مستشفيات الخرطوم على شفا كارثة إنسانية
تعقد الوضع الإنساني في السودان لدرجة مهولة، وانعكس بشكل كبير على أداء المستشفيات في العاصمة الخرطوم، حيث باتت المراكز الصحية شبه مهجورة من طواقمها الطبية بسبب القصف المدفعي حولها، وتكدست الجثث، وانتشرت الإصابات في كل مكان.
فوضى المستشفيات السودانية
ويصف الأطباء وموظفو المستشفيات الظروف المروعة المتمثلة في عدم وجود مياه للتنظيف وقلة الكهرباء اللازمة لتشغيل معدات إنقاذ الحياة ونفاد الطعام، ما يضطرهم إلى إرسال المرضى إلى منازلهم ورفض دخول أي مصابين جدد.
ويوجد عدد من أفضل مستشفيات السودان وسط الخرطوم، حيث يدور أشرس قتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما يتطلب من الأطباء والمرضى الشجاعة للوقوف في وجه إطلاق النار والقصف.
وقالت وزارة الصحة السودانية إن 270 شخصا على الأقل قُتلوا منذ اندلاع العنف في نهاية الأسبوع الماضي وأصيب أكثر من 2600 شخص إلى جانب آخرين لا يزالون يحتاجون إلى علاج، مما ينذر بكارثة جراء الانهيار السريع لنظام الرعاية الصحية.
الرعاية الصحية في السودان
وقالت إسراء أبو شامة، الطبيبة في وزارة الصحة السودانية، إن "المستشفيات التي تقدم خدمات للجرحى الآن قليلة جدا، وعدد الأطباء محدود، ولذا هناك تكدس في الجرحى".
وأضافت: "علاوة على هذا، لا يستطيع جميع المصابين الوصول إلى المستشفى في ظل إطلاق النار. نحتاج فعلا فتح المستشفيات العامة والخاصة لتقديم الخدمات الطبية لجميع المصابين والمرضى".
وقال أحد خريجي الجامعات، الذي يبلغ من العمر 25 عاما وقد أصيب برصاصة في كتفه لكنه رفض الكشف عن اسمه خوفا من استهدافه: "وجدنا مستشفى يعمل لكنه يعاني من قلة الخدمات بسبب عدم توفر الكهرباء".
وقال العاملون في أحد مراكز رعاية الأطفال المصابين بالسرطان في الخرطوم إنهم أوقفوا العلاج مؤقتا بعد توقف مولد الكهرباء.
وقال أشرف الفكي، مدير الشؤون الطبية في مستشفى البراء للأطفال بالخرطوم، إن جناحا واحدا لا يزال يستقبل المرضى هذا الأسبوع مع وجود طبيب واحد لرعاية طفلين حديثي الولادة باستخدام أجهزة التنفس الصناعي.
وتوفي أحدهما بعد ذلك بوقت قصير وتم إجلاء الثاني في النهاية. وقال الفكي: "لا أعرف ماذا أفعل".
وقالت نقابة أطباء السودان إن تسعة مستشفيات تعرضت لقصف بالمدفعية وتم إجلاء 16 شخصا قسرا على مدى الأيام الأربعة الماضية، مضيفا أنه لا يوجد مستشفى منها يقدم خدمة كاملة داخل العاصمة.
وقال المتحدث باسم الهلال الأحمر السوداني أسامة عثمان: "المستشفيات منهارة تماما وخالية من كل الضروريات. الوضع أكثر من كونه كارثيا".
وقال خالد فضيل، المدير العام في مستشفى فضيل الخاص: "في كل مكان حولنا، نتعرض لإطلاق نار وقنابل".
وأضاف أن خزانات المياه وأنابيب الطهي في المستشفى تأثرت، إلى جانب فرار كثير من الموظفين، مشيرا إلى أن وقود الديزل المستخدم في مولد الكهرباء أوشك على النفاد. وقال إن خزانات المياه لا يمكنها الوصول إلى المنطقة.
وقال فضيل إن مستشفاه هو الوحيد الذي ما زال يعمل في المنطقة ويعالج أكثر من 30 مصابا من مصابي القتال، بينما لحقت أضرار بالمستشفيات الأخرى المجاورة بسبب القصف المدفعي.
وأشار إلى أن المستشفى لم يعد قادرا على تقديم الخدمات وأنه يعمل حاليا على نقل المرضى إلى منازلهم مع إعطائهم تعليمات حول الرعاية الذاتية، أو إحالتهم إلى المرافق الطبية القليلة المتبقية التي ما زالت تعمل. وقال فضيل: "نحن خارج الخدمة حتى ينتهي كل هذا".
وقال الفكي إن ممرضَين أصيبا بطلقات طائشة أثناء عملهما في أحد الطوابق العلوية من مستشفى البراء للأطفال، ويسود ذعر كبير بين الطاقم الطبي لأنهم لم يعتادوا أصوات المدفعية هذه.
وقال أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، إن الأطباء يواجهون خطرا حقيقيا، "نشعر بقلق شديد من التقارير التي تتحدث عن هجمات مسلحة على مؤسسات صحية وخطف سيارات إسعاف في أثناء نقل مرضى بداخلها. المؤسسات الصحية تتعرض للنهب والاحتلال".
تعداد الإصابات
اشتكى لؤي أحمد، أحد المتطوعين بالمستشفى الدولي في مدينة بحري المجاورة للخرطوم، من نقص الإمدادات، ومنها الحقن الوريدية والعقاقير المنقذة للحياة، وقال: "هذا هو المستشفى الوحيد الذي لا يزال يستقبل الجرحى، ونحن نتلقى مزيدا كل يوم. لا يستطيع الموظفون الوصول إلى المشرحة بسبب القتال، ومن ثم تُحفظ الجثث في غرف مزودة بمكيفات الهواء".
وقال أحد الزائرين، ويدعى أحمد، إن بعض الجثث كانت ملقاة في الهواء الطلق، "لدينا جميعا المشكلات نفسها، الكهرباء والماء والموظفون. هذا ما سيؤدي إلى انهيار النظام الصحي".
ولا يمتلك المرضى من أصحاب الأمراض المزمنة، مثل هؤلاء الذين يحتاجون إلى علاج غسيل الكلى، سوى خيارات قليلة، وفي أحد المستشفيات غرب الخرطوم، قال رجل يبلغ من العمر 54 عاما بدا متعبا وخائفا جدا من الإفصاح عن اسمه إن "غسيل الكلى كان آخر خدمة لا تزال تعمل هناك. لا أعرف ما إذا كانت الخدمة ستظل تعمل هنا في الأيام القليلة المقبلة بسبب الحرب".