ما سبب الصراعات العالمية على القارة الأفريقية؟
شهدت القارة الأفريقية السمراء في الفترة الأخيرة مسرحا جديدا للصراعات العالمية بين القوى الاقتصادية والعسكرية أمريكا وروسيا والصين وفرنسا والاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف السيطرة على ثروات هذه المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية، حيث يأتي اليورانيوم على أول هذه الثروات والذي يعتبر ثروة ضخمة متعددة الاستخدامات؛ من حيث الأغراض العسكرية الأمنية فيما يتعلق بإنتاج القنابل الذرية إلى الأغراض المدنية مثل توليد الطاقة الكهربائية واستخداماته العديدة في الزراعة والتكنولوجيا.
كما أن ثروات اليورانيوم المتوفرة في غرب أفريقيا تعتبر كنزا ثمينا بالنسبة للشركات الأجنبية، نظرا لعدة عومل، من أبرزها؛ جودة المناجم وتنافسية الأسعار، بالإضافة إلى التساهل في احترام المعايير البيئية أثناء عمليات الاستخراج، حيث تحتل 3 دول أفريقية مراتب متقدمة في ترتيب الدول العشر الأولى عالميا، من حيث احتياطيات وإنتاج اليورانيوم، وهي ناميبيا وجنوب أفريقيا والنجير، بالإضافة إلى مناجم الذهب وحقول النفط ،ومن هنا نشاهد أن جميع الأطراف الدولية الفاعلة، ستحاول التموقع الآن والاصطفاف إلى جانب انقلابيي النيجر، أوالرئيس المخلوع، حسب طبيعة التفاهمات والصفقات، ولعبة المصالح.
القوى العالمية الكبرى والقارة لسمراء
خلال السنوات العشر الأخيرة، بدأت القوى العالمية الكبرى مسارا مزدوجا لتدعيم حضورها في القارة الأفريقية، سواء من حيث تطوير وتحسين البوابة الدبلوماسية أو دعم آليات الاستثمار أو إبرام اتفاقيات التعاون وتكثيف الحضور العسكري.
وتمثل هذا المسار الجديد في 3 محاور هي المؤتمرات والمنتديات التي تنظمها القوى العظمى مثل أمريكا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، لاستضافة قادة القارة السمراء من أجل تطوير التعاون وبحث سبل تنمية القارة.
في الشق الثاني من المسار، بدأت هذه القوى تعزيز حضورها العسكري في القارة، خاصة في منطقة غرب أفريقيا، الذي شهد اختلالا كبيرا في موازين القوى العسكرية الأجنبية، مع بدء الانتشار العسكري الكبير لروسيا في عدة دول أفريقية مثل مالي وبوركينا فاسو.
وعبر مشاريع تنموية وتحقيق مصالح مشتركة تعود بالمنفعة إلى كلا الجانبين من دون قيود سياسية والتوسط في النزاعات بالمنطقة الأفريقية بدأت ملامح التوسع في الوجود الصيني والروسي بالقارة السمراء لمل الفراغ الأمريكي الذي تزايد في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وتصاعد الغضب تجاه فرنسا.
والشهر الماضي، سافر 17 رئيس دولة أفريقية إلى سانت بطرسبرغ، لحضور قمة أفريقية روسية، توجت بوعود سخية للقارة السمراء، على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
ما سبب التنافس القوي على النفوذ في أفريقيا بين دول الشرق ؟
من جانبه، أكد الخبير في الشؤون الأفريقية، سيدي المختار سيدي، في تصريحات صحفية، أن "التنافس القوي على النفوذ في أفريقيا بين دول الشرق خاصة روسيا والصين، ودول الغرب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، له أبعاد متعددة، منها ما يتعلق باستغلال الثروات الطبيعية ومنها ما يتعلق بالتوسع والنفوذ بحثا عن السيطرة على مناطق مهمة من القارة الأفريقية".
كما يؤكد المختار إن "تطور التنافس الحالي بين روسيا والغرب يعتمد على عاملين أساسيين؛ أحدهما قوة التيارات الموالية لكلا الطرفين على الأرض والثاني مدى اعتماد كل طرف على الثروات الطبيعية في بلدان أفريقيا وأهميتها بالنسبة له واستعداده للتخلي عن مصالحه الاقتصادية، ويشهد لذلك ما يدور حاليا في النيجر التي تمتلك رابع احتياطي من اليورانيوم وتعتبر أكبر مصدر له إلى أوروبا والتي يرى كثيرون أن فرنسا لن تسمح بسقوطها في يد روسيا بسبب اعتماد المفاعلات النووية الفرنسية لإنتاج الطاقة، عليها بنسبة تتجاوز 15% وأيضا لأن هذه المناجم تستغلها شركة فرنسية".
ما سبب الانقلاب العسكري ضد رئيس النيجر؟
حيث أعلن عسكريون يوم الاربعاء في النيجر تنفيذ انقلاب عسكري ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم، في خطوة اعتبرها مراقبون مجرد استمرار لمسلسل انقلابات عسكرية ستشهدها المنطقة بسبب الصراع بين فرنسا وروسيا في المنطقة ،ويؤكد الخبير في الشؤون الأفريقية محفوظ السالك أن "البعد الاقتصادي لا يمكن تجاهله، في الانقلاب العسكري بالنيجر، وصراع الإرادات والنفوذ بين بلدان العالم، إزاء المواقف والمواقع منه، لأن هذا البلد الحبيس، ذي الساكنة الفقيرة في أغلبها، واحد من أكبر منتج لليورانيوم على الصعيد العالمي، وهذا يعطي البلاد وانقلابها بعدا دوليا".
وأضيف أنه نظرا لذلك "نجد الاهتمام الأوروبي الكبير بالانقلاب ورفضه، والتشبث بعودة الرئيس المنتخب، لأن المصالح الأوروبية ستتضرر، حيث تؤمن النيجر نسبة 20% من اليورانيوم الذي تحتاجه أوروبا، الأمر الذي لن يستمر لو استتب حكم الانقلابيين، وهذا سيجعل أوروبا في أزمة، تفاقم أزمتها الطاقوية".
وأوضح أيضا أن "نفس الأمر ينطبق على فرنسا، فبالإضافة إلى كونها دولة استعمارية سابقة للنيجر، فإن البلاد تهمها كثيرا في إطار استراتيجية إعادة الانتشار الأمني في غرب أفريقيا، الذي تسعى إليه بعد طرد قواتها من مالي وبوركينا فاسو، هذا بالإضافة إلى البعد الاقتصادي الحاضر بقوة في المعادلة، لأن محطات الطاقة النووية الفرنسية تغتمد على يورانيوم النيجر بشكل كبير".