جريدة الديار
السبت 23 نوفمبر 2024 12:50 صـ 21 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

رغم غلاء الأسعار إلا أن البعض إستغلوا إفطار الصائم لمصالحهم.. ”موائد الرحمن” .. فرحة للغلابة وسبوبة للأغـنيـاء

موائد الرحمن
موائد الرحمن

المواطنـــــون : عادة رمضانية قديمة وتكافل اجتماعي للفقراء.. يستغلها البعض لمصالحهم الشخصية والتباهي والشهرة بالشو الإعلامي .. يتردد عليها عابري السبيل والقادرين أما الفقراء يتعففون ..

الشنط والكراتين الرمضانية والوجبات أفضل للفقراء فيجب توصيلها لمنازلهم .. الخـــــــــبراء : سلوك للتصدق أما إذا كانت للتفاخر يضيع ثوابها ..

موائد الرحمن لإفطار الصائمين ولا تقتصر على الفقراء ..

الفقراء في أمس الحاجة لمد يد العطف والرعاية ولكن بهدف الثواب وليس المصالح ..

رزق المؤمن يزداد في شهر رمضان مما يجعله الله أجود ما يكون بالخير ..

"إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً ...

موائد الرحمن عادة رمضانية قديمة في مصر، فهي تُعتبر من أهم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان لإفطار الصائمين وعابري السبيل، ورغم انخفاض أعداد موائد الرحمن هذا العام عن الأعوام السابقة نظراً لارتفاع أسعار السلع الغذائية إلا أنه لازالت قائمة ولكن بعض الأغنياء من أصحاب القلوب الضعيفة ورجال الأعمال استغلواها للتباهي والشهرة والشو الإعلامي لخدمة مصالحهم الشخصية، علماً بأن الهدف الأساسي منها هو تذيب الفوارق الطبقية في المجتمع لكي تحد من غلظة الفقراء على الأغنياء، كما إنها تقوى روابط المجتمع بالتكافل الاجتماعي والأهم من ذلك أن فضل ثوابها عظيم لوجه الله.

تكافل اجتماعي

يقول زكريا عبد العزيز ـ فرد أمن وحراسة بشركة خاصة ـ إن فكرة موائد الرحمن من مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم والتي تمتاز بها مصر خاصة في المناطق التاريخية مثل أحياء السيدة زينب والحسين والتي يتردد عليها الناس لتناول وجبات الإفطار وهو ما يعد تطبيق لمبدأ التكافل الاجتماعي على أرض الواقع، متسائلاً: لماذا لا يتم تعميم الفكرة طوال العام؟ حتى يشعر الفقراء بمحبة الأغنياء من خلال تجمعهم على مائدة واحدة دون تمييز بين أحد.

عادة قديمة

يشير محمد حسن ـ مدرس من الجمالية ـ إلى أن إقامة موائد الرحمن عادة رمضانية قديمة في مصر لفعل الخير، فيرجع بعض المؤرخين تاريخ بدايتها في مصر إلى عهد الأمير أحمد بن طولون في القرن الثامن الهجري، بينما يرجعها آخرون إلى عهد الدولة الفاطمية بالقرن التاسع الهجري، وبقيت هذه العادة لتكون دليلاً للناس على طريق البر والإحسان ولكن للأسف في الفترة الأخيرة استغلها الأغنياء ورجال الأعمال في تحقيق مصالحهم.

للشهرة والتباهي

يلاحظ محمد سليم ـ موظف حكومي ـ أن بعض الفنانين يتخذها كنوع من التباهي والشهرة، كما أن بعض الأغنياء ورجال الأعمال يجعلونها سبوبة بجذب إنتباه الفقراء لهم من خلال هذه الموائد وتوزيع الشنط التموينية لخدمة مصالحهم الشخصية، مشيراً إلى أنه من الأفضل إستبدالها بشنط رمضان وتوصيلها للمحتاجين المتعففين في منازلهم لكي يستفيد منها الفقراء خاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية.

كما يرى جابر عبد المنعم ـ طالب بكلية أصول الدين ـ أن النية هي المعيار الأساسي التي من أجلها يحاسب عليها مقيم مائدة الرحمن، لافتاً إلى أنه لا يجوز استغلال فقر الصائمين لتحقيق مصالح الأغنياء ورجال الأعمال الشخصية سواء كان للتفاخر المصالح الشخصية.

يستطرد محمود عبد الرازق ـ موظف ـ قائلاً: إن رجال الأعمال والتجار في المدن يحرصوا على إقامة تلك الموائد بهدف مصالحهم الشخصية، على عكس المحافظات فيقيمها كبار رجالت البلد مقربة لله عز وجل وصدقة في الشهر الكريم.

شو إعلامي

أما أحمد محمود ـ تاجر ـ فيشير إلى أن موائد الرحمن عادة رمضانية لا غني عنها للفقراء ولكن مع ظاهرة الغلاء هناك بعض القائمين عليها من بعض الأغنياء والتجار الكبار والفنانين أيضاً يتخذونها كـ"شو إعلامي" رغم أن الغلابة تنتظرها من أجل تناول إفطار رمضان . ويضيف عمرو عطية ـ محاسب ـ أن بعض الأغنياء يقوموا بتجهيز موائد الرحمن كنوع من التفاخر والشهرة ولفت انتباه وسائل الإعلام له فنجده يقيم شادر كبير ويبالغ في نوعيات الطعام ويتجاهل الهدف الأساسي التي أقيمت الموائد من أجله بأن يكون لوجه الله فقط.

إفطار الصائم

يرى أحمد عبد الرحمن ـ إمام مسجد ـ أن العِبرة من إقامة هذه الموائد هي إفطار الصائم وعابر السبيل دون النظر لوضعهم المادي، كما أن القائمين عليها لا يهتموا بالجلوس فيها بل هدفهم الأساسي للبر والإحسان وأخذ الثواب، حيث أن العمل بموائد الرحمن يجب أن يكون تطوعي مع قبول التبرعات العينية والمادية مقابل إيصالات من أهالي الحي.

مراقبة الموائد

تلتقط طرف الحديث وفاء إمام ـ ربة منزل ـ قائلة: إن تزاحم بعض الحرفيين غير صائمين طوال الشهر الكريم لدخول موائد الرحمن لا يفسح المجال لفقراء الصائمين، علاوة على تردد غير المسلمين من اتخذوا من موائد الرحمن ملجأ لتوفير ميزانية الأسرة، مطالباً بمراقبة هذه الموائد حتى يستفاد منها الصائمين وعابري السبيل.

مشاركة مُجتمعية

يلاحظ أحمد شعبان ـ مدرس ـ أن إقامة الموائد الرمضانية بجميع الأحياء والقرى الفقيرة هي نوع من الاكتفاء الذاتي، مطالباً من القادرين العمل على توصيل وجبة الإفطار لمنازل المحتاجين المتعففين حتى لا يجرحوا مشاعرهم، أما بالأحياء الراقية يقيمها أصحاب المحال والشركات للصائمين المحتاجين وعابري السبيل ولكن بهدف الثواب من الله وليس للمصالح الشخصية والتباهي.

توصيل الإفطار للمنازل

يقول محمد محمود ـ يعمل في مسجد تابع للجمعية الشرعية في إمبابة ـ إن المسجد يقيم مائدة الرحمن لتكفى عدد كبير من فقراء المنطقة يومياً حتى أيام الاعتكاف فالجمعية مسئولة عن إطعام المحتاجين حيث أن بعضهم يأتي للإفطار على المائدة والبعض الآخر يتم توصيل الإفطار إلى منازلهم لعدم إحراجهم. يتفق معه في الرأي مازن طه ـ طالب جامعي ـ توصيل إفطار شهر رمضان لمنازل الفقراء بالوجبات الجافة، نظراً لوجود أسر كثيرة متعففة عن الخروج للإفطار بالموائد وتظل صائمة كعاداتها مما يؤدي إلى إهدار للطعام وبالتالي يمتنع أصحاب المصالح من التباهي بإقامتها في الميادين والشوارع وتصبح لفعل الخير فقط.

ويُكمل حسين عزمي ـ مسئول مائدة الرحمن بالقاهرة ـ مشيراً إلى أن هناك عدد كبير من رجال الأعمال يقومون بعمل موائد الرحمن لابتغاء مرضاة الله وبدون أي مصلحة شخصية ممن يحرص على إقامتها كل عام لإفطار الصائمين وتوصيل الوجبات للمتعففين منهم إلى منازلهم. وتروي سليمة محمود ـ خادمة مسجد بالدقي ـ تفاصيل تجربتها مع موائد الرحمن والتي تقام بالمسجد منذ عدة سنوات، قائلة: إن أحد فاعلي الخير يقوم بتجهيز وجبات جافة بالتنسيق مع مطاعم شهيرة لتوزيعها وقت الإفطار على العاملين بالمسجد والفقراء وعابري السبيل ويستمر توزيع الوجبات لحين الانتهاء من صلاة التراويح.

شنط رمضان أفضل

أما نبيل عبد الفتاح ـ محاسب ـ يفضل توزيع شنط أو كراتين الخير على الفقراء في شهر رمضان بدلاً من إفطارهم على موائد الرحمن حتى لا تعوق الطريق، كما أن معظم المترددين عليها لا يستحقونها وأغلبهم من العمال الغير صائمين. يوافقه الرأي أشرف مصطفى ـ موظف ـ مشيراً إلى أن كرتونة رمضان أفضل من الإفطار على مائدة الرحمن، حيث أنها توفر للفقراء السلع الغذائية وتناسب المتعففين منهم على أن يتم توصيلها إلى منازلهم حتى لا نسبب إحراج للمحتاجين.

رقابة صحية

يتعجب حسين مُليحة ـ من إقامة موائد الرحمن في الشوارع وأمام المساجد ويتكلف القائمين عليها تكاليف عالية حتى يسعد الصائمون من الفقراء بإفطارهم بأفضل الأطعمة، ولكن مع الأسف الشديد هذه الموائد لا تخضع لرقابة صحية حتى يتم تأمين المحتاجين والفقراء من عدم إصابتهم بأي مرض لا سمح الله، مطالباً من الجهات المعنية أن تراقب هذه الموائد صحياً لحماية وسلامة صحة الفقراء.

لا غنى عنها

يلفت محمود أبو المجد ـ موظف ـ الانتباه إلى أن هناك عدد كبير من الفقراء ينتظرون قدوم شهر رمضان لنفحاته الطيبة وهذه الموائد لا غنى عنها لإفطار الصائمين الفقراء ولكن يجب ألا تكون بغرض المصالح الشخصية أو للتباهي والشهرة لمن يقيمها. ويرفض محمد حامد ـ مبرمج كمبيوتر ـ إقامة موائد الرحمن بهدف المصالح الشخصية من الأغنياء وأصحاب القلوب الضعيفة، حيث أن إفطار الصائم بالمائدة وتوزيع الشنط لا غنى عنهما طالما أن هناك نية صادقة من أهل الخير.

يرجع جمال عطا ـ مراجع حسابات ـ الحكمة من إقامة هذه الموائد خلال الشهر الكريم إلى نية من يقيمها حيث أن الظاهر كونها عبادة رمضانية لإذابة الطبقات بين فئات المجتمع ومن المكن أن يكون الباطن متعدد الإتجاهات لكن في النهاية فائدة للفقير وعابر السبيل.

التنظيم مهم

يشير خالد عبد الرحيم ـ مسئول علاقات عامة في شركة خاصة ـ إلى أن التسابق في فعل الخير والنهوض بمستوى الفقراء من خلال إقامة موائد الرحمن شيء طيب، ولكن يجب أن يكون له هدف سامي فيجب الاهتمام به وتنظيمه لصالح الفقراء، فلا بأس أن يكون التنسيق مع رجال الأعمال ولكن إذا كان الهدف لسد حاجة الفقراء في الشهر الكريم وليس للمصالح الشخصية.

لوجه الله

يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش ـ أمين عام الدعوة و رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف ـ إن هناك فرق بين اللوائم وهى التي يدعى لها الأغنياء دون الفقراء وبين موائد الرحمن فهي للفقراء و المحتاجين، حيث أن الله عز وجل جعل الصوم فريضة وقيام الليل تطوع بشهر رمضان كما أن إفطار الصائم مغفرة للذنوب وعتق رقبة من النار ولو بشربة ماء وتمرة وملئ لبن وأجره مثل أجر الصائم دون أن ينقص من أجره الصائم شيئاً، وهنا لم يحدد رسولنا الكريم الحالة المادية للصائم كونه غنى أو فقير، كما أن الحكمة من صوم شهر رمضان أن يشعر الغنى بالفقير من ألم الجوع ومرارة العطش ويتصدق عليهم ويعد لهم الطعام قربة إلى الله تعالى، فالفقراء في أمس الحاجة لمد يد العطف والرعاية في مثل هذا الشهر خاصة وأن رزق المؤمن يزداد بشهر رمضان مما يجعله الله جواداً وأجود ما يكون بالخير في شهر رمضان لقول الله تعالى "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً"، مضيفاً أن دعوة الأغنياء فقط على موائد الرحمن دون الفقراء فإنه أشر طعام.

فكرة نبيلة

تؤكد د. أمنة نصير ـ أستاذ العقيدة جامعة الأزهر وعضو مجلس النواب ـ أن فكرة موائد الرحمن تطبق منذ عصور قديمة عندما كانت البلاد خلافة واحدة والناس في حالة ترحال وسفر ليل ونهار، مشيرة إلى أنها فكرة نبيلة سواء في الماضي أو في الحاضر، حيث أن هناك العديد من الأحياء الفقيرة تنتظرها وتستقبلها بفرحة كبيرة لأنها تدخل عليها البهجة, موضحة أن مائدة الرحمن هي نوع من أنواع الكرم وسمة رمضانية حميدة وترجع لمقدرة صاحب المروءة على حسب ظروف الحي الذي يقيم فيه وتكون للغلابة والأغراب ممن تجبرهم الظروف على الإفطار خارج منازلهم، ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت تتم بدون عمل دراسة جيدة لطبيعة المناطق فمعظم الأحياء الراقية والتي تقام بها موائد الرحمن لا تجد من يجلس عليها بالرغم من أنها تقدم أفخم أنواع الأطعمة لذلك يجب في الأحياء الراقية إستبدالها بالحقائب الرمضانية التي تحتوى على كل مستلزمات الأسرة من السلع التموينية القيمة لضمان تحقيق الحياة الكريمة طوال الشهر.

تقيينها واجب

ويري د. عبد الله رشدي ـ إمام وخطيب جامع السيدة نفيسة السابق ـ إنها تهدف لإطعام الفقراء والمتحاجين، فإذا كان المراد من إقامة المائدة هذا الهدف سيؤجر عليه الإنسان بشرط عدم التضييق علي الناس بالطرقات بغلق الطريق العام فهناك من يقيم موائد بشكل مشين، كما أن النظافة من الإيمان فيجب التنظيف وعدم إعاقة المرور بالشارع ومن باب أولي إقامتها بعد تقيين كيفية إقامتها من حيث اختيار المكان المناسب حيث أن إطعام الطعام له صور مختلفة من إقامة الموائد وإعطاء مبالغ مالية أو توزيع شنط رمضان.

ترابط المجتمع تشير د. سوسن فايد ـ أستاذة علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ إلى أن موائد الرحمن مظهر من المظاهر الإسلامية والمبادئ التي تدل علي قوة وترابط المجتمع، ولكن نظراً للظروف الاقتصادية أصبحت في حالة إنكماش عن الماضي بالرغم من تزايد أعداد ضيوفها فإن وجدت تكون متقشفة نتيجة الغلاء الذي نعيشه، حيث أن جمهور الموائد يكونوا راضيين قانعين بها فهم على علم جيد بالظروف الاقتصادية التي نعيشها وهناك عدد من القادرين يصروا علي إقامتها وعدم توقفها فهي عادة حميدة تترجم واجبهم بالتكافل تجاه المحتاجين مما يدل على قوة تماسك مجتمعنا ولكن يجب أن تقام بهدف التكافل الاجتماعي فقط وليس للمصالح.

تذيب الفوارق الطبقية

ويضيف د. محمد سمير عبد الفتاح ـ أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي بجامعة المنيا والعميد الأسبق لمعهد الخدمة الاجتماعية ببنها ـ أن مائدة الرحمن تلعب الدور الأكبر في العلاقات الاجتماعية وتقوى البنية الاجتماعية للمجتمع لأن المجتمع المصري فقير بطبعه، حيث يوجد الغالبية منه يعيشون على حد الكفاف، لذا فإن موائد الرحمن تحث على تماسك أفراد المجتمع وتشعر الفقراء بأن الأغنياء يهتموا بهم ولكن بهدف التكافل الاجتماعي وليس المصالح الشخصية، لافتاً إلى أنها تذيب الفوارق الطبقية من خلال العلاقات الاجتماعية وبالتالي تحد من غلظة الفقراء من حقد وغل على الأغنياء، كما إنها تقوى روابط المجتمع بشكل من الأشكال المحبوبة للتكافل الاجتماعي علاوة على أن فضل ثوابها عظيم.