبح مُشردًا، وهذا ما يفعله المُستوطنون الإسرائيليون في المنطقة بأكملها ليس فقط غزة ولكن الضفة الغربية والقدس.

وتساءلت نجم، لماذا غزة إذن؟ إنها شريط صغير يُطل على البحر الأبيض المُتوسط، يُظهر لنا التاريخ الجيوسياسي أهمية هذه المنطقة، لطرق التجارة والشحن والقرب من أوروبا، وتُساعد إسرائيل القوى المهيمنة على الإستمرار في الإستفادة من مشروعها حيث سيكون هناك سباق تسلح لا نهاية له في المنطقة لضمان التوازن، وبالتالي بدلاً من التركيز على التنمية، ستركز الإنفاق على الجيوش وستذهب إلى الفتات للتنمية الإجتماعية والإقتصادية، و حتى الآن، وبينما أنهينا للتو مُؤتمر الأطراف التاسع والعشرين لقمة المناخ، لا يسع المرء إلا أن يتساءل لماذا لا تشمل كل الدراسات حول العدالة المناخية وعوامل التلوث الأضرار البيئية الناجمة عن إستخدام الأسلحة؟! إنها مُجرد قضية منسية!

و أكدت محام فلسطين، أن اكتشاف ثروة الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المُتوسط ​​أصبح صداعًا لبعض القوى، لماذا! لأننا سيعودوا إلى السبعينيات وأزمة النفط، ولن يتركوا كل هذه الموارد في أيدي ذلك الجزء من العالم مرة أخرى، ومع ما يقدر بنحو 4 مليارات دولار سنويًا من غازها في المياه الإقليمية الفلسطينية، فلن تعيش فلسطين بعد الآن على المساعدات الأجنبية، ويُمكن للفلسطينيين بناء بلدهم، وهذا سيكون تهديدًا مُباشرًا لشبكة المصالح التي هيمنت ولا تزال تُهيمن على هذا الجزء من العالم لعقود من الزمان، لذا، فإن الهدف هو التأكد من التخلص من سكان غزة في الشمال وعدم السماح لهم بالعودة!

وشددت نجم، علي أنه مع منع المُساعدات عن القطاع، سيموت المزيد ويصبح المجتمع الدولي مسئولاً عنهم بدلاً من القوة المُحتلة الإسرائيلية التي لم تقتلهم وتشردهم فحسب، بل منعت أيضًا دخول الغذاء والدواء لإنقاذهم!

وإن الخوف الحقيقي الآن هو أنه إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، فإن كل وسائل الإعلام القوية سوف تغسل أدمغتنا بالإحتفال به والمحاسبة سوف تترك وتنسى، ولهذا السبب نحن بحاجة إلى القانون لتذكيرنا بذلك.

وأشارت السفيرة، إلى أن بعضكم قد يتساءل ما الفائدة من القانون إذا كان كل هذا خارج أيدينا وستستمر القوى المُهيمنة في رسم الخريطة بناءً على مصالحها، أود أن أقول إن القانون هو ما يجب أن يكون والقضاء الدولي لا يزال يذكرنا بهذه الحقيقة، و مع مذكرات الإعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد المسئولين الإسرائيليين، نشهد عصرًا جديدًا، لم يعتقد أحد في ألمانيا النازية أن مُرتكبي الجرائم ضد الإنسانية سوف يحاكمون على الإطلاق، نفس الشيء بالنسبة لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، على الرغم من كل الظلام، هناك ومضة من الضوء تمنحنا الأمل في الحياة والإنسانية.

وأفادت نجم، لقد بدأ الإجماع ينشأ بين المُؤيدين والمُنتقدين لسياسات إسرائيل على أن الوضع الحالي غير قابل للإستمرار، ولكن لا توجد في الأفق أي عملية سلام قابلة للإستمرار، إننا في إحتياج إلى عملية جديدة، عملية تستند إلى القانون الدولي وتسترشد بالرأي الإستشاري ــ وهي العملية التي تضع نهجًا قائمًا على الحقوق وتتصور مُستقبلاً حيث يحصل كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على العدالة المُستحقة لهم والسلام الذي يحتاجون إليه.

لقد سمعت السفير الهولندي السفير أريك أدير في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني الماضي والذي أبوه قس أنقذ عدد ضخم لليهود من النازية في هولندا و أنه في رحلته الأولى إلى إسرائيل و فلسطين والتي غيرت وجهت نظره و إكتشف أن ما تدعيه إسرائيل أن الأرض الفلسطينية التي إحتلتها لم يكن عليها فلسطينيين و كانت أرض مَهجورة لم يكن صحيحًا، وعندما عاد مرة أخرى إسرائيل لزيارة مجموعة من الأشجار التي زرعها الإسرائيليون بما يفوق ٣٠٠ شجرة بعدد من أنقذهم أبوه من اليهود من النازية في الحرب العالمية الثانية، و لكنه إكتشف أن هذه الأشجار تم زراعتها بعد إقتلاع أشجار الزيتون التي زرعها الفلسطينيون علي أرضهم في ذات المكان قبل التخلص منهم، فرفض هذه السلوك والتصرف وقرر أن يزرع في منطقة أخرى للفلسطينيين أشجار زيتون بنفس عدد الأشجار التي زرعها الإسرائيليون تكريما لوالده .

وعلقت نجم، بصراحة مع صمود الشعب الفلسطيني، فإن إستمرار قانون الغاب هو لعبة محصلتها صفر، ولن يكون هناك رابح؟ قبل أيام قليلة، حضرت إحتفال يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني (29 نوفمبر) ولم أستطع حبس دموعي وأنا أستمع إلى رسالة شكر من الناجين النازحين في غزة يشكروننا على وقوفنا رمزيًا في تضامنهم، بينما نحن نجلس في غرفة دافئة لطيفة في لاهاي، يا لها من لحظة مُخزية عندما يشعر المرء بالعجز عن مساعدة المُحتاجين، لهذا السبب يجب أن نبذل قصارى جهدنا لدعم سيادة القانون وإسمحوا ليّ أن أنهي بما قاله الشاعر الوطني الفلسطيني محمود درويش"على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ: على هذه الأرض سيدةُ الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين، صارتْ تسمى فلسطين. سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة.

وأضافت نجم في نهاية كلمتها : و أنا أقول "verdienen allemal het leven"،"نحن جميعنا نستحق الحياة".

وقام د. ديميتريس بوريس "يوناني" أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمستردام ويشغل كرسي جان مونيه بالجامعة، بتعريف و تقديم محاضرة السفيرة نميرة نجم قائلاً : قبل عام، إجتمعنا في هذا المكان مع فرانشيسكا ألبانيز، عمر البرغوثي، وإيريلا جراسياني، لمناقشة الأوضاع في غزة. كنا نأمل ألا تتفاقم الأمور، لكننا كنا نخشى الأسوأ بسبب التصريحات العلنية لمسئولين إسرائيليين يدعون صراحة إلى محو الفلسطينيين وغزة، مُضيفًا نحن أمام كارثة إنسانية تُبث على الهواء مُباشرة، تتجاوز الإبادة الجماعية في غزة إلى تصعيد الحرب إلى لبنان. الأرقام المُروعة التي تصدر عن غزة ليست مُجرد إحصائيات؛ بل إنها تروي قصصًا عن معاناة لا يمكن تصورها.

وفقًا للأرقام الرسمية، قُتل أكثر من 16 ألف طفل فلسطيني "تزداد يوميا"، وتقارير “لانسيت” تشير إلى أن العدد الحقيقي للضحايا في غزة قد يصل إلى 186 ألفًا، وهناك 902 عائلة فلسطينية تم محوها بالكامل من السجلات. جميع أفراد العائلة - الأجداد، الآباء، الأبناء، والأحفاد - قُتلوا، والأطباء يُجبرون على إجراء عمليات بتر للأطفال بدون تخدير بسبب نقص الموارد، مُؤكدًا أنه رغم هذا الكَمّ الهائل من الأدلة، ما زالت الأوساط الأكاديمية والدولية تتجادل حول ما إذا كان ما يحدث يمكن تصنيفه على أنه إبادة جماعية. الخبراء في القانون الدولي والإبادة الجماعية يؤكدون أننا أمام إبادة واضحة، وكما قال ديزموند توتو: “إذا كنت محايدًا في مواقف الظلم، فقد اخترت جانب الظالم”، مُضيفًا أن ما يحدث في فلسطين ليس فقط إنتهاكًا للقانون الدولي، بل تحديًا صارخًا له، وإذا كان القانون الدولي يعني شيئًا، فيجب أن يوصف هذا الدمار بما هو عليه: إبادة جماعية، وللأسف، الجامعات التي يُفترض أن تكون معاقل الفكر الحرّ تتجنب إتخاذ مواقف مبدئية بشأن فلسطين، كثير من الأكاديميين يفضلون الحياد بدعوى “الموضوعية” ، يتم قمع الطلاب والأساتذة الذين يُعبرون عن تضامنهم مع فلسطين. في هذه الجامعة، تم تفكيك مُعسكرات تضامن الطلاب بالقوة، وتم التعامل مع الطلاب بوحشية لمُجرد إحتجاجهم، ويتم تصنيف الأكاديميين والطلاب المُدافعين عن فلسطين كـ”ناشطين” بدلاً من الإعتراف بعملهم القائم على الأدلة والمعرفة الأكاديمية، و كما قال إدوارد سعيد: “لا شيء أكثر إستنكارًا من تلك العادات الذهنية لدى المُثقف التي تجعله يتجنب إتخاذ موقف صعب ومبدئي”، منوهًا على أنه في العام الماضي، قدمت فرانشيسكا ألبانيز رؤى قوية حول الوضع في غزة، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي يتحمل جزءًا كبيرًا من المسئولية بسبب صمته وتواطئه. ألبانيز، التي عملت كمُقررة أمُمية خاصة في الأراضي الفلسطينية، كانت واضحة في إدانتها للإحتلال الإسرائيلي، مُؤكدًا أن ما يحدث في غزة ليس فقط نزاعًا عسكريًا، بل هو فصل جديد من مأساة مستمرة، مُوضحًا أنه رغم كل هذه المآسي، الأمل موجود. يظهر في الأطفال الفلسطينيين الذين يبتسمون وسط الأنقاض، وفي الطلاب الذين يرفضون الصمت، وفي كل صوت يجرؤ على مقاومة الظلم، وكما قال ديزموند توتو: “إن حقوق الإنسان تُحمى بالدفاع عنها والانحياز إلى المظلوم، وليس بغض الطرف” .

وكانت السفيرة قد عَرضت أثناء المحاضرة عِدة صور توضيحية أحدها مجموعات خرائط مُتلاصقة تُبرز تطور إستيلاء الإسرائيلي علي الأراضي فلسطين منذ ١٩٤٨ حتى وقتنا الحاضر و الذي عرضت علي محكمة العدل الدولية أثناء قضية عدم شرعية الإحتلال الإسرائيلي لإسرائيل.

وقد قام د. أولي ستيجر "سويسري" أستاذ القانون بجامعة أمستردام، بفتح و إدارة النقاش بين السفيرة و الحضور عقب إلقاء المحاضرة، وقد حضر اللقاء ستيفن هيل "أمريكي" الأمين التنفيذي للمعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون (IIJ) بمالطا، و المُستشار القانوني السابق لحلف الأطلنطي .