ما حكم الدعاء بين الخطبتين في صلاة الجمعة؟
خصَّ الله تعالى يوم الجمعة بعدة خصائص لمزيد فضله ولبيان مكانته؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ».
حكم الدعاء بين الخطبتين، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» رواه مسلم، ومن مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ» رواه أحمد والترمذي.
ساعة الإجابة في يوم الجمعة
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدث في شأن ساعة الجمعة -يعني: ساعة إجابة الدعاء- فقال: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» رواه مسلم.
حكم الدعاء بين الخطبتين، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» رواه أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الحديث: «التَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ» رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
ومن الأحاديث أيضًا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» رواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث جابر رضي الله عنه.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الجُمُعَةِ سَاعَةً لاَ يَسْأَلُ اللهَ العَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلا آتَاهُ الله إِيَّاه»، قالوا: يا رسول الله، أية ساعة هي؟ قال: «حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ إِلَى انْصِرَافٍ مِنْهَا» رواه الترمذي وابن ماجه عن عمرو بن عوف رضي الله عنه.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ابْتَغُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي الْجُمُعَةِ بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، وَهِيَ قَدْرُ هَذَا»، يقول: قبضة. رواه الطبراني في "الكبير".
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي كُنْتُ قَدْ أُعْلِمْتُهَا -يعني ساعة الجمعة-، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا كَمَا أُنْسِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» رواه ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه.
وأفضل الأقوال أنها الساعة التي بين أذان الجمعة وانقضاء الصلاة، أو الساعة التي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، فكل واحدة من هاتين الساعتين تُرجى فيها إجابة الدعاء؛ قال الإمام أحمد: أكثر الأحاديث في الساعة التي تُرجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر، وتُرجى بعد زوال الشمس. انظر: "سنن الترمذي" (2/ 360، ط. مصطفى الحلبي).
فتحديد وقت إجابة الدعاء في يوم الجمعة مسألة خلافية، حتى إن من رجَّح قولًا معيَّنًا لم يحكم على باقي الأقوال بالتخطئة، وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 422): [وسلك صاحب الهدى مسلكًا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دلَّ على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر: الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين، وسبق إلى نحو ذلك أحمد، وهو أولى في طريق الجمع، وقال ابن المنير في الحاشية: إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بيَّن لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها] اهـ.
فالتقيد بوقت محدِّد والتشبث به على أنه وقت الإجابة يوم الجمعة وإنكار كون باقي الأوقات فيه وقتًا للإجابة؛ غير سديد، فينبغي للعبد أن يكون مثابرًا على الدعاء في اليوم كله فيعظم بذلك الأجر.
حكم الدعاء بين الخطبتين
لا بأس بالدعاء عندما يجلس الإمام بين الخطبتين، فهذا الوقت داخل فيما قيل إنه ساعة الإجابة يوم الجمعة، يعني بين أذان الجمعة وانقضاء الصلاة، فعلى هذا يكون الدعاء أثناء جلسة الإمام بين الخطبتين مشروعًا لإصابة ساعة الإجابة على رأيٍ، ولا ينبغي الإنكار على من يفعل ذلك أو يتركه، فالمسألة خلافية لا حَجر فيها على رأي بعينه أو قول بذاته.
ماذا يقول المصلي بين الخطبتين في صلاة الجمعة؟
"ليس هناك ذكر مخصوص أو دعاء مخصوص، لكن يدعو الإنسان بما أحب، وذلك لأن هذا الوقت وقت إجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ( أن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ). وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى ( أنها ما بين خروج الإمام - يعني دخوله المسجد - إلى أن تقضى الصلاة ).
حكم رفع اليدين في الدعاء بين خطبتي الجمعة
رفع اليدين عند الدعاء، في المواضع التي يشرع فيها، ليس بواجب، لكنه سنة، والأصل رفع الداعي يديه عند الدعاء؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا، خائبتين. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
فلا يُخرج عن هذا الأصل، إلا في الحالات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الدعاء فيها في ملأ من الناس، ولم ينقل عنه أنه رفع يديه فيها كالدعاء أثناء الصلاة، وفي خطبة الجمعة في غير الاستسقاء؛ لذلك فإن الأولى للمأموم إذا دعا بين خطبتي الجمعة، أن يرفع يديه لبقائه على الأصل، وهو استحباب رفع اليدين عند الدعاء، ولعدم وجود نص مانع.
جاء في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين -رحمه الله-: وإن دعوا بين الخطبتين بدعاء يختارونه، فهذا حسن؛ لأن هذا الوقت من الأوقات التي ترجى فيها إجابة الدعاء. اهـ.
وإذا ثبتت مشروعية الدعاء بين الخطبتين، فإن الأصل رفع اليدين عند الدعاء؛ لعموم الأدلة السابقة، ولعدم اطلاعنا على نهي عنه.