بعد الإنتخابات..التحالفات طوق النجاة للإستقرار و تشكيل الحكومة بالعراق
جاءت بشكل مبكر، استجابة لمطالب المحتاجين، إلا إنها دفعت لمزيد من الاحتجاجات ، واشغلت فتيل الاحتجاجات في أنحاء العراق.
فقد أقيمت الانتخابات البرلمانية العراقية في مطلع الشهر الجاري ،بشكل مبكر بدلاً من أن تقام في 2022، وذلك بعد موجات غضب شعبي ضربت العراق.
حيث دُعيَ نحو 25 مليون شخص يحق لهم التصويت ،للإختيار بين أكثر من 3200 مرشح، لكن نسبة المشاركة بلغت نحو 41 في المئة، من بين أكثر من 22 مليون ناخب مسجل، وفق ما أعلنته المفوضية العليا للانتخابات.
لكن ما لم يكن في الحسبان أن الانتخابات، لم تأتي بالتهدئة بل زادت من إشتعال الأوضاع على الأرض، حيث خرج العراقيين في بغداد و عدد من المدن العراقية، للإعتراض على نتائج الإنتخابات.
وذلك بعدما شكلت النتائج الأولية للإنتخابات مفاجأة مدوية ، وذلك بعدما جاءت بعيد عن توقعات الكثيرين ،حيث قلصت تواجد كتل و صعدت أخري .
فقد أظهرت النتائج حصول التيار الصدري على المرتبة الأولى بعدد مقاعد بلغ 73، فيما جاء في المرتبة الثانية تحالف "تقدم" برئاسة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي بعدد مقاعد 43، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بعدد مقاعد 32، ثم دولة القانون برئاسة رئيس حزب الدعوة الإسلامي نوري المالكي.
وذلك في الوقت الذي حصلت الفصائل المنضوية تحت تحالف الفتح برئاسة زعيم منظمة بدر هادي العامري، على نتائج غير متوقعة، حيث تكبدت خسارة كبيرة، بحصولها على نحو 13 مقعداً، فقط نزولاً من 48 مقعداً خلال انتخابات عام 2018.
وقد أظهرت النتائج خسارة عدد من الأحزاب والكيانات الشيعية لمقاعدها في البرلمان العراقي الجديد، و على رأسهم الحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل موالية لإيران.
حيث أن هناك تحولات عميقة حدثت في مزاج الناخب الشيعي العراقي، يؤكد إنهم ضد ابتلاع العراق، من جانب قوى إقليمية معينة متحكمة بالقرار السياسي العراقي.
وكشفت نتائج الإنتخابات أيضاً عن ذكاء التيار الصدري في طريقة إدارة الملف الإنتخابي، مما دفعه للفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي.
فيما أظهرت النتائج أن الخسارة التي سجلها الحشد الشعبي،تأتي نتيجة خيبة أمل ناخبيه من أدائه السياسي ،وإخفاقه في تلبية تطلعاتهم ،وذلك بجانب العنف والممارسات القمعية المنسوبة للفصائل المكوّنة للحشد الشعبي الذي يضم نحو 160 ألف مقاتل.
هذا و قد شملت نتائج الإنتخابات العراقية مفاجأة أخري، إلا و هي تمكنت النساء العراقيات من تخطي عدد مقاعد الكوتا المخصصة لهن، وهي 25 بالمئة من إجمالي مقاعد البرلمان، أي ما يعادل 83 مقعدا، حيث بلغ عدد الفائزات هذه المرة 97 امرأة، كما أظهرت هذه النتائج فوز 57 امرأة بقوتها التصويتية، من دون الحاجة إلى الكوتا.
وتشير نتائج الانتخابات أن التحالفات و الصفقات السياسية، هي التي سترسم ملامح الحكومة العراقية الجديدة، حيث أن التحالفات هي من تشكل القوي في البرلمان العراقي.
والجدير بالذكر أن حسب تفسير الدستور العراقي، فأن "الكُتلة الأكبر" المخولة بتشكيل الحكومة العراقية، ليست الكُتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات البرلمانية، بل الجهة التي تؤلف وتضم أكبر عدد من النواب خلال أول جلسة للبرلمان الجديد.
لذا وعلى أثر التقارب بين التيار الصدري و الحزب الديمقراطي الكردستاني، يمكن أن يشكلان تحالف يكفي لأن يكونوا قوة نافذة داخل البرلمان العراقي ،بالإضافة إلى تحالف "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي،حيث أن التيار الصدري يعلم أنه لن يتمكن من تشكيل الحكومة، دون وجود اتفاق سياسي.
ومن جانبها تحاول مختلف القوى السياسية العراقية المُقربة من إيران، من تحجيم هزيمتها من خلال إختلاق تكتلاً برلمانياً مؤلفاً من طيف كبير من القوائم والشخصيات البرلمانية الأصغر حجماً، تحت مسمى "الإطار التنسيقي"، لتؤلف كتلة برلمانية موازية ومشابهة لتحالف سائرون "التيار الصدري" والقوى الفائزة المُقربة منه.
وذلك حتي تضمن المشاركة في تشكيل الحكومة والمناصب السيادية في العراق، وهو جهد إيراني قال مراقبون إنه بدأ منذ اللحظة الأولى لظهور النتائج.
ويعتمد الإطار التنسيقي في تشكيلة علي الكُتل الصغيرة ،وهي أساساً ائتلاف دولة القانون الذي يملك 38 نائباً وتحالف الفتح الذي فاز فقط 15-17 مقعداً برلمانياً، إلى جانب قوى سياسية صغيرة للغاية، تملك ما بين 4- 6 مقاعد، هي تحالف العقد الوطني وقوى الدولة (تيار الحكمة مع لائحة النصر)، بالإضافة إلى حركات حقوق واقتدار والنهج الوطني، ومعهم قرابة عشرة نواب فازوا في الانتخابات كمستقلين، لكنهم مقربون بتوجهاتهم السياسية من فصائل الحشد الشعبي، ومعهم حركة بابليون، التي استحوذت على المقاعد الخمسة للكوتا المسيحية في الانتخابات.
ويتمحور المضمون السياسي لهذا التكتل السياسي، بالإضافة إلى ارتباطه بالخيارات الإيرانية داخل العراق، والسعي أيضا لقطع الطريق أمام التيار الصدري، وحلفائه العراقيين لتشكيل الحكومة العراقية الجديد، و أيضا ترشيح رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي لمنصب رئيس الوزراء الجديد.
ويذكر أن مع تراجع الكتل الموالية لإيران في الإنتخابات العراقية، يري البعض أن العراق عادت لعروبتها ، وذلك بفوز القوى السياسية التي ترفض إستمرار التأثير الإيراني في الشأن العراقي.
وهذا يدفع البعض لتفائل كبير، إنه سيترتب عليه إستقرار الأوضاع، مما يعود بالاستقرار على المنطقة بالكامل، بالإضافة إلى أنه سيعد تراجع لإيران في الدول العربية.
لكن يري البعض أيضاً أن هزيمة الموالين لإيران في العراق، ستدفع العراق للعودة للصراعات المسلحة ،حيث أن هذه التيارات ستلجأ للعنف جراء هزيمتها مما يدفع الأوضاع لعدم الإستقرار في العراق و المنطقة العربية بالكامل.
لذا فالبعض يرى أن التشكيل الفعلي لحكومة جديدة ،قد يستغرق أسابيع من المساومة السياسية، مع عدم وجود زعيم واضح،وذلك معي منافسة شرسة .
ولذلك بالرغم من إقامة الانتخابات العراقية في استجابة للاحتجاج التي ضربت الشارع العراقي اعتراضاً علي السياسية المتابعة، إلا أن نتائجها لم تدفع الشارع العراقي للهدوء حتى الآن ، بل إن الأوضاع تشهد مزيد من التوتر و الإحتجاجات.