جريدة الديار
الأحد 22 ديسمبر 2024 03:43 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

هل يواجه السودان سيناريو التقسيم مجددًا بعد التحولات العسكرية الأخيرة؟

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان

ما زال محمد أبو بكر، الشاب السوداني الثلاثي، يتذكر تلك اللحظة الصعبة التي خرج من منزله قسرا بعد هجوم قوات الدعم السريع على مقرات القيادة للجيش السوداني في أبريل الماضي، أصوات الصواريخ والقذائف والدبابات تتردد على مسامعه في كل لحظة لكن فراق مسكنه وذكرياته كان الأصعب.

يقول عثمان لـ "الديار"، إن منزله الذي عاش فيه سنوات مع أسرته في العاصمة الخرطوم تحول إلى ثكنة عسكرية لعناصر من قوات الدعم السريع، وأصبح يشاهد واجهة منزله وعليها علامات القذائف والرصاص على شاشات التليفزيون التي تنقل بثا مباشرا للحرب في السودان.

نزح أبو بكر (اسم مستعار) إلى مصر مع أسرته المكونة من 5 أشخاص ضمن مئات الآلاف من السودانيين الذي نزحوا داخليا إلى ولايات سودانية آمنة، أو إلى دول الجوار كمصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وغيرهم.

الآن يشاهد أبو بكر وملايين السودانيين التطورات الأخيرة من اشتباكات ومجازر وجرائم حرب في حسرة على مصيرهم المجهول الذي يعيشونه بعد مرور ما يقرب من 300 يوم على الحرب التي بدأتها قوات الدعم السريع مع الجيش السوداني، في محاولة للسيطرة على البلاد، والتي مرت بالكثير من المراحل آخرها اشتباكات عنيفة في عدة مناطق خاصة دارفور وولاية الجزيرة وغيرهما.

ودفعت التطورات الأخيرة في السودان والتي راح ضحيتها آلاف السودانيين وتسببت في نزوح ملايين آخرين داخليا وخارجيا إلى الحديث عن سيناريوهات حلحلة الأزمة السودانية وطرح السيناريو الأخطر المتعلق بانقسام السودان في ظل الحرب الدائرة الحالية.

وتحدث "الديار"، إلى خبراء ومحللين سياسيين سودانيين ومصادر عسكرية الذين تباينت آرائهم حول إمكانية حدوث سيناريو تقسيم السودان كحل للوضع الراهن المعقد سياسيا وعسكريا على مدار عدة سنوات، ووصل إلى مرحلة المواجهة المباشرة منذ أبريل الماضي.

ورأى الباحث السياسي السوداني عثمان ميرغني، أن احتلال قوات الدعم السريع لمدينة مدني يعد نقطة تحول فارقة في الأزمة السودانية، مضيفا أن هذه التطورات قد تؤدي إلى مزيد من العمليات القتالية من جانب قوات الدعم السريع في محاولة لاحتلال مزيد من المدن، طالما أن هناك القدرة على اجتياح مثل هذه المدينة الكبرى بمثل هذه السهولة دون أن يكون هناك ردود أفعال داخلية أو خارجية.

واعتبر ميرغني أن الأسوأ من ذلك أن يكون لدى الدعم السريع القدرة على شل المدن السودانية الأخرى خاصة التي تقع في شرق وشمال السودان بصورة تؤدي إلى وجود قدرة على احتلال مناطق شاسعة تسمح له بتكوين حكومة وهو ما تحدث عنه قائد قوات الدعم السريع في إحدى تغريداته على منصة "إكس" بعد احتلال مدينة مدني مباشرة، وقال إنه يسعى لتكوين حكومة تأسيسه.

وأكد الباحث السوداني أن هذا السيناريو الذي تحدث عنه قائد الدعم السريع في تغريدته يعني عمليا تقسيم البلاد لأنه لن يكون متاحا للدعم السريع حكم البلاد إلا وفق لمنطق القوة، لأن هناك مشكلة حقيقة في التعامل بين الدعم السريع والمواطنين لعدم قدرة الدعم السريع على المحافظة على علاقة طبيعية مع المواطن السوداني في كل المناطق التي دخلت فيها لارتكابها لكثير من الجرائم ضد الإنسانية وهو ما رصدته الأمم المتحدة.

وجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الدعم السريع حسب حديث ميرغني لن تمكنه من ممارسة إدارة حقيقة للبلاد لكنها قد تستطيع فرض سطوة عسكرية تجعل من السهولة إمكانية انفجار الأحوال بصورة كاملة لتصبح ولايات خارج سيطرة الدعم السريع أو الجيش السوداني وهنا يبدأ سيناريو تجزئة السودان.
وانشغل المجتمع الدولي والإقليمي بالعدوان الإسرائيلي على غزة عن الوضع في السودان خلال الأشهر الماضية، رغم وقوع جرائم حرب وانتهاكات إنسانية واسعة لحقوق الإنسان وارتفاع معدلات الفقر والجوع وانعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب الدائرة وممارسات قوات الدعم السريع، بحسب مصادر متعددة وأممية.


وعلى عكس ذلك، استبعد الخبير السياسي السوداني الدكتور الحاج حمد سيناريو انقسام السودان، موضحا أنه رغم سيطرة الدعم السريع لمعظم دارفور لكنه لم يعلن حتى عن حكم ذاتي بسبب توازن القوى بينه وحركات سلام جوبا، بحسب قوله.

وأضاف لـ "الديار"، أن توسع الدعم السريع في ولاية الجزيرة خاصة مدينة مدني خلال الفترة الماضية اتسم أيضا باستهداف الجيش والادعاء بأن أبناء الولاية عليهم حكم أنفسهم.

وحسب الحاج حمد فإن ممارسات الدعم السريع توضح أنها تسعى لأن تكون بديل للجيش السوداني أو يرضخ الجيش لشروطها في أي إدماج، مشددا على أن الحرب لا زالت ضد المدنيين الخاسر الأكبر.


وقوات الدعم السريع هي مليشيا شبه عسكرية ومكونة من مليشيات الجنجاويد التي كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال الحرب في دارفور، حيث كانت تُدار قوات الدعم السريع من قبل جهاز المخابرات والأمن الوطني وهذا الأخير يقبعُ تحت قيادة القوات المسلحة السودانية.

وفشلت محاولات التوصل لاتفاق سياسي شامل للأزمة السودانية يتضمن إدماج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني لتنفجر الأوضاع في أبريل الماضي بالهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع في محاولة للسيطرة على الحكم.
وذهب لواء دكتور أمين إسماعيل مجذوب، خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية بالسودان، إلى 3 سيناريوهات بعد التصعيد الكبير على الساحة العسكرية خلال الفترة الأخيرة بعد تجميد مفاوضات منبر جدة التي تقودها المملكة العربية السعودية وكذلك مفاوضات منظمة الإيغاد.

وأوضح لـ "الديار"، أن القوات المسلحة بدأت في عمليات تطهير للعاصمة الخرطوم بمختلف المدن والأحياء، بينما اتجهت عناصر الدعم السريع للهجوم على ولاية الجزيرة، مضيفا أن ذلك أحدث ربكة كبيرة وسط الشعب السوداني الذي كان ينتظر أن تكون مبادرة الإيغاد بداية لإنهاء الحرب المدمرة.

والسيناريو الأول حسب مجذوب هو استمرار هذه الحرب بنفس المستوى وانهيار الدولة السودانية، والثاني هو أن يحدث تعقل ويجلس الجميع للمفاوضات ويتم وقف إطلاق النار والخروج من المنازل المدنية ومواقع الخدمات والمستشفيات وبدء دمج قوات الدعم السريع وبقية الحركات المسلحة الأخرى وتنتهي الحرب بالتفاوض، والسيناريو الثالث هو أن يتدخل العالم لأسباب إنسانية من خلال المجتمع الدولي ما قد يحدث خسائر كبيرة في السودان.

موضوعات متعلقة