هل تنصف فتوى الكد والسعاية المرأة العاملة؟
دعا فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أمس الثلاثاء إلى ضرورة إحياء فتوى "حق الكد والسعاية" من تراثنا الإسلامي، وذلك من أجل حفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها، خاصة في ظل المستجدات العصرية.
وشدد الإمام الأكبر خلال لقائه مع وزير الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي على أن الحياة الزوجية لا تبنى على الحقوق والواجبات ولكن على الود والمحبة والمواقف التي يساند الزوج فيها زوجته وتكون الزوجة فيها سندا لزوجها، لبناء أسرة صالحة وقادرة على البناء والإسهام في رقي وتقدم مجتمعها، وتربية أجيال قادرة على البذل والعطاء.
فتوى حق الكد والسعاية
ويعني حق الكد والسعاية للمرأة مساهمة المرأة في زيادة ثروة أسرتها، سواء كان براتب عملها أو ببنائها منزلًا لأسرتها أو من خلال امتلاكها لشركة أو محلات خاصة بها.
والكد والسعاية للمرأة سواء كان من عملها أو ميراثها، أو ذمة مالية قديمة قبل زواجها، قد منحتها لزوجها أو فتحت له حسابًا في البنك، يقدر هذا المال كذمة مالية مستقلة للزوجة، بعيدًا عن الميراث، بمعنى أنه لا يحق للورثة مشاركة الزوجة في هذا المال.
وشرح الدكتور أسامة الحديدي، المدير التنفيذى لمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، معنى الكد والسعاية قائلا:"إذا رحل الزوج ولم يكن هناك ما يثبت حق المرأة في الكد والسعاية يقدر بتقدير الزوجة"، مضيفا أن هذا كان أحد مخرجات مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر الإسلامي في عام ٢٠١٩ برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي.
ودعا الحديدي إلى وجوب إعادة العمل بفتوى الكد والسعاية، كما أكد دور التشريع والمجالس العرفية في الترضية بين الزوجة والورثة، مضيفا أن الجهات التشريعية والمنوط بها مجلس النواب هي المعنية بإعادة العمل في الكد والسعاية، مؤكدا وجوده في التراث القديم واهتمام الرسول الكريم به ومن بعده الصحابة.
شروط تطبيق فتوى الكد والسعاية
وتنص فتوى "حق الكد والسعاية"، التي أفتى بها الفقيه المغربي ابن عرضون في القرن السادس عشر الميلادي، على أن المرأة تحصل على نصف ثروة زوجها التي حققها أثناء ارتباطه بها، وأن تأخذ في الوقت ذاته نصيبها من الميراث في حالة وفاة الزوج، بعدما سئل عن نصيب الزوجة من المال والثروة التي شاركت في تكوينها مع الرجل بعد وفاته أو تطليقها، إذا كانت من النساء اللائي يخرجن مع أزواجهن إلى الحقول ويزرَعن ويحصدن وتكون أيديهن بأيدي الرجال.
وسبق أن دعا شيخ الأزهر في برنامجه الرمضاني قبل ثلاثة أعوام إلى تنظيم مؤتمر تُدْعَى فيه المجامع الفقهية من أجل تدارس اعتماد فتوى "حق الكد والسعاية".
وقال آنذاك، إن إفتاء الفقيه ابن عرضون بأخذ المرأة نصف مال زوجها، لأنها "كانت شريكة في هذه الثروة وبناء هذا المال، فكانت تحرث وتزرع وتسقي وتحصد”، مجددًا بأنه "لا ينادي بهذا الكلام الآن"، بل ينادي "بفتح هذه الفتوى والبحث فيها، نظرًا لأن الفقهاء الذين جاؤوا بعد ذلك رفضوها، وقالوا إنها خاصة بنساء البوادي؛ لأنه كان من عادتهن في ذلك الوقت أن يذهبن مع الأزواج من أجل الكسب”، قبل أن يستدرك موضّحا أن “هذه الحالة نفسها موجودة اليوم".
وأضاف، إنه "في بلاد أخرى ربما ينام الرجل في البيت، والمرأةُ هي التي تباشر الزرع والمدخول والمحصول"، موضحًا أنه في تلك الحالة "لا يكون فرق بينها وبين امرأة البادية"، التي أفتى لها ابن عرضون بأخذ نصف ما للزوج الذي طلّقها أو مات عنها، ليكون الميراث في النصف الآخر.
حقوق الزوجة في فتوى الكد والسعاية
وذكر الطيب أنه سمع عن بعض الوظائف والأعمال التي تقوم بها المرأة، ضاربًا مثالًا بزوجين يعملان في بيت واحد، فيقوم الزوج بحراسة البيت وتخدم زوجته السكان؛ وهو ما يعني أن "المال الذي يُكسب من هذا العمل يأتي بعرق الزوجة؛ فهي التي كونته رغم أن الزوج يعمل أيضًا"، كما قد تعمل امرأة في البيوت والزوج جالس في المقهى، وهو ما يرى أنه لا يمكن معه أن يقول بأخذه كل المال إذا طلّق زوجته، منتهيًا إلى أن "المفروض النظر في هذا الأمر".
وتعتمد فتوى الكد والسعاية على واقعة حدثت في زمن عمر بن الخطاب ففي عهد خلافته توفى عمر بن الحارث الذي كان زوج لامرأة هي حبيبة بنت زريق، وكانت حبيبة نساجة طرازة، وكان زوجها يتاجر فيما تنتجه وتصلحه حتى اكتسبوا من جراء ذلك مالا وفيرا.
ولما مات الزوج وترك المال والعقار فإن أولياءه تسلموا مفاتيح الخزائن، إلا أن الزوجة نازعتهم في ذلك، وحين اختصموا إلى عمر بن الخطاب فإنه قضى لها بنصف المال وبالإرث في الباقي.