الحب والكذب والخيانة والخداع.. متحف «تمر حنة» يُحاكي المشاعر الإنسانية بالنحت والتحنيط في الإسكندرية
مازلت محافظة الإسكندرية تُخبئ بداخلها فنونا وفنانين يستخرجون مشاعرهم وأحاسيسهم عن طريق ما يقدمونه من أعمال، وفي منطقة الإبراهيمية بوسط المدينة وعند مرورك على شريط الترام، سيلفت نظرك ذلك المكان الذي يمثل عالما خاصا لترى تماثيل من الخارج والداخل، يستوقفك هذا المشهد لتنظر نظرة تلو الأخرى، ثم تتمعن وتدقق النظر، لتجد نفسك أمام معاني تجسدت في أشكال ومجسمات.
فما بين التحنيط والتماثيل المنحوتة حكايات ومسيرة حياة فنان سكندري، يبلغ من العمر 47 عاما، نشأ على حب الفن خاصة أقدم الفنون التي عرفتها البشرية من النحت والتحنيط، يروي الفنان ناصر الشربيني صحاب متحف تمر حنه لـ "الديار" قصته قائلا: بدأت حياتي لاعب كونغو، ثم مدربا للقوات الخاصة 4 سنوات، وبعدها تركت العالم الرياضي، وتفرغت للفن.
وتابع الشربيني: كان من أسباب تفرغي للفن هو شعوري بوجود كلام بداخلي، ورغبتي في التعبير عن الواقع الذي أعيش فيه، ووجد أقرب شيء لتفسير كلامي هو فن النحت، وتعلمته دون الاستعانة بأحد وعلمت نفسي بنفسي، في بداية الأمر حاولت مرة واثنين في استخراج تماثيل من النحت حتى نجحت.
وأضاف الفنان السكندري: أنا الآن لدي الكثير من التماثيل من صناعة القالب، والصب، والتلوين، وأقوم بعمل التمثال من المراحل الأولى حتى النهاية، وعند بحثي عن النحاتين على مستوي العالم وجدت معظمهم ينحتوا تماثيل على أشكال حيوانات كـ الغزالة أو الأسد، ومن هنا قررت أن اختلف عن باقي النحاتين، وبدأت في نحت الأحاسيس لافتا أن النحت هو فن تجسيدي يرتكز على إنشاء مجسمات ثلاثية الأبعاد لإنسان، حيوان، أو أشكال تجريدية. ويمكن استخدام الجص أو الشمع، أو نقش الصخور أو الأخشاب.
تقديم المشاعر والأحاسيس الإنسانية
وأوضح الشربيني، أنه بدأ في تقديم المشاعر والأحاسيس الإنسانية على ما يقوم بنحته، وتقديم نماذج تعبر عن التفكير السلبي والإيجابي، متابعا: بدأت أنحت الأحاسيس التي بداخلهم على هيئة تماثيل لتفسير معاني الظلم والفقر والجهل، من خلال نماذج وتماثيل حية توضح الإنسانية الغائبة في المجتمع وما يتعرض له الجميع من قمع، والكثير منها مستوحى من الحياة التي يعيشها المجتمع المصري الآن.
وأشار إلى أن متحف "تمر حنة" يضم أكثر من 90 تمثالا يناقشون 90 قضية معظمهم لسلبيات محيطة بنا في مصر والوطن العربي أو في العالم من أول الإرهاب والنفاق والكذب والغباء، حيث يعتبر المتحف تجسيدا للواقع الرخيص الذي نعيش فيه ويعد صوتا لمن لا صوت له، وكذلك يعد الحقيقة المرة والوحيدة.
ولفت إلى أنه قسم المتحف إلى عدد من الأركان، وكل ركن به رسالة كركن "حارة الكدابين" الجميع يكذب على الجميع والكثير يكذب على نفسه، وركن "الجميع يخون الجميع"، حيث يعتبر "تمر حنة" هو متحف الإنسانية الغائبة، لافتا أن اسم تمر حنة «Tamr henna» مستوحى من اسم الفيلم الاستعراضي تمر حنة الذي كان يحكي قصة حب بين شاب فقير وفتاة فقيرة راقصة في مولد و في الوقت الذي كان يرسم فيه وشما باسم حبيبته، ويعاني من آلام رسم الوشم، كانت حبيبته تقابل شخص آخر غني، والرمز الذي تستوحيه من قصة الفيلم هو الغدر والخيانة، وبذلك يكون متحف تمر حنة تجسيد للغدر والخيانة في مصر والوطن العربي، على هيئة تماثيل منحوتة في مكان واحد.
وتابع الفنان السكندري، أن متحف تمر حنة يضم أيضا جميع أنواع الفنون الهاند ميد ولوحات لأي فنان مميز يريد عرض أعماله في المتحف، بخلاف التماثيل، وتم أيضا إدخال الفن الصوتي داخل المتحف، وهي عبارة عن أمسيات فنية وشعرية وثقافية بالعود والشعر ذات قيمة عالية.
واستطرد الشربيني: أن النحت هو استوحاء من الأشخاص الصفات السلبية ويمر بعدد من المراحل وهي الطينة المخوصة لنحت الشخصية، ثم التحول إلى قالب، وبعدها مرحلة الصب بمادة اسمها بلواستر، ثم الصنفرة بالصاروخ ثم مرحلة التلوين.
وقال: بخلاف فن النحت عملت في فن التحنيط، وقمت بتحنيط أكثر من 120 حيوانا، وهذه الحيوانات يتم أخذها من حديقة الحيوان بعد موتها، وبدل أن يدفنوها أخذها منهم ويتم تحنيطها على مستوى عالٍ، حيث يقلب الفنان التحنيط إلى فلسفة كـ طائر الصقر الذي قام بتحنيطه وكتب عليه: «الصقر لو انكسر فئران الجبل تأكل فيه»، وكذلك قام بتحنيط أسد وكتب عليه «كلنا قتلة يا عزيزي» لافتا أن التحنيط هو حفظ جثث الموت لتبقى سليمة لفترات طويلة، أما مصطلح مومياء الذي نطلقه عى الجثث التي عثر عليها في مصر فهو مفهوم يطلق على جثة أي كائن حي سواء حيوان أو إنسان، وفي الوقت الحالي لقد ظهرت أنواع أخرى من التحنيط مثل حفظ الأجساد بالتبريد، وحقن الشرايين بسائل قاتل للميكروبات لينشر في الجسم ويحفظه من التحلل
موقع أطلس الأمريكي
و حسبما ماقلوا ناصر، للديار أن المتحف حصل على العديد من الجوائز منها: أفضل 100 مؤسسة مؤثرة في الشرق الأوسط للفن التشكيلي ممنوحة من الأمم المتحدة ومركز الإبداع العلوم الإنسانية على مدار عامين على التوالي، مشيرا إلى أن المعرض مرشح على موقع أطلس الأمريكي والذي ينصح الزوار الأجانب بزيارته لما يحمله من قيمة.
وتابع: حصلت كـ "صاحب للمتحف" على شهادة 100 شخصية مؤثرة في الشرق الأوسط، والوحيد الذي حصل على 25 من 25 في الأربع دول المقدمين لمناقشة مشاكل وسلبيات من خلال المتحف والتماثيل، مشيرا بأن الفنان يجب ألا يكون نمطيا، ويجب أن يكون له رؤية مختلفة عن باقي الفنانين وله إضافة ورسالة عن طريق فنه.
وناشد الفنان السكندري، وزارة السياحة بإدراج متحف تمر حنة كمنشأة سياحية، قائلا: مينفعش أن موقع أطلس يدرج المعرض كمنشأة سياحية، وبلدي تتجاهل هذا الأمر، وطلبي ليس ماديا ولكن معنويا، حيث أن هدفي هو استغلال المعرض للتشجيع على السياحة وجذب الزائر الأجنبي.