في ذكرى استشهاد عثمان بن عفان.. ما لا تعرفه عن ثالث الخلفاء الراشدين
تحل اليوم الأربعاء، ذكرى استشهاد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي السطور التالية نستعرض أسراره ومناقبه ولماذا لقب بذي النورين؟
عثمان بن عفان
سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه- من السابقين إلى الإسلام، وهو ثالث الخلفاء الراشدين المهديين الذين تولوا أمر المسلمين بعد رحيل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وكان رضي الله عنه بحسب ما جاء في صفات عثمان بن عفان حسن الوجه، لا بالطويل ولا بالقصير، كبير اللحية، أسمر اللون.
هو: «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». يلتقي نسبه بنسب الرسول محمد في عبد مناف. أمه: «أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». وهي ابنة عمة النبي محمد، فأمها هي البيضاء بنت عبد المطلب.
ولد عثمان بن عفان في الطائف وقيل في مكة سنة 576 م بعد عام الفيل بست سنين. وهو من بطن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهم من كبار سادات قريش، وأبوه عفان ابن عم أبي سفيان بن حرب. أنجبته أمه أروى بنت كريز وأنجبت كذلك شقيقته آمنة بنت عفان، وبعد وفاة والده عفان، تزوجت أمه من عقبة بن أبي معيط الأموي القرشي وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبنت، هم الوليد بن عقبة وخالد بن عقبة وعمارة بن عقبة وأم كلثوم بنت عقبة فهم إخوة عثمان لأمه. وقد أسلمت أم عثمان وماتت في خلافته، وكان أحد الذين حملوها إلى قبرها، وأما أبوه فمات في الجاهلية.
كان عثمان غنياً شريفاً في الجاهلية، ومن أحكم قريش عقلاً وأفضلهم رأياً، كما كان محبوباً من قبلهم. وهو لم يسجد لأي صنم طوال حياته، كما أنه لم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام. كما أنه قد كان على علم بمعارف العرب في الجاهلية من الأنساب والأمثال وأخبار الأيام، وقد رحل إلى الشام والحبشة، وعاشر أقواماً غير العرب فعرف من أحوالهم وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره من قومه. واهتم بالتجارة التي ورثها عن والده، ونمت ثرواته، وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش كلها، فكان كريماً جواداً وكان من كبار الأثرياء وقد نال مكانة مرموقة في قومه، ومحبة كبيرة. وقد كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما جاء له عبد الله من رقية بنت النبي محمد، كناه المسلمون أبا عبد الله. وكان عثمان يلقب بذي النورين لزواجه من رقية ومن ثم أم كلثوم بنتي النبي محمد.
لماذا سمي عثمان بن عفان بذي النورين؟
لقُب عثمان بن عفان بذي النورين؛ لأنه تزوج بالسيدة رقية -رضي الله عنها- بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وبعد أن تُوفيت تزوج بشقيقتها السيدة أم كلثوم -رضي الله عنها-، فقد جمع بين نوري ابنتي الرسول صلى الله عليه وسلم. وورد أنه بعد أن ماتت قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-:«زَوِّجُوا عُثْمَانَ، لَو كَانَ لِي ثَالِثَةً لَزَوَّجْتُهُ، وَمَا زَوَّجْتُهُ إِلَّا بِالْوَحْيِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، رواه الطبراني.
أعمال عثمان بن عفان
قد كان لسيدنا عثمان -رضي الله عنه- فضلٌ كبيرٌ وجهدٌ وافرٌ في خدمة الإسلام وتثبيت أركانه؛ فإنه -رضي الله عنه- كان ثريًّا، وكان ماله في خدمة الدعوة وتبليغ الإسلام ونصرته، فقام -رضي الله عنه- بالكثير من الأعمال الجليلة في هذا المقام، فقد جهز جيش العسرة الذي كان ينوي أن يواجه جيش الروم حتى إذا وصلوا إلى تبوك علموا بتغيير هرقل لرأيه وقرر عدم قتال المسلمين.
فعن عبد الرحمن بن سمرة - رضى الله عنه- قال: جاء عثمان إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حِجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقلبها في حجره ويقول: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ» مَرَّتَيْنِ، رواه الترمذي.
وعن عبد الرحمن بن خباب - رضى الله عنه- قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال: "يا رسول الله عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله"، ثم حَضَّ على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: "يا رسول الله عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله"، ثم حَضَّ على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: "يا رسول الله عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله"، فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول: «مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ، مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ»، رواه الترمذي.
وقف عثمان بن عفان
كان يهودي يملك بئر "رومة" ولم يكن غير هذا البئر صالحًا للشرب في المدينة حين هاجر إليها المسلمون، فقال النبي- صلى الله عليه وآله وسلم:- «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» فحفرها عثمان، رواه البخاري.
وعن أنس - رضي الله عنه- قال: "صعد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - أُحُدًا ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف، وقال: «اسْكُنْ أُحُدُ -أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ- فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ»، رواه البخاري، فكان كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم-، فمات عمر وعثمان رضي الله عنهما شهيدين، في نهاية خلافة كلٍّ منهما.
وذكر بعض الصحابة أن قوله - تعالى-: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»، [الزمر: 9] قد نزل في سيدنا عثمان - رضي الله عنه-؛ حيث إنه كان شديد التعلق بالله كثير الذكر والعبادة، يخاف الله -عز وجل -ويرجو رحمته ورضوانه، وقد بشره رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- بالجنة فكان من العشرة المبشرين بها، فرضي الله عنه وأرضاه ونفعنا بسيرته نزُكِّي بها أنفسنا ونتأسَّى به رضي الله عنه في سعينا وعملنا.
استشهاد عثمان بن عفان
كان عثمان قد ولي اثنتي عشرة سنة خليفة للمسلمين، وقد بدأت أحداث الفتنة في النصف الثاني من ولايته وهي التي أدت إلى استشهاده. ومن أسباب تلك الفتنة الرخاء في عهده وأثره في المجتمع، وطبيعة التحول الاجتماعي وظهور جيل جديد غير جيل الصحابة، بالإضافة إلى الشائعات، والعصبية الجاهلية، ومن أهم الأسباب خوض المنافقين حيث وجدوا من يستمع إليهم.
وفق معتقد أهل السنة أن المدبر الرئيسي للفتنة هو عبد الله بن سبأ الذي كان يهودياً وأظهر الإسلام في عهد عثمان. ومنهم من عمل على محاصرة عثمان بن عفان في داره وزوروا عليه كتاباً ورد فيه بأنه يريد قتلهم بعد أن أعطاهم الأمان على أنفسهم. وعندما اشتد أمر أهل الفتنة وتهديدهم للخليفة بالقتل تحرك الصحابة لردهم وقتالهم وهو ما رفضه عثمان وأمر بألا يرفع أحد السيف للدفاع عنه، وأن لا يُقتل أحد بسببه، فقد كان يعلم بأنهم لا يريدون أحدا غيره، فكره أن يتوقى بالمؤمنين، وأحب أن يقيهم بنفسه، ولعلمه بأن هذه الفتنة فيها قتله، عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله محمد قال: «من نجا من ثلاث فقد نجا، ثلاث مرات، موتي، والدجال، وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه». عن ابن عمر قال: (ذكر رسول الله فتنة، فمر رجل، فقال: «يُقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوماً»، قال: فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان).