تعرف على تأثير أزمة سلاسل الإمداد والتوريد على الاقتصاد المصري
أصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية "دراية" دراسة تحليلية تحت عنوان "أزمة سلاسل الإمداد العالمية تتفاقم وتُؤثر على الاقتصاد المصري" ترصد أبرز ملامح أزمة سلاسل الإمداد والتوريد العالمية في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها على الاقتصاد المصري.
يعرض الجزء الأول من الدراسة أسباب صدمة الاقتصاد العالمي من الحرب الروسية الأوكرانية في ضوء توقعات بأن يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تُقدر بنحو تريليون دولار، في شكل انكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحوالي 1% بنهاية عام 2022، مع زيادة التضخم العالمي بنحو 3 نقاط مئوية خلال هذا العام، نظرا لثقل اقتصادات الدول المتصارعة التي تستحوذ على حصة كبيرة من حجم الإنتاج والاستثمار والتجارة العالمية، حيث قُدِّر الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بنحو 13.8 تريليون دولار في عام 2020، ممثلًا نحو 22% من الاقتصاد العالمي.
وتبلغ واردات أوروبا للعالم أكثر من 6 تريليونات دولار، وكذلك صادراتها تتجاوز 6.5 تريليونات دولار في عام 2020، في حين ارتفع حجم تجارة روسيا الخارجية خلال 2021 إلى 789.4 مليار دولار، وبلغت صادرات السلع من روسيا 493.3 مليار دولار في زيادة بواقع 45.7% على أساس سنوي، كما بلغت الواردات 296.1 مليار دولار بزيادة سنوية بواقع 26.5%.
وذكرت الدراسة أن الحرب أثرت سلبا على حركة الاستثمارات الدولية في دول النزاع والاقتصادات المجاورة بعد إعلان مئات من الشركات العالمية العاملة في روسيا إنهاء أعمالها بها مثل شركات التكنولوجيا الأمريكية والأوروبية وسلاسل المطاعم العالمية، إلى جانب نزوح العلامات التجارية الغربية المعروفة، وتوقف بطاقات الائتمان الصادرة عن البنوك الروسية التي تستخدم أنظمة الدفع فيزا وماستركارد، مشيرة إلى أن تداعيات تفشي وباء كورونا لاتزال تُخيم على الاقتصاد العالمي، حيث ارتفعت أسعار المستهلك على مستوى العالم بنسبة 4.8%، ووصلت معدلات التضخم في الاقتصادات الناشئة لنسبة 5.8% خلال عام 2021.
كما تناولت الدراسة ملامح تأثير الحرب على أسعار المواد الخام ومتطلبات الصناعة، حيث شهدت أسعار كافة مصادر الطاقة ارتفاعًا كبيرًا، فارتفع خام برنت بنسبة 66%، والغاز الأمريكي بنسبة تتراواح ما بين 72%، 75%، بينما شهد الغاز الأوروبي ارتفاعًا بنسبة 821% عن العام الماضي، والفحم جاء مرتفعًا بنسبة 327%.
وفي الوقت ذاته ارتفعت أسعار الحبوب بالسوق العالمية لا سيما وأن روسيا وأوكرانيا، تسهمان بنحو 29% من صادرات القمح العالمية، و19% من إمدادات الذرة في العالم، و80% من صادرات زيت دوار الشمس، إلى جانب اتجاه المستوردين إلى إيجاد أسواق بديلة، جعل سعر القمح والأرز والذرة الأمريكي يرتفع بنسبة 60% و5% و21% عن الأسعار في الشهر الماضي.
وأوضحت الدراسة أبرز العوامل التي فاقمت من أزمة التوريد العالمي، وما ترتب على ذلك من ارتفاع تكلفة الشحن التجاري حيث ارتفعت أسعار وقود تشغيل السفن بنسبة 23%، وبلغت الزيادة في أسعار الشحن البحري نحو 20%، مضيفة أن الالتفاف حول المجال الجوي الروسي يكلف شركات الطيران أكثر من 34 مليون يورو أسبوعيا.
ومن جانبه، صرح الدكتور صلاح هاشم رئيس المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية "دراية" بأن الحرب الروسية الأوكرانية هى الأقسى على الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، وأن الاقتصاد المصري باعتباره منفتحا على العالم، تأثر بهذه الحرب خاصة فى ظل الموجة التضخمية العالمية التي زادت من أسعار السلع الغذائية، وتأثر مصادر النقد الأجنبي المتدفق للداخل بالتطورات الراهنة، وتوقف الوفود السياحية الروسية والأوكرانية.
وأوضح أن الأثر الأكبر يتمثل في ارتفاع أسعار السلع الغذائية خاصة القمح حيث إن حوالي 86% من واردات مصر من القمح من روسيا وأوكرانيا، ومشيدا بالتحرك السريع من قبل الدولة لاستيراد القمح من 14 دولة أخرى، وإتاحة مخزون استراتيجي يكفي لـ 5 أشهر، ومنح حافز توريد إضافي لسعر أردب القمح المحلي للموسم الزراعي الحالي لتشجيع المزارعين على توريد أكبر كمية ممكنة.
وأوضح رئيس منتدى "دراية" أن الحرب تسببت في ارتفاع معدلات التضخم المحلي، الأمر الذى دفع الدولة المصرية لاتخاذ سلسلة من الإجراءات لمواجهة موجة التضخم والتي من بينها رفع سعر الفائدة البنكية وإعداد حزمة من إجراءات الحماية الاجتماعية بقيمة 130 مليار جنيه، وأخرى للحفاظ على النشاط الاقتصادي وتشجيع الاستثمار.
وأخيرا أكدت الدراسة التي نشرت على الموقع الإلكتروني للمنتدى، أن ارتفاع أسعار الطاقة عالميا الذى يتزامن مع تصاعد الحديث الغربي عن تشديد العقوبات على روسيا، والتي قد تطال صادراتها من الغاز الطبيعي خاصة لأوروبا، يفتح الفرصة أمام الغاز المصري للحصول على حصة جيدة من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي؛ خاصة مع تزايد صادرات مصر من الغاز الطبيعي منذ عام 2018؛ حيث تحولت مصر منذ هذا العام من دولة مستوردة للغاز إلى مصدرة، وبلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3.9 مليارات دولار خلال عام 2021، بنسبة نمو 550%، وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية العام الماضي، وأوصت بالتالي:
➢ ضرورة التنسيق بين كل من السياسات النقدية فيما يتعلق بالسيطرة على التضخم والسياسات المالية فيما يتعلق بجانب تمويل عجز الموازنة العامة، وكذلك السياسات الداخلية والتي من شأنها الحفاظ على مستويات مقبولة من الدخول الحقيقة للأفراد خاصة الفئات الأولى بالرعاية للحفاظ على مستويات مقبولة من القوى الشرائية تُسهم فى الحفاظ على مستويات مقبولة من الطلب الفعال الذي يسهم فى استقرار نمو الناتج المحلى الإجمالى.
➢ الاهتمام بملفات التصنيع المحلي وتحضير قوائم من السلع النهائية والوسيطة لتدشينها فى المجمعات الصناعية المزمع افتتاحها خلال العام المالى الجاري والبالغ عددها نحو 13 مجمعاً على مستوى الجمهورية.
➢ تقديم مزيد من التسهيلات الإئتمانية لدعم المنتجين المحليين بما يسهم فى تطوير الصناعة المحلية وزيادة معدلات الإنتاج، وخفض الأثر الناتج عن تراجع سلاسل الإمداد العالمية.
➢ ضرورة العمل على استراتيجية استقطاب كبرى الشركات المؤثرة فى سلاسل الإمداد العالمية للمساهمة فى تغطية عجز الميزان التجارى من جهة وتعزيز قدرات الاقتصاد المصري إقليميا وعالمياً.