الشيخ أحمد علي تركي يكتب: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ
حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَبِيِّهِ هارون أنه قال لأخيه نبي الله موسى عليهما السلام:
{فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ}
[الأعراف: 150]
يعني : بالإساءة إليَّ ، فأنت إذا أسأتَ إليَّ سوف تُشْمِتُ بي الأعداءَ .
فقالَ موسى عليه السلام :
(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي)
لِيُرْضِيَ أخاهُ ، ويُظْهِرَ لأهلِ الشماتةِ رِضَاهُ عنهُ ، فلَا تَتِمُّ لَهُم شماتَتُهم ، واستَغْفَرَ لِنَفْسِه ممَّا فَرَطَ منه إلى أخِيه.
وَقِيلَ لِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
أَيُّ شَيْءٍ مِنْ بَلَائِكَ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْكَ؟
قَالَ: شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ .
والشماتة :
سرور الأعداء وفرحهم بما يصيب الإنسانَ من البلايا والمِحَن.
وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَدْعُو :
«اللَّهُمَّ لَا تُشْمِتْ بِي عَدُوًّا حَاسِدًا».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
«تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ ، وَدَرْكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ».
و«كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ ، وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ ، وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ» .
ويقول :
«اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ».
وشماتةُ الأعداءِ ممَّا يَنْكَأُ القلْبَ ، ويَبْلُغُ مِنَ النَّفْسِ أشَدَّ مَبْلَغٍ .
ويكفي أن نبياً من الأنبياء وهو هارون عليه السلام كان يَحْذَرُ شماتةَ الأعداء ، وأنَّ نَبِيَّنَا الأَنْوَرَ عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ بالله منها .
قال أبو حَيَّانَ التَّوْحيدي :
لَو مَسَحَ القِفَارَ [الصَّحَارِي] ونَزَحَ البِحَارَ ، وأَحْصَى القِطَارَ [المَطَرَ] لَوَجَدَها أَهْوَنَ مِن شماتةِ الأعداءِ ، خاصةً إذا كانوا مُساهِمِينَ في النَّسَبِ ، أو مُجَاوِرِينَ في بَلَدٍ .
وقد مَرِضَ التابعي الجليل أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ الإِمَامُ ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ بالشام ...
فَأَتَاهُ الخليفة الراشد عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَعُودُهُ .
فَقَالَ : يَا أبا قِلابَةَ ، تَشَدَّدْ ، لا يَشْمَتْ بِنَا الْمُنَافِقُونَ .
وكما يقول الشاعر :
كُلُّ الْمَصَائِبِ قَدْ تَمُرُّ عَلَى الْفَتَى
فَتَهُونُ غَيْرَ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ
إنَّ المَصَائِبَ تَنْقَضِي أيَّامُها
وشماتةُ الأعداءِ بالمرْصَادِ
وقال آخَرُ :
لَا تُظْهِرَنَّ لِعَاذِلٍ أَوْ عَاذِرٍ
حَالَيْكَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
فَلِرَحْمَةِ الْمُتَوَجِّعِينَ مَرَارَةٌ
فِي الْقَلْبِ مِثْلُ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ
ويقال للشامتين ما أنشده الشاعر:
إذَا مَا الدَّهْرُ جَرَّ عَلَى أُنَاسٍ
حَوَادِثَهُ ، أَنَاخَ بِآخَرِينَا
فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا : أَفِيقُوا
سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ مَا لَقِينَا
وقد جاء في الحديث الشريف :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
«لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَبْتَلِيكَ».
أَعَاذَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ ، ومِن كلِّ بلاءٍٍ ، ونسألُه العافيةَ مِن كلِّ نازِلَةٍ وطَارِقَةٍ ، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ غِيَرِ الزَّمَانِ .