حكاية نجاح المغرب في تنظيم المونديال بعد 30 عامًا
أخيرًا نجح المغرب ونال شرف تنظيم كأس العالم بعد محاولات عديدة بدأت مع مونديال 1994 ولم تهدأ المملكة المغربية حتى حصلت على مرادها عن جدارة واستحقاق فى مونديال 2030.. لم يكن فوز المغرب بتنظيم المونديال إلا واحدة من سلسلة تفوق العرب فى كرة القدم على مستوى العالم خاصة فى السنوات الأخيرة بدءًا من مونديال قطر العام الماضى، مرورًا بمونديال المغرب 2030، وانتهاء بمونديال 2034 الذى ترشحت له رسميًا المملكة العربية السعودية.
مع نهاية حقبة الثمانينيات من القرن الماضي كانت للملك الحسن الثاني ملك المغرب وقتها ــ رحمه الله ــ كلمة شهيرة عن اعتزام بلاده الترشح لاستضافة مونديال 1994؛ حيث قال الملك: "امنحونا التنظيم وسنتدبر التمويل" في إشارة منه للرغبة الجامحة للمغرب فى تنظيم أكبر محفل عالمى فى كرة القدم رغم أن المملكة وقتها لم تكن تملك نفس إمكانات الوقت الحالى، وهو ما استشعره جواو هافيلانج رئيس الفيفا الذى كان يرغب فى فوز أمريكا بالتنظيم وشعر بقوة المغرب فطلب من بلاده البرازيل الترشح برغم ضعف فرصتها فى الفوز أمام الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه كان يهدف فقط لتفتيت الأصوات لتقليص فرص المغرب، وكان له بالفعل ما أراد، ففى الرابع من يوليو عام 1988، ومن مدينة زيورخ السويسرية مقر الفيفا تم الإعلان عن فوز أمريكا بعشرة أصوات والمغرب بسبعة والبرازيل بصوتين فقط، وهو ما يعنى قرب المغرب وقتها من التنظيم لولا المؤامرة التى قادها هافيلانج بحنكته وخبراته فأبعد المغرب عن المونديال، لكن المغرب لم ييأس وقرر الترشح للمونديال التالى 1998، إلى جانب فرنسا، وسويسرا، وفى يوليو 1992 نالت فرنسا 12 صوتًا والمغرب سبعة أصوات مما يعنى خسارتها بفارق ضئيل أمام البلد المنظم فرنسا، وأيضًا لم تيأس المملكة وترشحت لتنظيم مونديال 2006 وخسرته أيضًا لمصلحة ألمانيا التى كانت تتوافر بها إمكانات هائلة للتنظيم، وحتى عندما منح الفيفا القارة الإفريقية شرف التنظيم فى عام 2010 وكان المقصود به جنوب إفريقيا بالتحديد بسبب انتهاء فترة الفصل العنصرى بها ترشح أيضا المغرب وكان قريبًا إلى حد كبير، حيث حصلت جنوب إفريقيا على 14 صوتًا والمغرب على عشرة.
وفى مونديال 2026 خسر المغرب للمرة الخامسة وكانت هذه المرة لمصلحة الملف الأمريكى بمساعدة كندا والمكسيك، ولأنه فى كل مرة كان العائق الأكبر أمام المغرب هو عدم وجود البنية التحتية اللازمة وخاصة الملاعب والفنادق، أمر ملك المغرب محمد السادس بالعمل على تشييد هذه الملاعب وتجهيز المملكة بشكل كبير، لأنه لطالما كانت اللجان التى تفتش فى ملفات المغرب للترشح للمونديال ترى فقط ماكيتات لملاعب سوف تقام فى حال الفوز بالتنظيم لكن هذه المرة وعندما ترشح المغرب لاستضافة المونديال بملف مشترك مع الجارتين إسبانيا والبرتغال أو ما عرف بالملف الأيبيرى كانت بالفعل الملاعب والفنادق وكل شىء موجودًا على أرض الواقع وليس ماكيتات كما كان يحدث فى السابق.
كما استفاد المغرب من التنظيم المشترك الذى منحه فرصة العمر، وأيضًا قدم للفيفا عدة تجارب حية مثل استضافة بطولة كأس العالم للأندية ثلاث مرات حتى الآن كان آخرها العام الماضى، وأيضًا تنظيم بطولة الأمم الإفريقية تحت 21 سنة، كما نظم السوبر الإسبانى العام الماضى على ملعب طنجة ونال إشادة كبيرة من كل المتابعين حتى بات المغرب واجهة رياضية لا مثيل لها.
وما زاد من ذلك الظهور الرائع والمبهر وغير المسبوق للمنتخب المغربى فى المونديال الأخير بفوزه بالمركز الرابع كأول منتخب عربى وإفريقى يحقق ذلك.
ومنذ أيام قليلة فاز المغرب عن جدارة واستحقاق بتنظيم كأس الأمم الإفريقية 2025، حيث حصد كل الأصوات لدرجة أن المنافسين كلهم انسحبوا وسارعوا للترشح لبطولة 2027، وهو ما يعنى قوة المغرب سواء من ناحية البنية التحتية أو على مستوى التمثيل القوى سواء فى الكاف أو الفيفا متمثلاً فى شخصية فوزى لقجع الرجل القوى الذى يعمل له الجميع ألف حساب فى القارة السمراء، ويكفى أن المغرب فى عهده جنى الكثير سواء على مستوى المنتخب أو الأندية أو الكرة المغربية بشكل عام.
وبعد فوز الملف الأيبيرى الثلاثى للمغرب وإسبانيا والبرتغال بتنظيم مونديال 2030 ومع وجود ثلاث مباريات فى كل من أوروجواى والأرجنتين وباراجواى بسبب مرور 100 عام على أول كأس عالم عرفها التاريخ والتى أقيمت عام 1930، أعلن الفيفا أيضًا فوز المغرب بتنظيم مونديال الأندية فى النسخة الثانية من النظام الجديد للبطولة والتى تضم 24 فريقًا عام 2029، بعدما ذهبت النسخة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية عام 2025، وهو ما يعنى ثقة الفيفا فى المغرب، وسيكون المونديال الصغير بمثابة تجربة للمونديال الكبير مثلما سيحدث فى أمريكا العام بعد المقبل، أى قبل عام واحد من المونديال، وهو ما كان يحدث فى الحقبة الأولى بالألفية الجديدة عندما كان الفيفا يمنح البلد المنظم للمونديال شرف تنظيم بطولة كأس القارات قبله بعام واحد، وحتى قبل مونديال قطر الأخير أقر الفيفا بكأس العرب كبطولة غير رسمية لكنها تحت مظلته لأجل تجربة ملاعب وقدرات البلد المنظم،
ملاعب جديدة
من المُقرر أن يستضيف المغرب كأس العالم فى ستة ملاعب هى: مولاى عبدالله فى الرباط، ومركب محمد الخامس بالدار البيضاء، ومراكش الكبير، وملعب ابن بطوطة بطنجة، وإدرار بأغادير، بل إن المغرب سيشرع فى بناء ملعبين أو ثلاثة فى الفترة المقبلة، ومن المرجح أن يكون أكبرهم بالدار البيضاء بمواصفات عالمية لأجل المونديال، بالإضافة إلى بناء مرافق وتوسعات خاصة بالمدرجات بحسب شروط الفيفا، كما سيقوم المغرب أيضًا ببناء عشرات من مراكز وملاعب التدريب التى تتوافر بها مواصفات الفيفا.
ومن المؤكد أن المغرب سيسعى لاتباع نفس المعايير التى ستقوم بها الجارتان البرتغال وإسبانيا وذلك لأجل المونديال وأيضًا للاستفادة منها عقب انتهاء البطولة، وأخيرًا سيعمل على الاستفادة من الحدث العالمى للترويج للثقافة المغربية ورفع عدد السياح الأجانب، حتى يأتوا إليه عقب المونديال وهو ما تراهن عليه وزارة السياحة المغربية وباقى القطاعات بالدولة الشقيقة.
خلاف على النهائى
من المُقرر أن يجتمع الثلاثى المغرب وإسبانيا والبرتغال فى الرباط يوم 18 أكتوبر الحالى للاتفاق على كيفية إقامة المباريات بين الدول الثلاث والتى سيعتمدها الفيفا، والمشكلة تتمثل فى أن الافتتاح الرمزى للبطولة سيكون يومى 8 و9 يونيو عام 2030 فى كل من أوروجواى والأرجنتين وباراجواى، بحيث سيلعب كل منتخب مباراته الأولى فى بلده ثم يبدأ الافتتاح الرسمى يوم 14 يونيو وسيكون ما بين المغرب وإسبانيا، على أن يقام النهائى يوم 21 يوليو وهو الأمر الذى يواجه اختلافًا كبيرًا بين إسبانيا والمغرب، ففى حين يرحب الإسبان بأن يكون ملعب سنتياجو برنابيو بمدريد هو مسرح النهائى، يرغب المغاربة فى أن يكون ذلك بملعب الدار البيضاء الجديد.
ومن المقرر أن يتفق الطرفان يوم 18 الشهر الحالى على هذه الأمور، وعلى الأغلب سيكون الافتتاح فى بلد والنهائى فى آخر، بينما لم يعترض أو يطلب الجانب البرتغالى مباراة الافتتاح أو النهائى.
العرب.. يبهرون العالم
عندما منح الفيفا قطر شرف تنظيم المونديال واجه القرار رفضًا كبيرًا من دول الغرب التى هاجمت الفيفا بسببه وراحت تكيل الاتهامات لقطر واتهمتها بالفشل قبل أن تبدأ، وحتى أثناء المونديال نفسه هاجم الإعلام الغربى قطر والعرب بشكل عنصرى، لكن الكل أشاد بالتنظيم القطرى للبطولة، وتوجهت أنظار العالم أجمع للمنطقة العربية، وهو ما لوحظ فى كلمات كل الذين حضروا المونديال سواء لاعبين أو إعلامًا أو جمهورًا، فالكل أشاد بحفاوة العرب وتقاليدهم الجيدة وتعزيزهم للأمور الأخلاقية فى المقام الأول.
ومن حسن حظ قطر أن المونديال شهد فوز الأرجنتين باللقب أو بمعنى أصح فوز ميسى بالكأس فى الفرصة الأخيرة لأحد أبرز المواهب الكروية عبر التاريخ لدرجة أن الأرجنتينيين أنفسهم كانوا يهتفون ضده بأنه ليس مثل مارادونا لأنه لم يجلب لهم كأس العالم، فأنصفه المونديال الأخير، وهو ما استحسنه محبو النجم الكبير على مستوى العالم وحتى غير محبيه الذى يرونه يستحق اللقب، فظهر ميسى حاملاً كأس العالم وهو يرتدى الثوب العربى القطرى (البشت) فى مشهد مازال وسيظل فى أذهان عشاق اللعبة الشعبية الأولى.
العالم اعتقد أن المونديال سيكون الأول والأخير فى المنطقة العربية لكن العكس هو ما حدث، فعقب نهاية مبارياته بأشهر قليلة خطف الدورى السعودى الأضواء من كل متابعى الكرة فى العالم، عندما تعاقد مع كوكبة من النجوم أمثال رونالدو وبنزيما ومانى وغيرهم الكثيرين لدرجة أن مدربى البريمييرليج صرخوا معلنين أن الدورى السعودى يهدد الدوريات الأوروبية، ويكفى أن بعض الدول الأوروبية واللاتينية أصبحت فى الوقت الحالى تتابع الدورى السعودى لما يضمه من نجوم كبار على مستوى العالم، ولم ينته الأمر عند ذلك بل جاء فوز المغرب مؤخرًا بتنظيم مونديال 2030 مع كل من إسبانيا والبرتغال ليؤكد أن كأس العالم يدين بالفضل للمنطقة العربية التى منحته واحدًا من أفضل نسخ البطولة على مر التاريخ، بل إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فعلى الفور تقدمت السعودية لنيل شرف تنظيم مونديال 2034، ويبدو أن الأمر سيكون محسومًا بنسبة كبيرة جدًا لعدة أسباب أهمها وجود نجوم العالم فى الدورى السعودى والذين سيكون لهم دور بلا شك فى فوز الملف وقتها، كما أن نجاح قطر مازال فى الأذهان، وهو ما يعنى أن منطقة الخليج قادرة وبقوة على تنظيم الحدث الأكبر على مستوى العالم.
جرأة سعودية
ويحسب للسعودية أيضًا الجرأة فى الترشح لتنظيم المونديال وهم يعرفون صعوبة أن يقام فى دولتين عربيتين فى نسختين متتاليتين، ورغم ذلك تراهن المملكة على قدراتها التى تجعلها ندًا قويًا لأى منافس آخر.
ومن المؤكد أنه سيكون هناك تنظيم مشترك مع دول أخرى لأنه منذ زيادة عدد الدول المشاركة إلى 48 منتخبًا، أصبح صعبًا على أى دولة استضافة الحدث بمفردها بدليل أن أمريكا فى مونديال 2026 ستشاركها الجارتان كندا والمكسيك، حتى ولو بعدد قليل من المباريات، ونفس الأمر بالنسبة لمونديال 2030 الذى تستضيفه البرتغال وإسبانيا والمغرب، بالإضافة إلى ثلاث مباريات تقام فى أوروجواى والأرجنتين وباراجواى، وهو ما يعنى أن ست دول تستضيف المونديال يمثلون ثلاث قارات هى أمريكا الجنوبية وأوروبا وإفريقيا وهو ما يعزز فرص السعودية فى الفوز بالتنظيم لقدراتها التى تجعلها منافسًا صعبًا على أى ملف آخر سيترشح لاستضافة مونديال 2034..
ويمكن القول بأن العرب انتقلوا من مقاعد المتفرجين على المونديال إلى مقاعد الفاعلين للحدث.. أبى من أبى وأحب من أحب.