جريدة الديار
الأحد 22 ديسمبر 2024 01:24 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

لغز اللواء الجوي ”82”.. لماذا احتفظت به أوكرانيا في الاحتياط ؟

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

لفتت أنظار عدد من متابعي هجوم أوكرانيا المضاد أن لواء الهجوم الجوّي الثاني والثمانون الذي تلقّى تدريبات غربيّة، قرّرت أوكرانيا الاحتفاظ به في الاحتياط لفترة طويلة نسبياً.

تعدّ هذه القوّة النخبويّة من بين الأقوى في أوكرانيا، إن لم تكن الأقوى، بالاعتماد على مصدر التوصيف. يتكتّم الجيش الأوكرانيّ على وجود هذه الوحدة. حتى الأنباء الواردة عن دخولها المعارك صادرة عن مراقبين للمصادر المفتوحة والفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وفي مقدّمها "أكس" (تويتر سابقاً) و"تلجرام".

تشير صحيفة "كييف بوست" إلى بعض المعلومات عن لواء الهجوم الجوّي الثاني والثمانين بالاستناد إلى وثائق تابعة للبنتاجون تسرّبت في وقت سابق من 2023. أظهرت الوثائق أنّ أفضل عربات المشاة المدرّعة مثل "ماردر" الألمانيّة (40) و"سترايكر" الأميركيّة (90) سلّمها حلف شمال الأطلسيّ إلى هذه الوحدة. بالتالي، سيكون اللواء الـ82 هو الوحيد الذي يتمتّع بهذين الطرازين من العربات الغربيّة.كذلك، سيكون هذا اللواء مدعوماً بالقوّة الناريّة لدبابات "تشالنجر 2" البريطانيّة الصنع. إلى جانب تمتّعها بمدفع قطره 120 ملم، تمتلك هذه الدبّابات دروعاً وتقنيات بصريّة متطوّرة جداً. وتابعت الصحيفة أنّ هذه الدبابات لمّا تُستخدم بعد، لكنّ حساباً أوكرانياً على "تلغرام" تمكّن من رصدها في الجنوب، وقد تمّ تركيب قفص عليها لحمايتها من المسيّرات الروسيّة. وتذكر تقارير أنّ "تشالنجر 2" التي حصلت أوكرانيا على نحو 14 دبابة منها مصمّمة لتحمّل ضربات مباشرة من دبابة تي-72 الروسيّة، كما يصل نطاق نيرانها إلى 3 كيلومترات. أمّا سرعتها فتبلغ 59 كيلومتراً في الساعة.

ويعتقد المراقبون أنّ اللواء الثاني والثمانين دخل المعركة حديثاً في روبوتين (زابوريجيا)، حيث تحقّق أوكرانيا تقدّماً سريعاً نوعاً ما (خصوصاً في الشمال والغرب). يمكن أن يشكّل هذا التطوّر نبأً ساراً بالنسبة إلى الأوكرانيّين. لكنّ السرور قد لا يدوم كثيراً. مجلّة "فوربس" الأميركيّة، يكتب مراقب الشؤون العسكريّة ديفيد آكس يقول أنّ دخول اللواء الـ82 أرض المعركة هو في الحقيقة نبأ سارّ وسيّئ في آن. فهو، إلى جانب اللواء الـ46، كان من آخر الألوية الاحتياطيّة التي لم تدخل المعركة. نشرُ هاتين الوحدتين في المعركة سيعزّز القوّة الناريّة الأوكرانيّة في محور روبوتين إلى ميليتوبول. لكن حين سيتعيّن على هاتين الوحدتين الاستراحة، لن تجد أوكرانيا ألوية حديثة بالقوّة نفسها لملء الفراغ بحسب رأيه.

وقد يؤكّد دخول اللواء الـ82 المعركة ضيق الوقت المتاح أمام أوكرانيا لتحقيق اختراقها النوعي ويصعب على القوّات الأوكرانيّة مواصلة التقدّم، إذ تكون الوحول قد تشكّلت في الجنوب الأوكرانيّ، وزابوريجيا من ضمنه. بالتالي، تملك أوكرانيا ما بين شهرين إلى شهرين ونصف شهر لتحقيق اختراقها إذا لم يأتِ الشتاء باكراً.

باتّجاه الحدود بين زابوريجيا ودونيتسك، حقّقت أوكرانيا أيضاً تقدّماً حين استعادت بلدة يوروجين كما قالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني حنه ماليار يوم الأربعاء. بحسب المحلّل الاستراتيجيّ في "مركز لاهاي للدراسات الأمنيّة" فريديريك مرتنز، إنّ بلدتي روبوتين ويوروجين ليستا مهمّتين خاصّة من الناحية الاستراتيجيّة، "لكنّ كلتيهما جزء من المناطق الدفاعيّة الروسيّة العميقة".

تقع روبوتين على الطريق إلى مدينة استراتيجيّة أساسيّة ربّما تشكّل محور الاهتمام العسكريّ والإعلاميّ في المرحلة المقبلة. إنّها مدينة توكماك التي تبعد من روبوتين نحو 29 كيلومتراً. تضمّ المدينة تقاطعاً لخطوط نقل أساسيّة وتعدّ مركزاً لوجستياً حيوياً بالنسبة إلى الروس.

توكماك هي واحدة من أشدّ المدن تحصيناً.وصفتها صحيفة "ديلي أكسبرس" البريطانيّة بأنّها قلعة عسكريّة، مع إشارة إلى أنّ السلطات الروسيّة نقلت سكّانها إلى أماكن أخرى لتحصينها تقع المدينة وسط تقاطع خمس طرق رئيسيّة وتربط مدينتي برديانسك وميليتوبول في الجنوب كما تربط مدينتين دفاعيّتين، فاسيليفكا (شمال غرب) وبولوهي (شمال شرق). بحسب موقع "ديلي كوس" الأميركيّ، تربط توكماك بين جناحين للجيش الروسيّ. بالتالي، إنّ سيطرة أوكرانيا عليها تعني أنّ الجناحين سيصبحان جيشين مستقلّين غير قادرين على دعم بعضهما البعض. لذلك، قد تكون معركة توكماك واحدة من أهمّ المواقع الاستراتيجيّة لروسيا في جنوب أوكرانيا.

من المعقول أن تكون أوكرانيا قد شعرت بأنّ اللحظة قد حانت للدفع بآخر قوّات النخبة لديها من أجل تحقيق الاختراق قبل فترة طويلة من توقّف المعارك، وهي فترة قد لا تنتهي إلّا في أواسط الربيع المقبل. في الوقت نفسه، تخشى أوكرانيا من قيام روسيا بهجوم مضاد في الخريف. لكن يبقى مدى اختلافه عن الهجوم الروسيّ المضاد الذي فشل خلال الشتاء الماضي مثار تكهّن.

مع ذلك، من غير الضروريّ أن يكون الهجوم الروسيّ واسع النطاق. إذا تمكّن الروس من الصمود في مواجهة اللواء الـ82 الذي يضمّ نحو ألفي مقاتل، فقد يكونون في وضع يسمح لهم بشنّ هجوم مضاد بعد سحب اللواء من المعركة للراحة، بحسب آكس، الكاتب في الشؤون العسكريّة.

يوافقه في ذلك مرتنز من "مركز لاهاي للدراسات الأمنيّة". فالتقدّم البطيء عبر المنطقة الدفاعيّة للخصم يمكّن الأخير من إعادة تعزيزها من خلال شنّ هجمات تكتيكيّة مضادة "وقد يعدّ مفاجأة عملانيّة بغيضة بالنسبة إليك".

فهل يكون نشر اللواء الـ82، إذا صحّت التقديرات، طريقة لصدّ هذه المفاجآت وربّما قلبها ضدّ الروس

ثمّة ملاحظات أوّليّة. أن تكون الألوية مدرّبة على يد الغربيّين لا تعني بالضرورة أنّها أفضل من نظيرتها الأوكرانيّة التي لم تحصل على هذه الفرصة. فتلك الألوية لم تتمتّع بفترة كافية من التدريب ولا بكميّة ونوعيّة الأسلحة المناسبة للعقيدة القتاليّة الأطلسيّة. مع ذلك، قد يكون لواء الهجوم الجوّي الـ82 جاهزاً لتحقيق المهمّة.