في زمن الفراعنة .. الحب والغزل عند المصريين القدما
ظل الحب عند المصريين القدماء محفزا لابتكار أساطير عديدة وأشعار وأدبيات بلورت صورة أقرب لمشاعر المصري القديم بمختلف المفردات والصور البلاغية، مجسدا لها بكل ما ملكه من إمكانات مادية.
وحفظت لنا طائفة كبيرة من قصائد الحب تزخر بها اليوم متاحف العالم كمتحف تورين والمتحف البريطاني والمتحف المصري، وتعد تلك القصائد أو تلك القطع الأدبية نموذجاً منقولاً عن الواقع، ولعله يوائم العادات والأعراف الاجتماعية في ذلك الزمان إذ تقدم صورة مختلفة عن الصورة التي يمكن تخيلها من النصائح الأدبية أو غيرها من مصادر وتجلو أحياناً ما يسبق الزواج من خطوات تمهد له.
وفي هذه الأشعار يخاطب المحبون بعضهم بعضاً بعبارات رقيقة مهدية ويتنادون بأخي وأختي وربما استخدمت كذلك عبارات عاطفية متحررة شيئًا ما، وقد أدى استعمال عبارة الأخ والأخت إلى اقتناع جمهرة من الباحثين بأن الأخ يتزوج من أخته، لكنه أسلوب التعبير الذي كان يومئذ سائدا ليس غير.
وأمكن التعرف على بعض الجوانب العاطفية للشباب من الجنسين من دراسة هذه القصائد، فقد كانت متاحة فرضية الثلاثي والوقوع في الحب وحرية الفتاة والفتى في التعبير عن مشاعرهما مع قدر كاف من الحرية في اختبار شريك المستقل.
وفي بردية شستر بيتي Chester Beaty أغنية من أشهر الأغاني العاطفية غناها مطربون من النساء والرجال وتبدا يوصف جمال المرأة فتقول: حبيبتي وحيدة فريدة منقطعة النظير أرى إشرافها في أفق رؤای كربة نجم الصباح المتلألئة، تشرق في سنى السعادة فهي الوضاء التي تشع بنورها ، سوداء، الحاجين براقة العينين حلوة الشفتين حين تنطق بهما، لا تنبس بكلمة فضول طويلة العتق ناعمة النهد، شعرها أسود لامع ذراعها تفوق الذهب حلاوة، لمسة أصابعها كأنها لمسة زهرة اللوتس، آه لكم هي إنسانية انحناءة عظمة أردافها، نحيلة الخصر ساقاها تنمان عن جمالها رشيقة، عندما تتبختر على الأرض، تلتوي أعناق الرجال لتتبع حركتها.
وفي المقطع الشعرى الآخر، تعترف الفتاة بأنها كذلك متيمة بحبيبها فتقول: "أخي يعذب قلبي بصوته، وقد أصابني الدوار والاعتلال".
ثم تستطرد في الحديث، وتشتكي بأنها لم تعد قادرة على السيطرة على قلبها فتقول قلبي يخفق سريعا عندما أفكر في حبك ثم نصف كل أعراض العذاب في الحب وتنتهى وقد أصابها البأس فتقول: قلبي لم يخفق، ويعاني الشاب من أعراض مماثلة فيقول: مضت سبعة أيام لم أر فيها الحبيبية وهجرني الرضا فثقلت أعضائي وإلى مهمل جسدي فإذا ما أقبل الأطباء لم يرتح قلبي لعلاجهم، أما السحرة فليس عندهم من حيلة لأن دائي عسير، إنما ينعشني اسمها، وغدر رسلها ورواحهم يعبد إلى قلبي الحياة ومحبوبي أعظم شفاء لي من كل علاج، وهي أعظم شأنا من كتب الطب جميعا.
ويبدو جليا أن هذه القصائد إنما تعبر عن المشاعر العادية للشباب من الجنسين فقد ذكرت بعض ما يخفى اختبار شريك الحياة، وذلك بالرغم من أن الموافقة النهائية تحتاج إلى تأييد الأسرة، وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة جدا هي أن الحب والاحترام المتبادل بين الزوجين كانا هدفًا أو غاية يتوقان إليها، وقد يكون ذلك علة تعرق إتمام الزواج، فلم تكن كل قصص الحب تنتهى بنهاية سعيدة دائما.