جريدة الديار
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 04:42 مـ 4 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أوشك نصف رمضان أن يأتي.. ️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

لقد مضى من رمضان صدره، وانقضى منه شطره، واكتمل منه بدره، فاغتمنوا فرصة تمرُّ مرَّ السحاب، وادخلوا قبل أن يُغلق الباب .. فإنه يوشك الضيف أن يرتحل، وشهر الصوم أن ينتقل، فأحسنوا فيما بقي، يُغفَر لكم ما مضى، فإن أسأتم فيما بقي أُخذتم بما مضى وبما بقي .

رحل نصف رمضان ، وبين صفوفنا الصائم العابد، الباذل المنفق الجواد، نقي السريرة، طيب المعشر ، فهنيئاً لهؤلاء العاملين ما ادخروه عند رب العالمين .

رحل نصف رمضان ، وبين صفوفنا صائم عن الطعام والشراب، يبيت ليله يتسلى على أعراض المسلمين، وتقامر عينه شهوة محرمة يرصدها في ليل رمضان، يده امتدت إلى عاملٍ مسكين فأكلت ماله، أو حفنةِ ربا فأخذتها دون نظر إلى عاقبة ، أو تأمل في آخرة .

رحل نصف رمضان ، وبين صفوفنا من فاتته صلوات وجماعات، قد آثر النوم والراحة على كسب الطاعات وبين صفوفنا بخيلٌ شحيح، أسودُ السريرة، سيءُ المعشر، دخيلُ النية، فأحسن الله عزاء هؤلاء جميعاً في نصفهم الأول، وجبرهم في مصيبتهم، وأحسن الله لهم استقبال ما بقي لهم .

إن أيام رمضان يجب أن تُعظَّم وتصان، وتُكرَّم ولا تُهان .

في صحيح ابن خزيمة وابن حبان :

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: آمين ، آمين ، آمين .

فقال الصحابة: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين .

فقال : إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له، فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، قلت: آمين .

أخرجه ابن خزيمة وابن حبان

كان قتادة رحمه الله يقول: كان يقال: من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له .

إننا مسؤولون عن هذه الأوقات من أعمارنا، في أي مصلحة قضيناها أفي طاعة الله وذكره، وتلاوة كتابه وتعلم دينه، أم قضيناها في المقاهي وأمام القنوات ، أو في اللهو واللعب الذي لا يعود علينا بكبير فائدة، بل هو من أسباب البعد عن الله تعالى .

فلنستدرك باقي الشهر، فإنه أشرف أوقات الدهر، هذه أيام يحافظ عليها وتصان، هي كالتاج على رأس الزمان، ولنعلم أننا مسؤولون عما نضيعه من أوقات وأحيان .

إن شهر رمضان شهر العتق من النيران، شهر فكاك الرقاب من دار الشقاء والحرمان .

فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :

لله عز وجل عند كل فطر عتقاء .

أخرجه أحمد والطبراني

وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند أحمد وصححه الألباني :

إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة يعني في رمضان وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة.

فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات .

وقد روى الطبراني عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده .

ما أحرانا أن نستثمر رمضان بالأعمال الصالحة ، والتجارة الرابحة ..
وإليكم بعض فرص الاستثمار الرابح .

فمن فرص الاستثمار الرابح في رمضان :

بذل المعروف ، ومد يد العون للمحتاجين ، ورعاية الضعفاء والمعوزين .

فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل فيدارسه القرآن.

ومن فرص الاستثمار الرابح :

صلاة القيام وقد قال صلى الله عليه وسلم :

من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه .

وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة .

ومن فرص الاستثمار في رمضان :

صلة الأرحام ، وتحقيق معالم التواصل المفقود في حياة الكثير منا .

ومن فرص الاستثمار في رمضان :

توسيع دائرة الأخلاق في التعامل مع الآخرين ، فإن دائرة الأخلاق من أوسع الدوائر التي يلج منها الصائم إلى رضوان الله تعالى ، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وغيره :

ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن .

ومن فرص الاستثمار في رمضان :

العمرة في رمضان ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما .

ويمكن للمستثمر أن يوسّع دائرة الأجر بالمساهمة في معونة المحتاجين ليؤدوا العمرة .

ومن فرص الاستثمار في رمضان :

تبنّي بعض الأعمال الدعوية والاجتماعية ، كتعليم كتاب الله تعالى ، وعمل المسابقات التربوية والاجتماعية للأسر أو الشباب ، وإقامة رحلات العمرة ، ونحو ذلك من الأعمال النافعة .

ومن فرص الاستثمار في رمضان :

إحياء شعيرة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ، فإنها من السنن التي كان يحافظ عليها نبي الهدى صلى الله عليه وسلم .

علينا أن ننتهز هذه الفرص العظيمة ، وما تقدوموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً

ومن فرص الاستثمار الرابح في رمضان :

العناية بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوة وتفسيراً .
رمضان شهر تلاوة القرآن، وتدبُّر آي الفرقان، بمدارسة معاني الألفاظ، والرجوع إلى أهل العلم من القراء والحفاظ .

لقد كان السلف الكرام رحمهم الله يكثرون من ختم القرآن، فإذا جاء رمضان ازدادوا من ذلك لشرف الزمان، وكان جبريل عليه السلام يلقى رسول الله في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن .

وكان الأسود التابعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان كل ليلتين، وكان يختم في غير رمضان كل ست ليال.

وكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة.

وكان الشافعي رحمه الله يختم في شهر رمضان ستين ختمة .

قال النووي: وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة .

قال الذهبي: قد روي من وجوه متعددة أن أبا بكر بن عياش مكث نحواً من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، ولما حضرته الوفاة بكت أخته فقال: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة.

إن رمضان فرصة حقيقية للاستثمار الرابح مع الله ، واللبيب يدرك بصدق أن الفرص تلوح ، وقد لا تعود ، فاستثمروا رحمكم الله ما بقي من حياتكم .

وتزودوا لمعادكم قبل مماتكم :

واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ، وبشر المؤمنين .