الشيخ أحمد علي تركي يكتب: مِنْ دُرُوسِ عِبَادَةِ الْحَجِّ
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَنَا عَنْ دُرُوسٍ بَاهِرَاتٍ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ عِبَادَاتِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِ .
وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ الْجَلِيلَةُ مَدْرَسَةٌ لَا تَنْقَضِي دُرُوسُهَا وَلَا تَنْتَهِي الِاسْتِفَادَةُ مِنْ مَعَالِمِهَا.
#مِنْ دُرُوسِ عِبَادَةِ الْحَجِّ :
#تَعَلُّمُ إِخْلَاصِ النِّيَّةِ :
هَذِهِ الْعِبَادَةُ الْعَظِيمَةُ تُعَلِّمُ الْإِنْسَانَ إِخْلَاصَ النِّيَّةِ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَنْوِي فِيهِ الْحَاجُّ عَاقِدًا نِيَّتَهُ عَلَى الرَّحِيلِ يَأْمُرُهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُطِيبَ النَّفَقَةَ .
فعن أَبى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ تَعَالَى :
{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
[المؤمنون: 51]
وَقَالَ اللهُ :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
[البقرة: 172]
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّسُولُ ﷺ :
الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَقُولُ : يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ .
مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي يُرِيدُ فِيهِ الْإِنْسَانُ أَنْ يَحُجَّ إِلَى بَيْتِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؛ عَلَيْهِ أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهُ لِلهِ جَلَّ وَعَلَا فَالْحَجُّ يُعَلِّمُ الْمُسْلِمَ كَيْفَ يُخْلِصُ النِّيَّةَ لِلهِ وَأَنْ يُطِيبَ النَّفَقَةَ وَأَنْ يُحَصِّلَ مِنْ حَلَالٍ .
#مِنْ دُرُوسِ الْحَجِّ الْعَظِيمَةِ :
#حُسْنُ الْخُلُقِ وَضَبْطُ الْأَلْسِنَةِ :
النَّبِيُّ ﷺ عَلَّمَنَا أَنَّ مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ ؛ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ .
النَّبِيُّ ﷺ يُعَلِّمُنَا كَيْفَ يَضْبِطُ الْإِنْسَانُ لِسَانَهُ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَكُونَ مُتَحَكِّمًا فِي جَوَارِحِهِ يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ :
مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ .
لِذَلِكَ يَأْمُرُنَا الرَّسُولُ ﷺ بِضَبْطِ اللِّسَانِ حَتَّى لَا تَقَعَ الْكَلِمَةُ إِلَّا عَلَى وَجْهِهَا الصَّحِيحِ .
#مِنْ دُرُوسِ الْحَجِّ طِيبِ الْكَلَامِ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ :
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ :
الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ مِنْ جَزَاءٍ إِلَّا الْجَنَّةُ .
قَالَ ﷺ :
الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ .
قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا بِرُّ الْحَجِّ ؟
أى : كَيْفَ يَكُونُ الْحَجُّ مَبْرُورًا مَقْبُولًا عِنْدَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا
قَالَ : إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَطِيبُ الْكَلَامِ .
وفي رواية :
إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ .
#بَيَانُ عِظَمِ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ :
النَّبِيُّ ﷺ كَانَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَنَظَرَ إِلَى الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ ثُمَّ قَالَ:
مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ !
مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ !
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ .
النَّبِيُّ ﷺ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنَّهَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حُرْمَةً مِنَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ فِي حُرْمَتِهَا عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ :
لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَكَبَّهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي النَّارِ .
الرَّسُولُ ﷺ كَانَتْ حَجَّتُهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَفِيهَا أَرْسَى ﷺ قَوَاعِدَ عَظِيمَةً جِدًّا ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ .
#إِعْلَانُ مَبْدَأِ الْمُسَاوَاةِ وَاجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَوَحْدَتُهُمْ :
اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ لَنَا فِي هَذَا الْحَجِّ دُرُوسًا وَعِبَرًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّكَ تَجِدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمَرْحُومَةَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ هُنَاكَ عَلَى الصَّعِيدِ فِي ثِيَابِ الْإِحْرَامِ ، وَالْقَوْمُ قَدْ أَقْبَلُوا عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ فَيَقُولُ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا .
إِنَّ اللهَ يَجْعَلُ النَّشِيدَ الْأَعْظَمَ فِي صَعِيدِ عَرَفَاتٍ كَمَا قال النَّبِيُّ ﷺ :
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
#رَبْطُ مَاضِي الْأُمَّةِ بِحَاضِرِهَا :
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَرْبِطُ مَاضِيَ الْأُمَّةِ بِحَاضِرِهَا بِمُسْتَقْبَلِهَا لِأَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَذْهَبُ إِلَى هُنَالِكَ تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَجْلِ أَيِّ شَيْءٍ ؟
لِأَنَّ أُمَّنَا الْبَارَّةَ كَانَتْ تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَبْحَثَ عَنِ الْمَاءِ لِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ وَعَلىَ نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى التَّسْلِيمِ .
هُنَالِكَ نَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَنُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَنَتَأَمَّلُ فِي تِلْكَ الْمَنَاسِكِ إِحْيَاءً لِسُنَّةِ إِبْرَاهِيمَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ :
إِنَّ جِبْرِيلَ ذَهَبَ بِإِبْرَاهِيمَ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَسَاخَ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ أَتَى بِهِ الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، فَسَاخَ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ أَتَى بِهِ الْجَمْرَةَ الْقُصْوَى ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَسَاخَ فِي الْأَرْضِ .
فَهَكَذَا تَفْعَلُونَ إِحْيَاءً لِسُنَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
#التَّسْلِيمُ الْمُطْلَقُ لِلهِ مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ :
فَإِنَّ الْمَشَاعِرَ وَمَوَاضِعَ الْأَنْسَاكِ فِي الْحَجِّ مِنْ جُمْلَةِ الْحِكَمِ فِيهَا ؛ أَنَّ فِيهَا تَذْكِيرَاتٍ بِمَقَامَاتِ الْخَلِيلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فِي عِبَادَاتِ رَبِّهِمْ وَإِيمَانًا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ، وَحَثًّا عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمُ الدِّينِيَّةِ ، وَكُلُّ أَحْوَالِ الرُّسُلِ دِينِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
{وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}
[البقرة: 125]
وَهَذَا نَبِيُّكُمْ ﷺ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قال :
خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ .
وَإِنَّ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَزَمَ ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ وَهُوَ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ .
فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ الطَّيِّبَةِ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتُوبَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَرْفَعَ الْكَرْبَ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِ أَبْنَائِهَا وَأَنْ يَجْمَعَ شَمْلَهَا وَأَنْ يُوَحِّدَ صُفُوفَهَا وَأَنْ يَرْفَعَ رَايَتَهَا .