مباراة صربيا وسويسرا تجدد الصراع حول كوسوفو مجددا ( تقرير )
تحولت مباراة صربيا وسويسرا أمس الجمعة، بالجولة الأخيرة من دور المجموعات في مونديال قطر إلى أحد أبرز المواجهات الجيوسياسية في كرة القدم.
والتقى الفريقان في نفس المرحلة من كأس العالم في نسخته الماضية في روسيا، وخيم عليها التوتر بعد تسجيل لاعب الجناح السويسري المولود في كوسوفو، شيردان شاكيري، هدف الفوز في اللحظة الأخيرة الذي أقصى صربيا من المنافسة وضمن تقدم سويسرا إلى الجولة التالية، وفقا لمجلة فورين بوليسي الأمريكية.
وعندما سجل شاكيري وشاكا هدفي الفوز في روسيا احتفلا بتشكيل علامة نسر برأسين تكريمًا للعلم الألباني، ما أثار غضب لاعبي المنتخب الصربي، وتسبب في نشوب مشاجرة وأثار جدلًا واسعا والعديد من تحقيقات الفيفا في سوء سلوك اللاعبين.
وبحسب المجلة، فقد تركزت خطوط الصدع في مباراة صربيا وسويسرا أمس، كما كان الحال قبل أربع سنوات، على رفض بلجراد قبول استقلال كوسوفو بعد انفصالها أحادي الجانب عن صربيا قبل 14 عامًا.
وأشارت إلى أنه منذ الاجتماع السابق بين الجانبين في كالينينغراد، لم تتطور المواجهة الدبلوماسية بين صربيا وكوسوفو، لكن العداوات العرقية المستمرة بين الجانبين عادت للظهور في مونديال قطر، ما هدد بتحويل مباراة ليلة أمس إلى برميل بارود.
وقبل مباراتهم الافتتاحية ضد البرازيل، قرر الفريق الصربي تعليق لافتة تحمل صورة كوسوفو مغطاة بالعلم الصربي وعبارة "لا استسلام"، وهي عبارة شائعة بين القوميين ودائما ما تظهر في مباريات كرة القدم واحتجاجات اليمين المتطرف في صربيا. وقد شوهد دانيلو فوتشيتش، نجل الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، وهو يرتدي قميص "لا استسلام" في المباراة السابقة في عام 2018.
وأعلن الفيفا على الفور عن فتح تحقيق في علم صربيا، والذي من المرجح أن يؤدي إلى غرامة مالية على اتحاد كرة القدم الصربي. لكن هذا لا يعني أن أي من هذا سيتغير. ولأنه في كرة القدم، كما هو الحال في السياسة، فغالبًا ما تفوق السعادة الناتجة عن تجريع الخصم الهزيمة فوائد الفوز. وربما كان هذا هو السبب في استحالة حل النزاع بين صربيا وكوسوفو.
وأشارت المجلة إلى أنه في عام 2020، بدا فوتشيتش ونظيره في بريشتينا، هاشم تاتشي، مستعدين للتوصل إلى اتفاق، حيث سرت شائعات باستعداد المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البلقان، ريتشارد جرينيل، لمنح الضوء الأخضر لمقترح تبادل الأراضي المثير للجدل والذي من شأنه إعادة رسم خرائط البلدين على أسس عرقية من خلال التنازل الجزء الذي يضم الأغلبية الصربية في شمال كوسوفو مقابل شريحة ذات أغلبية ألبانية من جنوب صربيا.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها بلغراد أي استعداد حقيقي للانخراط في قرار مقترح. لكن الاتحاد الأوروبي تحرك بسرعة لنسف الاتفاق بسبب مخاوف بروكسل أن يؤدي ذلك إلى نزاعات حدودية عرقية جديدة في البلقان.
وحينها، أعلن مكتب المدعي العام المتخصص في لاهاي تقديم لائحة اتهام إلى الدوائر المتخصصة في كوسوفو تتهم ثاتشي، زعيم حرب عصابات سابق، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال حرب كوسوفو.
وعلى إثر ذلك استقال ثاتشي وانتهى تفويض غرينيل بسبب هزيمة الرئيس الأمريكيالسابق دونالد ترامب في انتخابات عام 2020، والتي قضت على مقترح تبادل الأراضي إلى الأبد.
وترى المجلة أن الفشل الدائم في تطبيع العلاقات بين الجانبين ينبع من حقيقة تعامل المفاوضين الدوليين مع الأزمة باعتبارها معادلة يمكن حلها عبر مزيج مقبول من الدبلوماسية والسياسة. لكن موقف صربيا لا يمكن فهمه إلا إذا تم النظر إليه باعتباره قضية نفسية سياسية.
فمنذ البداية، حاولت بروكسل تحفيز بلغراد على الاعتراف باستقلال كوسوفو مقابل مزايا سياسية واقتصادية مثل عضوية الاتحاد الأوروبي. لكن استطلاعات الرأي أظهرت أن الغالبية العظمى من الناخبين الصرب سيرفضون هذه المقايضة إذا تم طرحها للتصويت.
وخصلت المجلة إلى أن الصرب يهيمن عليهم دافع عاطفي يسمى "إينات" ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره سمة أساسية من سمات الشخصية الوطنية. ويعني هذا المصطلح أن الشعب الصربي يسعد دائما بمشاهدة مصائب الآخرين لتسهل عليهم تحمل نضالاتهم. وعلى النقيض من ذلك، فإن رؤية ازدهار جارتهم سيكون مصدر إحباط لهم.