جريدة الديار
الخميس 21 نوفمبر 2024 03:25 مـ 20 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي.. صراع قديم وصلاحيات محددة

تُعد العلاقة بين البيت الأبيض ومجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من القضايا الحساسة والمعقدة في السياسة الاقتصادية الأمريكية. هذا الموضوع يجذب اهتمامًا كبيرًا نظرًا للتأثير الذي قد يمارسه البيت الأبيض على السياسة النقدية من خلال التأثير على الاحتياطي الفيدرالي، والذي يعد أحد أهم الهيئات المستقلة في النظام المالي الأمريكي. في هذا المقال، سنستعرض كيف تطور هذا التأثير على مر الزمن، وكيف يمكن للبيت الأبيض التأثير على الاحتياطي الفيدرالي من خلال آليات مختلفة.

تطور الهيكل التنظيمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي

تم تأسيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في عام 1913 كاستجابة للأزمات المالية المتكررة في أوائل القرن العشرين. في البداية، كان وزير الخزانة والمراقب المالي للعملة أعضاء في المجلس، مما أتاح للسلطة التنفيذية التأثير المباشر على السياسة النقدية. ومع ذلك، تطور هذا الهيكل بشكل كبير على مر العقود.

في عام 1951، بدأ الاحتياطي الفيدرالي في تحقيق استقلاليته الحقيقية بعد توقيع اتفاقية مع وزارة الخزانة الأمريكية، مما مهد الطريق لفصل السياسة النقدية عن السياسة المالية. هذا الاستقلال تم تأكيده بشكل أكبر مع صدور قانون إصلاح الاحتياطي الفيدرالي في عام 1977، والذي أكد على مهمة الاحتياطي الفيدرالي المزدوجة: تحقيق أقصى قدر من التوظيف واستقرار الأسعار.

آليات التأثير والقيود

يمكن للرئيس الأمريكي التأثير على مجلس الاحتياطي الفيدرالي من خلال تعيين الأعضاء في مجلس المحافظين، وهو الهيكل الذي يدير البنك المركزي. يتكون المجلس من سبعة أعضاء يتم تعيينهم من قبل الرئيس بموافقة مجلس الشيوخ، وتستمر فترة خدمتهم لمدة 14 عامًا.

هذه الفترة الطويلة مصممة لضمان الاستمرارية في السياسة النقدية وتفادي التأثيرات السياسية القصيرة الأجل.

الرئيس يمكنه أيضًا تعيين رئيس مجلس المحافظين، وهو المنصب الأعلى في المجلس. ومع ذلك، حتى هذا التعيين يتطلب موافقة مجلس الشيوخ. فيما يتعلق بإقالة الأعضاء، بما في ذلك رئيس مجلس المحافظين، فإن القانون يطلب وجود "سبب وجيه"، وهو ما يُفسر عادةً على أنه عدم الكفاءة أو الإهمال أو سوء التصرف، وليس خلافات في السياسات.

التأثير من خلال التشريع

التأثير المباشر للبيت الأبيض على سياسة الاحتياطي الفيدرالي محدود بسبب هذا الاستقلال القانوني. ولكن هناك قنوات غير مباشرة قد تؤثر على السياسة النقدية. على سبيل المثال، إذا كان حزب واحد يسيطر على كل من البيت الأبيض والكونجرس، فإن هناك احتمالية لتغيير السياسة النقدية من خلال التشريع.

قد يتضمن ذلك تعديلات على أهداف اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، أو تغيير كيفية تحديد أهداف التضخم، أو تعديل كيفية تنفيذ السياسة النقدية.

التأثير من خلال البنوك الاحتياطية الفيدرالية الإقليمية

تمتلك البنوك الاحتياطية الفيدرالية الإقليمية الإثني عشر مجالس إداراتها الخاصة، والتي يتم اختيارها من قبل البنوك الأعضاء في مقاطعاتها وتوافق عليها لجنة مجلس المحافظين.

يمكن للرئيس التأثير نظريًا على هذه المجالس من خلال تعيين ممثلين في مجالس إدارة هذه البنوك، ولكن هذا التأثير يكون معقدًا وغير محتمل نظراً لتوزيع السلطات واختلاف المصالح الإقليمية.

التصادمات التاريخية

تاريخيًا، كان هناك العديد من التصادمات بين الرؤساء ورؤساء مجلس الاحتياطي الفيدرالي. غالبًا ما كانت هذه التصادمات تدور حول سياسات التضخم وأسعار الفائدة، حيث كان الرؤساء يفضلون سياسات نقدية تتماشى مع أهدافهم الاقتصادية قصيرة الأجل، بينما كان الاحتياطي الفيدرالي يسعى للحفاظ على استقرار الاقتصاد على المدى الطويل.

البيت الأبيض

رغم أن البيت الأبيض يمتلك بعض الأدوات التي قد تؤثر على الاحتياطي الفيدرالي، إلا أن الاستقلالية الممنوحة للاحتياطي الفيدرالي بموجب القوانين والأعراف تجعله من الصعب على الرئيس التأثير المباشر على سياساته.

التأثير الأكبر يأتي من خلال التعيينات والضغط غير المباشر من خلال التشريعات والتغييرات السياسية.

ومع ذلك، تظل العلاقة بين البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي موضوعًا معقدًا يعكس توازن القوى بين السياسة النقدية والسياسة المالية في الولايات المتحدة.