الشيخ أحمد علي تركي يكتب: العمل ومكانته في الإسلام
إنَّ الإسلامَ دينٌ حثَّنا على العملِ والنَّشاطِ والجِّدِّ والاجتهادِ فِيما ينفعُ المجتمعَ، لا القعودِ وضَعفِ الهِمَّة .
فَلقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُعطي الدُّنيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ ولا يُعطِي الدِّينَ إلَّا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعطاهُ الدِّينَ فقدْ أَحَبَّه .
رواه أحمد
لِنَنْظُرْ إِلى حالِ الصَّحَابةِ الكِرامِ وإلى حالِ الصَّالِحِين، كيفَ أنَّهُم أطَاعوا اللهَ بأداءِ ما أمرَ بِه واجتنابِ ما نَهى عنهُ، ومعَ ذلكَ كانُوا فَاعِلينَ مُنتِجِينَ أصحابَ حِرَفٍ، ولَمْ يكُونوا عالَةً على غيرِهم، فليسَ مِنْ شِيَمِ الصالحينَ أنْ يقعُدوا مِنْ غيرِ عمَلٍ، بلْ المَعروفُ عنهُم العملُ لِيَكْفُوا أنفُسَهُمْ وأهلَهُم، فقدْ كانَ سيدُنا عثمانُ وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ رضيَ اللهُ عنهُما وغيرُهما مِنْ أكابِرِ الصحابةِ يعملونَ بالتجارة، وكانَ الجُنَيْدُ إمامُ الأولياءِ في زَمانِه لهُ دُكّانٌ يَقعُدُ فيهِ، وعمِلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالتِّجارةِ، وكانَ نبيُّ اللهِ إدريسُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ خيَّاطًا، وزَكَرِيَّا عليهِ السلامُ نجَّارًا، وكلُّ نبيٍ مِنْ أنبياءِ اللهِ تعالى رَعَى الغنمَ وهمُ القدوةُ وأعلى الناسِ مَقامًا .
فَعنْ أبي هريرةَ رضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النبيِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ:
مَا بَعثَ اللهُ نبيًّا إِلّا رَعَى الغَنمَ .
فقالَ أصحَابُهُ: وأنتَ ؟
فقالَ: نعم، كنتُ أرْعاها على قَرارِيطَ لأهلِ مكةَ .
رواهُ البخاريُّ
فكُلُّ الأَنبياءِ رَعَوُا الغنمَ، لكنَّهُمْ لمْ يَتَّخِذُوا ذلكَ مِهنةً لهمْ.
قالَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في فتحِ البارِي :
قالَ العُلماءُ: الحكمةُ في إلهامِ الأنبياءِ مِنْ رَعْيِ الغنمِ قبلَ النبوةِ أنْ يحصُلَ لهُمُ التمرنُ بِرَعْيِهَا على ما يُكَلَّفُونَه مِنَ القِيامِ بأمرِ أُمَّتِهِمْ .
وَفي ذِكْرِ النبيِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لذلكَ بعدَ أنْ عُلِمَ كونُه أكرمَ الخلقِ على اللهِ ما كانَ عليهِ مِنْ عظيمِ التَّواضُعِ لربِّه والتَّصريحِ بِمِنَّتِهِ عليهِ وعلى إخوانِه مِنَ الأنبياءِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى سائِر الأنبياءِ .
وفي هَذا حافزٌ للمسلمِ على الكَدِّ والعملِ في طلبِ الرزقِ الحلالِ ليَكفيَ نفسَهُ وأهلَهُ ولِيَنفَعَ أُمَّتَه ومجتَمَعَه .
ولقدْ سُئِل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيُّ الكسبِ أطيبُ؟
قالَ: عَمَلُ الرجُلِ بيدِه وكلُّ بيعٍ مَبرورٍ .
رواهُ أحمدُ
وفي الصَّحيحينِ مِنْ حديثِ الزُّبَيْرِ رضيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:
لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُم أَحْبُلَهُ ثُمَّ يَأْتِيَ الجَبَلَ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةٍ مِن حَطَبٍ عَلى ظَهِرِهِ فَيَبيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بها وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يَسأَلَ النَّاسَ أَعطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ .
فاللهُ سبحانَه وتعالى يحبُّ مِنْ عبادِه الأخذَ بالأسبابِ في عملِ الخيراتِ للتَّوصُّلِ إليها، فهذا لا يُنافي مبدَأَ التوكلِ على اللهِ سُبحانَه وتعالى، وقد دَلَّ حبيبُنا محمَّدٌ ﷺ على اتخاذِ الأسبابِ معَ التوكلِ على اللهِ، وهوَ التسليمُ لهُ والإيمانُ بقَدَرِه سبحانَه، وقالَ للرَّجُلِ الذي جاءَ بناقَتِهِ وقالَ: أدَعُها وأتوكَّلُ يا رسولَ اللهِ، قالَ:
اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ .
رواهُ ابنُ حبانَ
لا تَغْفُلْ إذا ذهبتَ إلى عَمَلِكَ الدنيويِّ أنْ يكونَ عملُكَ هذا بنيةٍ خالصةٍ ليكونَ لكَ ثوابٌ فيهِ، ولكي لا يكونَ هدْرًا لأنفاسِكَ فلقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:
إذا أنفقَ الرجُلُ على أهلهِ يَحْتَسِبُها فهُوَ له صَدَقة .
رواهُ البخاريُّ
فَما يُنفِقُ الرجُلُ على أهلهِ إنْ كانَ نِيَّتُهُ التقربَ الى اللهِ فهوَ صَدَقَةٌ، أي يكونُ له ثوابُ الصَّدَقةِ على الفقيرِ، نفقتُهُ التي ينفِقُها على زوجتهِ كأنَّه تصدَّق بها على فقيرٍ، والصدقةُ على الفقيرِ فيها أجرٌ عظيمٌ، كذلكَ ما يُنفِقُه على أولادهِ، كذلكَ ما ينفقُه على غيرِهم إن وُجِدتِ النيةُ، أي نيةُ التقرُّبِ الى اللهِ في هذا الفعلِ، فاتق اللهَ في عملِكَ وأَخلِصْ فيهِ واجتَنِبِ الغَشَّ والكذبَ فيه.