هشام قنديل: التشكيلي عز الدين نجيب يتماثل للشفاء ويخطط لمعرضه الجديد في ”ضي” بالزمالك
قال الناقد التشكيلي هشام قنديل رئيس مجلس إدارة أتيليه العرب للثقافة والفنون "ضي"، إن الفنان والناقد التشكيلي عز الدين نجيب الذي يرقد الآن بأحد المستشفيات بالقاهرة، ويتماثل للشفاء من الأزمة القلبية العارضة التي ألمت به، ومن المنتظر أن يعود لبيته نهاية الأسبوع الجاري ليخطط لمعرضه الجديد المرتقب بجاليري ضي الزمالك.
وأضاف قنديل، في تصريح له اليوم الإثنين، أن عز الدين نجيب سيعود من جديد للعمل النقدي والتشكيلي، وقد بدأ بالفعل كتابة المقاسات لتلميذه الفنان مصطفي عطية التي يريدها للوحات معرضه الجديد الذي ينظمه ضي الزمالك خلال مايو المقبل، مطمئنا جمهور الفن التشكيلي ومحبي عز الدين نجيب ومؤكدا تماثله للشفاء.
ووصف قنديل الفنان والناقد عز الدين نجيب بالقيمة والقامة والعلامة الفارقة في تاريخ الثقافة المصرية، أديبا وناقدا وتشكيليا وروائيا ومنظرا ومؤرخا، قائلا "استقرت صورة عز الدين نجيب في ذاكرتي منذ رأيتها في صباي الأول، ولم تغادر طوال السنين، تخرج بين الحين والآخر ساطعة ندية كأنني أراها لأول مرة.
كنت فور سماع جرس الشقة 3 الملاصقة للشقة 4 في شارع الجمهورية بكفر الشيخ أهرع سريعا لفتح الباب عله يكون هو، والحق أنني لم أكن أنفر أو أمل من كثرة الانتقال إلى هذه الشقة التي يسكن فيها زوج شقيقتي الكبري ومعلمي الأول شاعرنا الراحل محمد عفيفي مطر، إلى الشقة الملاصقة حيث مجلة سنابل وكيف لي أن أنفر أو أتكاسل في فتح الباب وأنا أصافح هذا الروائي أو الشاعر أو ذلك النحات أو الفنان بخاصة أولئك القادمون من القاهرة أو الإسكندرية أو غيرهما من أقاليم مصر العديدة.
وشيئا فشيئا ملأتني بهجة عميقة بالإبداع المكتوب أو المرسوم أو المنحوت وأخذتني إلى عالم آخر مختلف وحياة متدفقة بالأمل".
واستطرد قنديل "لقد كانوا يقرعون باب الإبداع الخلاق والشهرة الواسعة في دينا الفكر والثقافة، لم أنتبه إلى أنني بعد هذه السنين لا أستطيع مقاومة الحنين إلى باب الشقة 4 حيث المدخل الوسيع للمواهب الطالعة، وإلى رائحة عز الدين نجيب التي ظلت عالقة حية كخميرة الإبداع الذي يحمله. لم أكن أدرك حينها أن للفن رائحة الجنان وأن للوحة سرا غامضا ككثافة الصمت المعتق بالدخان. مع الانبهار بشخصية عز الدين اكتشفت أنه التحول الجميل من مجرد فتح الباب، باب الأخيلة الطليقة إلى رحلة مذهلة أرتوي فيها أحيانا كل يوم وأحيانا أخرى كل ساعة من هذا النهر المتدفق بالأشعار والرسوم والأشكال والألوان".
وتابع "إنه الشعور الدفين المختلط بالذهول الذي بدأ يعبر عن نفسه كلما سافرت وتقبلت في البلاد وزرت المتاحف والصالونات وغيرها، الآن وبعد هذا المشوار الطويل أكتشف بفضل عز الدين نجيب أن اختلاط الإبداعات وامتزاجها عنده أكسبني أو زودني بذائقة أدبية وفنية ونقدية خاصة، لقد أبدع عز الدين نجيب في تكوين مساحة بل ساحة فنية كبري لها لوحاتها وقصائدها خيال مبدع وروح فياضة بثراء الأركان والأشكال، وقد اكتشفت مبكرا أنه يرسم من صفاء روحه ويكتب من حرية خياله الطليق بيدين ماهرتين تقطر منهما رائحة القصائد واللوحات، بل إنني اكتشفت مبكرا أن نجيب يتوحد أحيانا بالفن فيصعب التحاور البسيط معه لأنه يتوحد باللون حتي يخفي فيه آلامه وهمومه وما أكثرها في سنوات شبابه، بحيث يمضي أو يتجول تارة في درجات الزرقة وأخرى في السواد حيث يختفي في المعتقل، وثالثة في درجات البياض فإذا شفت ذاته وظهر أمامك وجها لوجه قال لك: هل أعجبتك أنا ما رسمت إلا ما تخيلت وما كتبت إلا ما أحسست، لكنني في الحالتين أتمسك بالفن ثابتا كالشجر ونخيل سيوة الذي عشقه، ومن ثم لا تستميله شهرة أو بريق خادع أو حتي غير خادع. إنه يبتعد صامدا كالحجر لا يتبدل ولا يتغير، مؤثرا أن يمارس أوجاعه وهواه حتي لو داخل المعتقل، مؤمنا طوال الوقت بأنه لن يضل الطريق إلى مشتهاه مهما زاد حمله من الصمت والقهر و الشكوى المدماة".
واختتم قنديل "هكذا ظل عزالدين نجيب قبضة من تراب مصر، عشقا هائما كالسحاب وكارتحال الأزاهير في العطر واللون، لقد ظل عز الدين نجيب في فترة من فترات عمره يحاول أن يرسم أو يتوسم حقولا من الورد والياسمين لكنه لم يجد غير شوك وطين، يحاول أن يقرب بين ريشته والنهر فلا يجد غير حفنة ماء يقرب ما بين عينيه، والوطن الحلم فلا يجد غير ظل يتهاوي علي جسد من دماء. الآن وبعد هذا العمر أدركت السر، سر التصاق عز الدين نجيب بعفيفي مطر وسر عشق مطر لأعمال نجيب وبقشيش ومطاوع. لقد كان عز الدين ولايزال يدرك طوال الوقت أنه برؤيته النقدية الثاقبة هو الظهير الكامن للفنانين والشعراء و الكتاب".