الغزو الروسي لأوكرانيا يشعل حرب أنابيب الغاز بين المغرب والجزائر
دخلت المغرب والجزائر في معركة كسرعظم عنوانها أنابيب الغاز، وخلفيتها الصراع حول الصحراء الغربية - حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا ، وهى معركة أججها انفجار أسعار الطاقة العالمية وبحث أوروبا على عجل عن تنويع مصادرها من الطاقة.
ويتسابق البلدان المغاربيان الشقيقان للظفر بغاز نيجيريا عبر أنبوبين متنافسين: الأول عابر للصحراء يمر بالنيجر والجزائر، وتعود فكرة إنشائه لسبعينيات القرن الماضي، قبل أن توثق رسميا بين البلدين عام 2002؛ غير أن التنفيذ ظل يتعثر إلى يومنا هذا. أما مشروع الأنبوب الثاني فينطلق من نيجيريا أيضا ليعبر12 بلدا في غرب إفريقيا قبل أن يصل إلى المغرب ثم أوروبا. ومن المفارقات أن نيجيريا لا تنظر إلى المشروعين من زاوية المنافسة، ولكنها ترى فيهما وسيلتين متكاملتين لإيصال غازها إلى الأسواق الأوروبية.
ويبدو أن المشروع المغربي قد سجل نقاطا على حساب قرينه الجزائري، بعدما أعلن وزير النفط النيجيري أن بلاده والمغرب يعملان لاستكمال البحث عن رساميل لتمويل مشروع خط الأنابيب العملاق بين البلدين. إعلان نيجيريا جاء في وقت دقيق وحساس تثير فيه احتياطات الغاز بالقارة السمراء شهية الأسواق الأوروبية، كبديل محتمل لإمدادات الغاز الروسية. فكرة الأنبوب المغربي النيجيري حديثة العهد، وتعود لعام 2016 خلال زيارة العاهل المغربي محمد السادس لنيجيريا، حيث تم التوقيع على المشروع بالأحرف الأولى مع الرئيس النيجيري محمد بخاري. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "نويه تسوريخر تسايتونغ" السويسرية (30 أبريل 2022) معلقة "للوهلة الأولى تبدو نيجيريا بشكل خاص كمنقذ محتمل لأوروبا، وهي التي تعتبر ثاني أكبر مُصدر للغاز في إفريقيا وتملك أكبر الاحتياطيات ، كما أنها تملك مشاريع ملموسة للتصدير إلى أوروبا". غير أن طريق هذه المشاريع لن تكون مفروشة بالورود، ليس فقط بسبب تعقيداتها الفنية، ولكن أيضا لارتباطها باعتبارات جيوسياسية واستراتيجية.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا بحوالي 40 بالمائة من احتياجاته من الغاز وثلث احتياجاته من النفط، غير أن روسيا دأبت على استعمال الطاقة كسلاح سياسي، كما ظهر جليا بعد غزوها لأوكرانيا والذي كان له وقع الزلزال الجيوسياسي على الاتحاد الأوروبي، ما دفع بروكسل إلى بلورة أجندة على وجه السرعة لتنويع مصادرها من الطاقة. وبحكم موقعها الجغرافي، تحولت إفريقيا إلى نقطة جذب بهذا الصدد.
ويذكر أن القمة الأوروبية الإفريقية التي عقدت في لشبونة (ديسمبر 2007) سبق وأن نصت على أهمية تكثيف التعاون بين القارتين في "قضايا الطاقة ذات الأهمية الاستراتيجية". غير أن التطورات في شرق أوروبا حولت هذا الهدف إلى أولوية عاجلة.
وهكذا عبر الاتحاد الأوروبي رسميا عن رغبته في التعاون بشكل أوثق مع الدول الإفريقية. ووفقًا لوثائق داخلية للتكتل القاري، فإن العديد من البلدان الإفريقية مثل نيجيريا والسنغال وأنغولا لديها "إمكانات غير مستغلة إلى حد كبير للغاز الطبيعي المسال".
ووفقا لوكالة بلومبيرغ، تطمح مسودة إستراتيجية الطاقة الأوروبية إلى "إعداد التجمع القاري لاستيراد 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030 لتحل محل الغاز الروسي". في سياق تفادي الوقود الأحفوري وتحقيق الحياد المناخي بحلول منتصف القرن الجاري. وفي سياق متصل، كتبت صحيفة "برلينر تسايتنوغ" الألمانية (الثالث من مايو) أن الغزو الروسي لأوكرانيا يعتبر "تحولا بمثابة زلزال بالنسبة للغاز الإفريقي". واستشهدت بخبير النفط والغاز من جامعة كيب تاون الذي قال إنه "يبدو أن إفريقيا هي الآن البديل الأكثر موثوقية لأوروبا." ويمكن لنيجيريا على وجه الخصوص أن تلعب دورًا رئيسيًا.
المشروع المغربي النيجيري
أعادت تصريحات لوزير البترول النيجيري تيميبري سيلفا مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا وأوروبا عبر دول غرب إفريقيا والمغرب إلى خارطة المشاريع العملاقة للطاقة في العالم. الوزير أكد أن المشروع سيكون امتدادا لخط أنابيب ينقل الغاز من جنوب نيجيريا إلى بينين وغانا وتوغو منذ عام 2010. واستطرد تيميبري موضحا "نريد أن نوصل خط الأنابيب نفسه إلى المغرب على طول الساحل وما زال (المشروع) قيد الدراسة". وأضاف أن هناك اهتماما دوليا كبيرا بالمشروع "لكننا لم نحدد بعد المستثمرين الذين نريد العمل معهم". مشروع نقل الغاز هذا يعبر 12 دولة على طول الساحل الأطلسي لدول غرب إفريقيا ويمتد لمسافة 5660 كيلومترا.
ورغم أن خبراء شككوا في البداية في نجاعة مشروع عملاق كهذا، غير أنه حقق عددا من الخطوات الأولية منها تمويل منحه صندوق "أوبك" للتنمية الدولية قيمته 14,3 مليون دولار، وذلك كمساهمة في تمويل الشطر الثاني من الدراسات القبلية المفصلة للمشروع. إضافة إلى إعلان نيجيريا على لسان وزيرها الوصول إلى "مرحلة التمويل". وأضاف أن "هناك اهتماما دوليا كبيرا واهتماما لمستثمرين بالمشروع، لكننا لم نختر المستثمرين بعد". وذهب إلى القول إنه حتى موسكو أبدت اهتمامها "الروس كانوا في مكتبي الأسبوع الماضي وهم مهتمون جدا بالاستثمار في هذا المشروع". غير أن الاهتمام الروسي هذا، إن تأكد، سيثير بلا شك تساؤلات حول أهدافه وغاياته في وقت تسعى فيه أوروبا للتحرر من التبعية لموسكو في مجال الطاقة.
قررت الجزائر وقف إمداد إسبانيا بالغاز عبر أنبوب عابر للمغرب في نهاية أكتوبر الماضي على خلفية أزمة دبلوماسية بشأن قضية الصحراء الغربية، سعت من خلالها الجزائر لوقف ضخ غازها إلى المغرب وحرمانه بالتالي من رسوم عبور الأنبوب عبر أراضيه. غير أن مدريد قررت بدورها، في إطار اتفاق تجاري، مساعدة المغرب بضخ الغاز بشكل عكسي في نفس الأنبوب الذي قررت الجزائر توقيف العمل به. إثر ذلك هددت الجزائر بفسخ عقد تصدير الغاز إلى إسبانيا إذا تبث أنها تعيد تصديره للمغرب.
وقالت وزارة الطاقم والمناجم الجزائرية إن "أيّ كمية من الغاز الجزائري مصدّرة إلى إسبانيا تكون وُجهتها غير تلك المنصوص عليها في العقود، ستُعتبر إخلالاً بالالتزامات التعاقدية وقد تفضي بالتالي إلى فسخ العقد الذي يربط سوناطراك (شركة النفط الجزائرية) بزبائنها الإسبان".
غير أن الرباط أكدت شراء الغاز الطبيعي المسال من الأسواق الدولية وتسليمه إلى إسبانيا لتحويله إلى غاز قبل ضخه في الأنبوب إلى المغرب، وهو ما أكدته مدريد. وتلوح الجزائر أيضا بسلاح الغاز ضد إسبانيا، بعد إقدام الأخيرة على تبني الحل الذي يطرحه المغرب (الحكم الذاتي الموسع). ويذكر أن الجزائر تعتبر الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو التي تسعى لإقامة دولة مستقلة في الإقليم المتنازع عليه. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" (14 مارس 2022) معلقة "تعرف الجزائر أيضًا كيف تستخدم صادرات الغاز كوسيلة لممارسة الضغط الدبلوماسي. وليس من قبيل الصدفة أن هذا السلوك يذكرنا بروسيا: فالجزائر تتمتع بعلاقات وثيقة مع موسكو، وهي تشتري ثلاثة أرباع أسلحتها منها منذ عقود، وامتنعت مؤخرًا عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة هجوم روسيا على أوكرانيا. على الرغم من احتياطياتها من الغاز، تعتمد الجزائر أيضًا على روسيا: شركة غازبروم المملوكة للدولة تشارك في تطوير حقول الغاز الجزائرية في الصحراء".
وتعتبر الجزائر ثالث بلد مورد للغاز لأوروبا بعد روسيا والنرويج، واستفادت من موقعها الجغرافي لتطوير بنية تحتية تقوم على شبكة من خطوط الأنابيب تربطها بأوروبا هي كالتالي:
1 ـ خط أنابيب غز "ترانسميد" الذي يربط بين الجزائر وإيطاليا بسعة تقد بـ 32 مليار متر مكعب سنويا.
2ـ أنبوب "ميدغاز" ويربط الجزائر بإسبانيا عبر البحر الأبيض المتوسط بسعة تقدر بـ 8 مليار متر مكعب في السنة، وهو أبوب دخل الخدمة عام 2011.
3ـ الخط المغاربي الأوروبي ويصل إلى إسبانيا عبر المغرب، بسعة تصديرية قدرها 13 مليار متر مكعب سنويا. وهو الخط الذي رفضت الجزائر تجديد تعاقده في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بسبب خلافاتها السياسية مع المغرب.
وإضافة إلى ذلك هناك مشروعين إضافيين غير مؤكدين، الأول يتعلق بخط "غالسي" والذي اتفق عليه مع الجانب الإيطالي عام 2007 وكان من المفترض أن يربط الجزائر بسردينيا عبر تونس بسعة سنوية قدرها 8 مليارات متر مكعب. وتم تأجيل هذا المشروع أكثر من مرة قبل إلغائه نهائيا. ثم هناك مشروع خط آخر (العابر للصحراء) يربط نيجيريا بأوروبا عبر النيجر والجزائر بطول 4300 كيلومتر بسعة تصل إلى 30 مليار متر مكعب سنويا. وهو مشروع لا يزال قيد الدراسة وينافس مشروعا موازيا يربط نيجيريا بأوروبا عبر غرب إفريقيا والمغرب.
الأنبوب العابر للصحراء
مشروع الأنبوب بين نيجيريا والجزائر عبر النيجر تعترضه عدد من العراقيل الفنية والصعوبات السياسية. فهناك تحديات موضوعية لها علاقة بالبيئة الصحراوية القاسية وغياب البنية التحتية واللوجستية خصوصا في النيجر. بالإضافة إلى ذلك فإن دلتا نهر النيجر التي من المقرر أن يمر منها الأنبوب، تشهد منذ 2006 تنامي الأنشطة الإجرامية، لاسيما أعمال الاختطاف التي تستهدف موظفي قطاع النفط الأجانب، إضافة إلى الصراعات السياسية التي أفرزها الخلاف في نيجيريا بين الشمال الذي يقطنه المسلمون والجنوب المكون من غالبية مسيحية. كما أن التهديدات قد تأتي أيضا من قبل مجموعات الطوارق في النيجر أو الجماعات الإسلامية في جنوب الجزائر.
كل هذه العراقيل قد تمنع إنجاز هذه المشروع في المدى المنظور على الأقل، رغم أن نيجيريا أصبحت واحدة من موردي النفط والغاز للاتحاد الأوروبي، عبر ناقلات الغاز المسال. وتشارك العديد من الشركات العالمية والأوروبية في استغلال حقول الغاز في دلتا النيجر، ووفق التقديرات فإن احتياطيات نيجيريا من الغاز تفوق خمس تريليونات متر مكعب، وهو ما يوازي استهلاك دول الاتحاد الأوروبي على مدى عشر سنوات. غير أن نيجيريا لا تمتلك بعد التكنولوجيا ولا القدرات اللازمة لاستغلال هذه الثروة.
نقلا عن موقع دويتشه ويلا الألمانى