د.محمد الأشقر يكتب: لمن تقرع الأجراس؟.. «قصة قصيرة»
قبيلة إفريقية تقيم في مكان نائي بجوار بحيرة فيكتوريا.. بالقارة السمراء.. أهل القبيلة يتميزون بطول فارع وقوام رشيق يميل إلي النحافة.. طعامهم المعتاد هو من تجهيز الحبوب التي تنمو في أرضهم... وأحيانا قليلة يأكلون شيء من أسماك البحيرة..
تتميز أرضهم بأنواع نادرة وهامة من الأعشاب والنباتات الطبية التي تعالج بعض الأمراض الخطيرة، وبعض الأعشاب التي تزيد من فحولة الرجال، وخصوبو النساء، تلك الأعشاب التي تنمو في أرضهم لطبيعة الطمي والمناخ وكثرة الأمطار اليومية التي رزقها الله للإنسان والدواب في هذه المساحة الخضراء، وهي موضع اهتمام وطمع كبير لدي بعض العلماء والأطباء، وبعض التجار من داخل وخارج القبيلة..
أهل القبيلة بعضهم يسكن الأرض المنبسطو حول البحيرة في بيوت مصنوعو بعناية من القش وخشب الأشجار وسعف النخيل والبعض يسكن أعلي هضبة بجوار البحيرة وعملهم الأساسي هو رعي الأبقار والأغنام وزراعة نبات البن والأعشاب الطبية..
طبيعه الحياة بدائية.. والعقيدة قديمة وثنية.. يمثل فيها الرقص حول النار... ركنا هاما من الأركان.. وفي ساحة القرية بعض التماثيل الخشبية... كلا منهم يرمز إلي معني من معاني القوة أو الخصوبة أو الحياة..
كان يميز هذه القبيلة السكون والهدوء.. وبعد زيارو عدة مكتشفين من الأجانب الغي هذه الرقعة.. وجدوا ضعف كبير وعام في القدرو علي السمع لدي معظم سكان القبيلة.. وأن أفضل مستوي للسمع.. رغم نسبو انخفاضه الحاد.. يتوافر لدي رئيس القبيلة... وبعض قارعي الدفوف في الاحتفال الشهري للقبيلة الذي يتم مساء اليوم الذي يكتمل فيه استداره وجه القمر.. ويرقص الجميع حول ألسنة النار التي تشتعل وتتوهج.. ويطير شررها يسارا ويمينا بفعل الهواء والرياح التي تلف المكان.. حول بحيرة فيكتوريا..
الكلام أو الحديث في القبيلة.. قليل أو نادر.. ويتخذ شكل الصراخ أو الصياح عند أي انفعال أو إختلاف.. وبعد الصراخ بساعات.. تهدأ الأمور.. وكأن شيئا لم يكن..
في وقت من الأزمان... جاءت بعثة تبشيرية وأقامت خيام لها بجوار القبيلة.. فأهل القبيلة يرفضون تماما وجود غريب بينهم، البعثة التبشيرية جعلت من أحد الخيام.. عيادة طبية لعلاج أمراض أهل القبيلة.. ومحاولة بحث وتفسير سبب ضعف السمع لدي أهل القبيلة.. واختلفت التفاسير.. لكنها اتفقت علي أنه مرض وراثي ينتقل عبر الأباء والأبناء.. وبمعدل أكبر وأخطر في الرجال عن النساء، ويقال أن هناك بعض النباتات والأعشاب الطبية التي تنمو في أرض القبيلة تحسن قليلا من حاسة السمع... ووضوح الكلام.. لكنها للأسف.. غير مسموح بزراعتها إلا في الأرض التي يسيطر عليها رئيس القبيلة.. ومساعديه المقربين.. وساحر القبيلة يوفرها لمن يريدها مقابل ثمن غالي وطلبات غريبة الملامح..
وإذا تم إكتشاف وجودها مع العامة فالحساب عسير قد يصل إلي طرد ابن القبيلة خارجها أو تقديمه كقربان إلي الأسود والنمور!!..
الخيمة الثانية بها بعض المقاعد الخشبية البسيطة لمحاول تعليم الصغار القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية مع استخدام الرسوم والإشارات للتغلب علي مشكلة ضعف السمع..
الخيمة الثالثة.. لمحاولة تعليم أهل القبيلة قيم وتعاليم الدين المسيحي من خلال وصايا وتعاليم رسول الله السيد المسيح - عليه السلام- وتعاليم تلاميذه من بعده لنشر المحبة والسلام وأعلي هذه الخيمة تم تثبيت مجسد كبير من الخشب للصليب وجرس كبير..
أعضاء البعثة التبشرية قسيس عجوز وبعض رجال ونساء وقليل من الشباب يتمتعون بوجوه صبوحة مشرقة تنشد فعل الخير ونشر قيم التسامح والمحبة بين البشر وتصحيح طريقة عبادة أهل القبائل البدائية - لله سبحانه وتعالي- خالق الحياة والموت وكل عمل فريق البعثة تطوعي ودون مقابل كل أملهم هو رضى الله عنهم وأن يحبهم رسول الله المسيح وأن يحظوا بصحبته في ملكوت السماء بعد الموت والانتقال إلي حياة الخلود..
بعد شهور طويلة تم نسج علاقة إنسانية جميلة بين أهل القبيلة وبين فريق البعثة التبشرية وتم دعوتهم للمشاركة في الحفل الشهري الذي يقام في ساحة القرية مع إكتمال استداره القمر..
إندهش فريق البعثة من طريقة ومراسم الإحتفال والكم الرهيب من ألسنة النار التي تتصاعد بعد حرق خشب أشجار يتم تجهيزه للإحتفال الشهري..
لكن فريق البعثة التبشري أظهر كل الاحترام الحقيقي والمودة لأهل القبيلة.. صوت إيقاع الدفوف رهيب في آذان فريق البعثة لكنه ضعيف التأثير في آذان أهل القبيلة وأقصي إنفعال أو تأثير للإيقاع يظهر من خلال الحركات الراقصة لأهل القرية حول النار بملابسهم البدائيه المزركشة التي تستر العورة، وأجزاء قليل من الجسم الإنساني الأسمر اللامع بقطرات العرق ويفيض بالطاق والحياة..
حاول بعض فريق البعثة تنبيه رئيس القبيلة إلي شئطىؤ هام بعد إهدائه بعض الهدايا الذهبية، وهو خطور ألسنة النار مع الرياح علي أعشاش أو بيوت أهل القبيلة..
رئيس القبيلة رحب بالهدية، ولم يستمع أو ينتبه إلي خطورة اشتعال النار في البيوت عند أي احتفال قادم..
استمر عطاء وخدمة البعثة التبشيري لأهل القبيلة لمدة شهور في مجالات مختلفة وبلا مقابل لكن وصلت أخبار البعثو والقبيلة إلي بعض التجار في إنجلترا وماحولها وعرفوا بأهمية وندرة وفائدة الأعشاب والبذور الطبية التي تنمو في أرضها، وبدا توافدهم بصحبة أخصائيين إشارات للتعامل مع رئيس القبيلة ومساعديه الأشداء وضاربي دفوف الإيقاع وتم التبادل التجاري بين التجار وكبار أهل القبيلة بعض القليل من الذهب مقابل الكثير من البذور والأعشاب الطبية..
اعترض معظم فريق البعثة التبشيرية علي مايتم من أحداث جديدة في القبيلة لكن اعتراضهم طار مع دومات الرياح التي بدأت تجتاح ساحة القبيلة..
وفي أحد الاحتفالات الشهرية، هبت رياح قوية علي ساحة القبيلة، حيث يتم إشعال النار، تطايرت الشرر مسافات بعيدة حتي لامست عشش وبيوت أهل القبيلة فهبت فيها النار واحترقت معظمها بفعل الرياح العاتية والنار..
شاب برىء من شباب فريق البعثة التبشرية يجري لاهثا إلي الخيمة ليقرع الجرس لتنبيه كل أهل القرية من ويلات الحريق الشاب يدق بقوة ولا أحد يسمعه أو ينتبه إليه أو إلي صوت الأجراس..
قسيس عجوز، بوجه حزين، يسأل الشاب في آسى.. يابني.. لمن تقرع الأجراس.. ألا تعلم.. أن أهل القبيلة قد أصابهم ضعف السمع منذ عشرات السنين؟!..
ومع تصاعد دخان الحريق الرهيب غطت ساحة القبيلة سحابة دخان خانق سبب اختناق المئات وحجب تماما صورة القمر استدراته وضيائه وفر في الظلام كبار أهل القبيلة ومعظم التجار القادمين من بلاد خلف البحار ومعهم نفر قليل من فريق بعثة التبشير..
ومازال صوت القسيس الحزين يتردد في أذني وهو يسأل الشاب في آسي.. يابني لمن تقرع الأجراس؟..
(تمت)