جريدة الديار
السبت 23 نوفمبر 2024 11:15 مـ 22 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

زي النهاردة.. ولدت أول مؤلفة موسيقية مصرية بهيجة حافظ

يحل اليوم ٤ أغسطس ذكرى ميلاد بهيجة إسماعيل محمد حافظ باشا أول امرأة قامت بتأليف الموسيقى التصويرية للأفلام في السينما المصرية وكانت من أوائل الرائدات في صناعة السينما وأكثرهن تثقيفًا.

تنتمي بهيجة إلي عائلة عريقة وكانت أيضا تهتم بالموسيقى حيث كان والدها إسماعيل باشا حافظ الذي كان ناظرا الخاصة السلطانية في عهد السلطان حسين كامل، وكان إسماعيل باشا هاوياً للموسيقى، وقد مارس تأليف الأغاني وتلحينها، وكان يعزف على العود، والقانون، والرق، والبيانو، وكانت والدتها تعزف على الكمان والفيولنسيل، بينما أخوتها يعزفون على الآلات المختلفة، أما بهيجة فكانت تعزف على البيانو.

ولدت بهيجة حافظ في ٤ اغسطس عام ١٩٠٨ بحي محرم بك بالإسكندرية ودرست في مدرسة الفرنسيسكان ومدرسة الميردي ديو، ثم سافرت إلى فرنسا عندما كان عمرها 15 عامًا وحصلت على شهادة جامعية من الكونسرفتوار في الموسيقى عام ١٩٣٠.

كان يتردد علي قصرهم المايسترو الإيطالي جيوفاني بورجيزى بحكم صداقته لوالدها فدرست علي يديه قواعد الموسيقى الغربية حيث عزفت علي البيانو وهي في الرابعه من عمرها، وألفت اول مقطوعه موسيقيه لها وهي في التاسعة من عمرها ومن كثرة إعجاب والدها بالمقطوعه أسماها بهيجة، ثم ألفت مقطوعتين بعدها واحدة بعنوان وحي الشرق والثانية بعنوان معلهشي.

حصلت على دبلوم الموسيقى من فرنسا، ثم درست الإخراج والمونتاج في برلين، وكانت أول مصرية تنضم لجمعية المؤلفين في باريس. ظهرت أول أسطوانة لها في الأسواق عام ١٩٢٦، وفي عام ١٩٣٧ كان لها السبق في إنشاء أول نقابة للمهن الموسيقية.

بعد أن نالت شهرة في عالم الموسيقى، كأول سيدة مصرية تقتحم هذا الميدان، نُشرت صورتها في مجلة المستقبل التي كان يصدرها إسماعيل وهبي المحامي شقيق الفنان الراحل يوسف وهبي، وقد نُشرت صورتها على غلاف المجلة، بالبرقع والطرحة، وكُتب تحتها عبارة أول مؤلفة موسيقية مصرية، حينها كان محمد كريم يبحث عن بطلة لفيلمه الأول زينب بعد أن رفض يوسف وهبي قيام الفنانة أمينة رزق بالبطولة.

لفتت فتاة الغلاف انتباه محمد كريم، فعرض عليها بطولة الفيلم، ورحبَّت بالعمل في السينما بالرغم من معارضة أسرتها الشديدة، لدرجة أن شقيقتها وقفت في السرادق حينها تتلقى العزاء فيها.

ولم تكتف بهيجة حافظ ببطولة الفيلم، بل قامت أيضاً بوضع الموسيقى التصويرية له، والتي تتكون من اثنتي عشرة مقطوعة موسيقية.

أنشأت بهيجة حافظ شركة إنتاج سينمائي تحت اسم فنار فيلم وأنتجت وأخرجت فيلم ليلى بنت الصحراء والضحايا، كما أخرجت أفلام ليلى البدوية، الذي كان أول فيلم مصري ناطق يعرض في مهرجان برلين السينمائي الدولي وينال جائزة ذهبية.

يذكر في مسيرة بهيجة حافظ السينمائية إجادتها لكل العناصر السينمائية، فإلى جانب التمثيل والإنتاج والموسيقى التصويرية كانت بارعة في تصميم الأزياء والإخراج، الذي اتجهت إليه بعد اختلافها مع المخرج ماريو فولبى.

فأخرجت فيلم ليلى بنت الصحراء الذي يمثل حدثاً تاريخياً في الأوساط السينمائية في ذلك الوقت لما تضمنه من ديكورات ضخمة وأزياء شدت المتفرج وخاصة ملابس البطلة، فضلاً عن الموضوع الذي كان جديداً على السينما المصرية.

وكان أول فيلم مصرى يستخدم اللغة العربية الفصحى بسهولة وسلاسة، وشارك في بطولته حسين رياض، وزكي رستم، وعبد المجيد شكرى، وراقية إبراهيم، وقد رشح هذا الفيلم للعرض في مهرجان البندقية عام 1938، ولكنه مُنع في آخر لحظة لصدور قرار بمنع عرضه داخلياً وخارجياً لما تضمنه من إساءة إلى تاريخ كسرى أنوشروان ملك الفرس وذلك بناء على شكوى واعتراض من الحكومة الإيرانية.

وعلى الرغم من مكانة هذا الفيلم في تاريخ السينما المصرية إلا أنه كان السبب في إفلاس شركة فنار فيلم واضطرت بهيجة حافظ للتوقف عن الإنتاج لمدة تصل إلى عشر سنوات نظراً لما تكبدته من خسائر نتيجة منع عرضه ومصادرته.

عادت شركة فنار فيلم إلى الإنتاج بعد مُضي عشرة أعوام من التوقف، لتنتج فيلم زهرة السوق ١٩٤٧ وهو من إخراج حسين فوزي، وأكمل إخراجه المونتير كمال أبو العلا، وكتبت بهيجة حافظ قصته، وعهدت إلى إبراهيم حسين العقاد بكتابة السيناريو والحوار، وقامت فيه بدوري بهيجة وزهرة مع أحمد منصور، وكمال حسين وعلوية جميل وعبد الفتاح القصري، واشترك فيه بالغناء المطرب اللبناني الراحل وديع الصافي وكان وقتها مطرباً مغموراً.

وضم الفيلم مجموعة من الأغنيات قامت بهيجة بتلحينها، إضافة إلى وضع الموسيقى التصويرية للفيلم وبالرغم من أن الفيلم قد ضم مجموعة من كبار النجوم والوجوه الجديدة، إلا أن الحظ في النجاح لم يحالفه، وكان سبباً في خسارة بهيجة حافظ وإشهار إفلاسها في ذلك الوقت وكانت بالفعل صدمة كبيرة لها جعلتها تتوقف نهائياً عن الإنتاج السينمائي، لتكون نهاية مؤسفة لقصة كفاح رائدة من رائدات السينما المصرية.

ولم تظهر بهيجة حافظ مرة أخرى في السينما ألا في دور قصير من فيلم القاهرة 30 عام 1968، وذلك عندما اختارها المخرج صلاح أبو سيف لتقوم بدور الأميرة السابقة شويكار.

أنشأت بهيجة حافظ في عام 1937 أول نقابة عمالية للموسيقيين وظلت هذه النقابة قائمة حتى عام 1954، كما أنشأت صالونها الثقافي الخاص عام 1959 داخل قصرها المجاور لقصر هدى شعراوى في شارع قصر النيل والذي كان له نشاط ثقافي وفني بارز وكان من بين حضوره الفنان محمد القصبجى، وقد كانت تلك الندوات فنية غنائية حيث كانت بهيجة حافظ تعزف على البيانو الأغنيات القديمة وأيضًا حديثة العهد.

وكانت الندوات لا تخلو من الشعراء من بينهم علي الجنبلاطي، وروحية القليني وكانت لديها مكتبة زاخرة بشتى الكتب عن الفن أو الأدب باللغتين العربية والفرنسية.

كانت بهيجة حافظ أول مصرية تُقبل عضوةً في جمعية المؤلفين بباريس، وتحصل علي حق الأداء العلني لمؤلفاتها الموسيقية، إلا أن المكتبة الفنية المصرية لا تملك تسجيلات لهذه المؤلفات، ولم تُقدم أفلاماً توثق مسيرة هذه الرائدة سوى فيلم أنتجه المخرج العالمي يوسف شاهين يحمل اسم عاشقات السينما من إخراج ماريان خوري، يتناول مسيرة عدد من نساء السينما الأوائل، مثل بهيجة حافظ، وعزيزة أمير، وفاطمة رشدي، اَسيا داغر، ماري كويني، وكان الفيلم ضمن مشروع سينمائي اسمه نساء رائدات.

فضلًا عن الفيلم، خصصت لها الكاتبة اللبنانية منى غندور، جانبًا من توثيقها لمرحلة بناء السينما على عاتق الرعيل الأول من السينمائيات المصريات في كتاب سلطانات الشاشة.

ظلَّت بهيجة حافظ طريحة الفراش لسنوات طويلة، لا يطرق بابها إلا القليل من معارفها، حتى اكتشف الجيران وفاتها بعد يومين من حدوث الوفاة حيث توفيت في ١٣ ديسمبر ١٩٨٣ وحضرت شقيقتها سومة وابن شقيقها من الإسكندرية وقد شُيّعت لمثواها الأخير دون أن يمشي في جنازتها أحدًا من الفنانين ودُفنت في مدافن الأسرة في القاهرة، ولم يتم كتابة النعي في الصحف أو حتى إقامة العزاء ليلاً.