ابن حميدو امير البحار الحقيقي الذي خضعت له الولايات المتحدة الامريكية!!
الريس حميدو أو ابن حميدو ما ان نسمع هذا الاسم ، فيتبادر لأذهاننا في الحال اسماعيل يس والفيلم الكوميدي الشهير الذي يحمل نفس الاسم والذي أنتجته السينما المصرية عام ١٩٥٧م ، لكن الشخصية الحقيقية لابن حميدو لا تمت بصلة للشخصية المقدمة بالفيلم ، فابن حميدو الحقيقي بطلٌ عظيم ، ضرب أروع القصص وأجمل المواقف في خدمة أمّته ورفعة شأنها ومات مرابطاً في سبيل الله ، غير أنَّ سيرته للأسف لم تَنَلْ حظّها في الذيوع، لنتعرف على الشخصية الحقيقية لابن حميدو امير البحار .
في قلب العاصمة الجزائرية وتحديدا في ساحة الشهداء هناك تمثالا شامخا لواحد من أشهر البحارة الجزائريين ، الريس حميدو ، صاحب أروع الانجازات المشرفة في التاريخ الإسلامي كله وتحديدًا في العصر العثماني ، وأحد أمهر رؤساء البحر الجزائريين، الذي فرض السيطرة الجزائرية على البحر المتوسط وأرغم الدول الأوروبية على دفع إتاوات وضرائب لضمان حق المرور في البحر المتوسط .
وُلد ابن حميدو عام ١٧٧٠م في إحدى قرى الجزائر، وكان أبوه خياطاً بسيطاً، لكن الطفل حميدو لم يكن متحمّساً لحرفة أبيه، بل كان عاشقاً للبحر ومولعا بالقصص والحكايات التي يسمعها عن البحارة وبطولاتهم في ذلك الوقت، فكان يتردد على السفن و يشارك البحّارة في رحلاتهم .
التحق ابن حميدو بالبحرية العثمانية وعمره ثلاثة عشر عاماً وأثبت جدارة و كفاءة عالية جعلته يترقّى في المناصب القيادية البحرية، وأصبح أمير البحرية في الجزائر وهو في الخامسة والعشرين من عمره وعلى الرغم من أن قيادة البحرية كانت تُسند دائماً للأتراك ، إلا أن كفاءة ابن حميدو وبراعته جعلت السلطان العثماني يختاره ليقود البحرية العثمانية من أرض الجزائر وبات ابن حميدو واحدا من أشهر قادة البحرية الجزائرية، وفقا لكتاب "تاريخ الجزائر في القديم والحديث" .
كان صعود ابن حميدو وتسيّده على إمارة البحرية يتزامن مع قيام الثورة الفرنسية ومجيء نابليون للحكم، وما أعقبه من فوضى عارمة في أوروبا وخلافات أوروبية شرسة ، فنجح الريس حميدو في انتهاز الفرصة واستغلال هذه الأحداث السياسية ، لتحقيق مكاسب لصالح الجزائر، وتقوية الأسطول الجزائري
قُدِّر عدد البحارة الجزائريين في عهده إلى أكثر من ١٣٠ ألف بحار، كما جاء في "تاريخ الجزائر في القديم والحديث" .
ومن أشهر السفن الحربية الجزائرية وقتها "رعب البحار والمحروسة" .
سطع نجم البحرية الإسلامية الجزائرية في ذلك الوقت وتمكن الأسطول الجزائري من الوصول بعملياته إلى اسكتلندا و المحيط الأطلسي ، كنوع من أنواع الرد على الاعتد. اءات الأوروبية على المشرق الإسلامي خصوصاً الحملة الفرنسية التي جاءت لاحتلال مصر في ١٧٩٨م
وذكر كتاب "تاريخ الدولة العثمانية" أنه في إحدى المعارك البحرية نجح الريس حميدو في الاستيلاء على واحدة من أعظم السفن البرتغالية، وهي السفينة "البورتقيزية" ، التي كانت مزودة بحوالي ٤٤ مدفعا وعلى متنها ٢٨٢ بحارا، ثم السفينة الأمريكية "أمريكانا" ، وأصبح أسطوله الخاص مكونا من ٣ سفن بإضافة سفينته، ومن ٤٤ مدفعا، وفرض سيادته على البحر لأكثر من ربع قرن .
وصلت درجة قوة الأسطول البحري الجزائري وقت الريس حميدو إلى تفوقه على الولايات المتحدة نفسها وجاء في كتاب "تاريخ الدولة العثمانية" : أنه بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا بدأت السفن الأمريكية ترفع أعلامها لأول مرة اعتبارا من عام ١٧٨٣ ، وأرادت الولايات المتحدة الامريكية أن تبدأ بداية قوية وتستعرض قوتها مع أول ظهور لها، وبدأت البحرية الأمريكية تتجوّل في البحر المتوسط متجاهلة سيطرة البحرية العثمانية بقيادة أسد الجزائر الريس حميدو الذي كان مسيطرا على مداخل البحر المتوسط ،فشن ابن حميدو هجو.ما عنيفا على الأسطول الأمريكي واستطاع الأسطول الإسلامي أن يحقق انتصارا عظيما وتم أسر ١١ سفينة أمريكية وساقوها إلى السواحل الجزائرية ، مما أحدث ضجة كبيرة، وعندما لم تستطع الولايات المتحدة الرد ، تقدّمت باعتذار للدولة العثمانية وطلبت توقيع معاهدة مع البحرية الإسلامية وبالفعل تم توقيع معاهدة بين البحرية العثمانية الإسلامية في الجزائر والبحرية الأمريكية عام ١٧٩٥م وكان الاتفاق ينص على أن تدفع الولايات المتحدة اثنين وستين ألف دينار ذهبي للبحرية الإسلامية ، مقابل السماح لها بالعبور من البحر المتوسط، وتضمنت هذه المعاهدة ٢٢ مادة مكتوبة باللغة التركية .
ذكر كتاب "تاريخ الدولة العثمانية" : أن هذه الوثيقة من الوثائق النادرة والفريدة، وهي المعاهدة الوحيدة التي كتبت بلغة أخرى غير الإنجليزية التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأميركية منذ تأسيسها حتى اليوم، وفي الوقت نفسه تعد المعاهدة الوحيدة التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بدفع ضريبة سنوية لدولة أجنبية، وبمقتضاها استردت الولايات المتحدة أسراها، وضمنت عدم تعرض البحارة الجزائريين لسفنها .
عندما جاء الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون إلى الحكم رفض دفع الضريبة المقررة، فقررت البحرية الجزائرية بقيادة الريس حميدو الرد والاستيلاء على السفن الأمريكية العابرة للبحر المتوسط. وبالفعل تمكّن الأسطول الإسلامي من سحق الأسطول الأمريكي وأسر كل من فيه ، على اثر ذلك أرسلت الولايات المتحدة قطعة بحرية إلى البحر المتوسط للانتقام من الهجمات التي تعرضت لها سفنها في عام ١٨١٢ ، وكانت هذه القطعة بقيادة "كومودور دوكاتور" ، وكان من المهام المكلف بها هذا القائد إجبار الجزائريين على تقديم اعتذار للولايات المتحدة واسترجاع الأسرى الأمريكيين، وإنهاء دفع الضريبة المفروضة على السفن الأمريكية في البحر المتوسط، والسماح لها بحقوق الزيارة وفقا لكتاب "تاريخ الجزائر في القديم والحديث" .
وتنشب معركة كبرى بين قطع الأسطول الأمريكي تسانده بعض قطع الأسطول البرتغالي على قول بعض المصادر ضد الأسطول الإسلامي، ورغم تفوق السفن الجزائرية، أصابت قذيفة مدفع قوية الريس حميدو، ما أدى إلى مقتله في ١٦ يونيو ١٨١٥م وأمّ حاكم البلاد حينها "الداي عمر باشا" شخصيا صلاة الغائب التي أداها الجزائريون على روح بطلهم الريس حميدو وأعلن الحداد في كل أنحاء الجزائر لمدة ثلاثة أيام ، تقديرا لهذا البحار المحارب و يذكر كتاب "تاريخ الدولة العثمانية" أن السلاح البحري الجزائري أطلق أسمه على إحدى الفرقاطات البحرية الهامة في سلاح البحر الجزائري، والمسلحة بحوالي ١٦ صاروخا، ويقودها ٦٠ ضابطا وبحارا ، كما أطلق اسمه أيضا على إحدى الضواحي غرب الجزائر ، كما شيّد له تمثال في ساحة الشهداء وسط العاصمة الجزائرية .. رحم الله ابن حميدو .
المصادر :
- تاريخ الجزائر في القديم والحديث . ( مبارك بن محمد الميلي ) جـ ٣ .
- تاريخ الدولة العثمانية . ( يلماز إيزتونا ) جـ ١ - الرايس حميدو قائد الاسطول الجزائري .